رئيس التحرير أحمد متولي
 خيري بشارة.. سينما تعشق التفاصيل ومغرمة بـ«سحر العادي»

خيري بشارة.. سينما تعشق التفاصيل ومغرمة بـ«سحر العادي»

من «الأقدار الدامية» إلى «العوامة رقم 70» و«الطوق والأسورة» ثم «يوم مر ويوم حلو»، أربعة أفلام روائية طويلة بدأ من خلالها خيري بشارة طريقه في عالم الإخراج السينمائي، وجعلت النقاد ينسبوه إلى مدرسة الواقعية الجديدة واصفين إياه بأحد صناعها البارزين.

«بشارة» رفض إلصاقه بمدرسة الواقعة الجديدة، وتمرد على وصف قد يجعله محاصر في أسلوب نمطي في الإخراج، ليقوم بعمل مجموعة مختلفة من الأفلام تندرج تحت مسمى «الفنتازيا الساخرة» وتحدث طفرة في عالم السينما بأكمله.​​​​​​​

«بشارة» مؤلفا

بعد تخرجه من المعهد العالي للسينما في عام النكسة 1967، لامس «بشارة» انهيار حلم «الجماهير العريضة» التي كانت مؤمنة بمباديء ثورة يوليو من قومية عربية وعدالة اجتماعية وما إلى ذلك؛ ما جعل هناك رغبة بداخله للحديث عن الناس البسيطة والمهمشين من المجتمع، ما سمّاه «سحر العادي»، فاتجه إلى التأليف السينمائي بعد عودته من بولندا حيث قضى هناك عاما واحدا لدراسة الزمالة، ليكون ثاني أفلامه «العوامة رقم 70»، من إنتاج عام 1982 ومن تأليفه وإخراجه أيضا، رمزا لجيل السبعينات بمشاكله وإحباطاته وأخطائه وسلبياته وتأثيره على الأجيال الأخرى.

الواقعية الجديدة والفنتازيا الساخرة

بعد «العوامة رقم 70»، تأكد لدى النقاد أن «بشارة» ينمتي إلى مدرسة الواقعية الجديدة في السينما، وخاصة بعد إخراجه لفيلمي «الطوق والأسورة» من إنتاج عام 1986، و«يوم مر ويوم حلو» من إنتاج عام 1988، وكتابته لسيناريو الأول، ومشاركته في القصة والسيناريو والحوار للأخير.

ولكن ما حدث عقب ذلك هو أنه تمرد على تلك المرحلة التي وجد أنه ليس لديه جديدا يقدمه فيها، لينتقل إلى مرحلة مختلفة اعتبرها كثيرون علامة فاصلة في تاريخه على نحو خاص وفي تاريخ السينما المصرية بشكل عام، وهي مرحلة أفلام الفنتازيا الساخرة التي بدأها بفيلمه «كابوريا» من تأليف عصام الشماع، وإنتاج عام 1990.

ذلك الفيلم الذي استلهم «بشارة» حلاقة شعر بطله «أحمد زكي» من ملاكم في حي شعبي كان يحلق رأسه على نفس الطريقة لتصبح موضة حلاقة شعر بين جمهور الفيلم تشتهر باسم «كابوريا»، شجع «بشارة» على استثمار نجاحه الجماهيري، ليتبعه بسلسلة من الأفلام التي انتمت للفنتازيا الغنائية الساخرة من تناقضات المجتمع، والمعتمدة على حالات تخلقها مواقف معينة أكثر منها قصص لها حبكة درامية متقنة الصنع؛ فكتب قصص أفلامه «أمريكا شيكا بيكا» من إنتاج عام 1993 و«حرب الفراولة» من إنتاج عام 1994، وقام بإخراجهما، بالإضافة إلى إخراجه لأفلام «قشر البندق» من إنتاج عام 1995 و«إشارة مرور» من إنتاج عام 1996.

«حلاوته!».. تعرف على نجوم المراهقة المتأخرة في السينما

مسابقات ومراهنات

في أفلام الفانتازيا الساخرة، أعطى «بشارة» اهتماما خاصا بإظهار الفوارق بين طرق معيشة الطبقة البرجوازية الرأسمالية والأخرى الكادحة، ولكن من خلال تناوله لرؤية جديدة تكررت أكثر من مرة في كل فيلم على حدة، وهي فكرة المسابقات والمراهنات المشروطة التي يقدم عليها الأثرياء بهدف المزاح والتسلية مستغلين أحلام أبناء الطبقة الكادحة.

hqdefault

ففي فيلم كابوريا، دعت «حورية»، ابنة الطبقة البرجوازية، حسن هدهد وأصدقائه للمشاركة في مباريات للملاكمة بداخل قصرها مقابل مبلغ كبير من المال، لتبدأ المراهنات بينها وزوجها على نتائج مباريات «هدهد» مع منافسيه، فهو مثل «الكابوريا» التي يتم اصطيادها في الفجر لتناولها ليلا، ولذلك تحدث أول مقابلة بين «هدهد» و«حورية» عند شاطيء النيل.

وكذلك في فيلم «أمريكا شيكا بيكا»، يتعاقد 8 أشخاص مع رجل أعمال لكي يحقق لهم حلم السفر إلى أمريكا، والتي يعتبرونها ملجأهم الوحيد والأخير.

وتأتي فكرة الرهان المشروط مرة أخرى في فيلم «حرب الفراولة» حين يعقد رجل ثري ومحاميه عقد اتفاق مع شاب فقير وخطيبته لكي يرافقا الرجل الثري محاولين إسعاده مقابل حصولهم على شقة ومائة ألف جنيه.

وتتجلى فكرة المسابقة في فيلم «قشر البندق»؛ حيث يقرر مدير فندق خمس نجوم تنشيط السياحة الداخلية من خلال الإعلان عن مسابقة طعام يتقدم إليها الأثرياء ليمكثوا بفندقه طوال أيام المسابقة، ولكن ما يحدث هو أن يتقدم إليها مجموعة من الشباب الفقراء الحالمين بالفوز بجوائز المسابقة.

من بديعة مصابني لكباريهات الهرم.. هذه حكاية المسرح الاستعراضي

الحلم في أفلام «بشارة»

جميع أبطال أفلام «بشارة» لديهم أحلام يحاولون تحقيقها، فالحلم في أفلامه هو البطل ذاته، ولذلك ابتعد «بشارة» في أغلب أفلامه عن فكرة البطل الأوحد، ليستعين بمجموعة من الأبطال لديهم أحلام مختلفة ومتنوعة، مثلما برز في أفلامه «قشر البندق» و«إشارة مرور».

وفي فيلمه «العوامة رقم 70»، يحلم البطل للانتقال من مرحلة إخراج الأفلام التسجيلية إلى إخراج الأفلام الروائية، وفي فيلم «كابوريا»، يحلم ثلاثة أصدقاء يهوون الملاكمة بالوصول إلى الأوليمبياد. وفي فيلم «أيس كريم في جليم» من إنتاج عام 1992، يحلم «سيف» بأن يصبح مغنيا شهيرا.

87336772-a8a6-4d65-84d7-318d44fd5a77

وبالرغم من اختلاف أحلامهم وطموحاتهم، اتفق جميع أبطال فيلم «أمريكا شيكا بيكا» على حلم كبير واحد، وهو الذهاب إلى أمريكا؛ حيث سيتحقق جميع ما يتمونون.

hqdefault (1)

أسلوبه الإخراجي

أثبت «بشارة» أنه من المخرجين القلائل القادرين على البعد عن النمطية في طرق إخراجهم للأفلام السينمائية، من خلال تنوع أساليبه في الإخراج؛ فالإيقاع العام في فيلم «الطوق والأسورة» بطيء ويتناسب مع طبيعة الفيلم المليء بلحظات انتظار طويلة للغائب حتى يعود وللمرأة المتزوجة حتى تنجب.

على عكس أفلامه من نوع الفنتازيا الساخرة، «إشارة مرور» و«قشر البندق»، والتي يظهر فيها الإيقاع العام سريع يتناسب مع المواقف المختلفة التي صادفت وأن حدثت في نفس المكان والزمان من قِبَل شخصيات لا تجمعهم أي علاقات سويا مسبقا.

حالات سينمائية متنوعة

ولأنه من عشاق التفاصيل، برع «بشارة» في خلق حالات كاملة لأفلامه السينمائية معتمدة على مجموعة من التفاصيل الدقيقة، لتكون النهاية صورة سينمائية أقرب إلى الواقع بشكل كبير. ففي فيلم «الطوق والأسورة» من تأليف يحيى الطاهر عبد الله، خلق «بشارة» حالة الريف بقرية الكرنك في مركز الأقصر؛ المكان ذاته الذي ولد فيه مؤلف الفيلم الذي كتب السيناريو الخاص به «بشارة» مع يحيى عزمي، وكتب حواره عبد الرحمن الأبنودي.

أما في فيلم «يوم مر ويوم حلو»، أبدع «بشارة» في خلق أجواء حي شبرا الذي يعتبره مدرسته الحقيقية في الحياة؛ حيث تربى فيه منذ أن كان عمره 5 سنوات فقط، وحتى انهيار منزله إثر زلزال 1992؛ وقت أن حجز له الفنان أحمد زكي غرفة بأرقى الفنادق بالقاهرة، واشترى له المخرج محمد خان شقة جديدة، وذلك لأنه كان لا يملك أي أموال بداخل حسابه البنكي؛ إذ صرفها جميعا على السفر والكتب والطعام.

ولم يفشل «بشارة» في خلق أجواء القرية الصحراوية كذلك في فيلم «رغبة متوحشة»، كما أبدع أيضا في نقل أجواء إسكندرية أمام الكاميرا في فيلمه «أيس كريم في جليم».

أغاني أفلام «بشارة»

بعد سنوات من تراجع الأفلام الغنائية بالسينما المصرية، أعاد «بشارة» إحيائها بداخل أفلام الفنتازيا الساخرة بداية من فيلم «كابوريا»، والذي احتوى على أغنية شهيرة تحمل اسم الفيلم ذاته، بجانب أغاني أخرى بالفيلم منها: «شطة» و«مرزوق».

وحضرت الأغاني بقوة في جميع أفلام «بشارة» المنتمية للفنتازيا الساخرة، وأبرزها أغاني «رصيف نمرة 5» و«هاتمرد» و«أنا حر» من فيلم «أيس كريم في جليم»، وأغنية «أمريكا شيكا بيكا» من الفيلم الذي يحمل الاسم ذاته، و«يا عيني علينا» من فيلم «إشارة مرور»، وأغنية «قشر البندق» من الفيلم الذي يحمل الاسم ذاته.

دويتوهات فنية

كوّن «بشارة» مع الفنان أحمد زكي دويتو فني عبقري، ليظهر الأخير في أول أفلام «بشارة» وهو «الأقدار الدامية»، ويصبح بطلا لثاني أفلامه «العوامة رقم 70»، وبطلا كذلك لأول أفلامه المنتمية إلى الفنتازية الساخرة «كابوريا».

ومع المؤلف والسيناريست مدحت العدل، شكل «بشارة» دويتو فني توّج أغلب أفلامه الفنتازية الساخرة؛ حيث قام «العدل» بتأليف فيلمي «إشارة مرور» و«قشر البندق»، وكتب سيناريو وحوار فيلمي «أمريكا شيكا بيكا» و«حرب الفراولة»، واشترك في كتابة سيناريو وحوار فيلم «أيس كريم في جليم» مع محمد المنسي قنديل.

خيري بشارة مخرج مصري من مواليد طنطا عام 1947، وانتقل للسكن في حي شبرا بالقاهرة عندما وصل عمره إلى 5 سنوات؛ حيث نشأ فيه واعتبره مدرسته في الحياة التي مكنته من عمل مجموعة من الأفلام التسجيلية، وتقديم 11 فيلما روائيا طويلا للسينما المصرية.

منهم القصبجي وسامية جمال.. نجوم زمان في «الفريندزون»

أماني عماد

أماني عماد

صحفية مهتمة بمجال الفنون والثقافة.. تهوى الكتابة عن السينما والأفلام، بجانب كتابة سيناريوهات أفلام واسكتشات وقصص قصيرة.