رئيس التحرير أحمد متولي
 علي عبد الخالق.. سينما الحرب والفلسفة والـ«بهججة»

علي عبد الخالق.. سينما الحرب والفلسفة والـ«بهججة»

«الرجل الثاني» و«الشموع السوداء» و«نهر الحب».. أفلام متنوعة أخرجها عز الدين ذو الفقار لتجعل حلم الإخراج السينمائي يراود الشاب علي عبد الخالق، فيلتحق بقسم الإخراج في المعهد العالي السينما ويشاهد أفلام Psycho وThe Birds وRope وغيرها من أفلام المخرج الإنجليزي ألفريد هتشكوك، ليزداد إصراره على حلمه ويعلن: سأصير مخرجا سينمائيا شهيرا.

_315x420_afcb9538eb124152819e3c86ab23dc050e176c394e724715b3a3b117e9af8b44

هم الحرب

مثل أبناء جيله، تأثر علي عبد الخالق، المولود عام 1944، بأفكار ثورة يوليو وأحلامها؛ والتي كان أهمها حلم القومية العربية. وساعدت معاصرته لأحداث عديدة أبرزها نكسة 1967 على تشكيل فكره اليساري، فلم يكن غريبا أن تدور أحداث أول فيلم له «أغنية على الممر» من إنتاج عام 1972، عن تلك الحرب القاسية، والتي جاءت نتائجها محبطة لجميع الآمال على جميع المستويات، ليصبح الفيلم بمثابة شهادة ميلاد للسينما الواقعية بعد فترة من الأفلام التي تبعد كل البعد عن معايشة واقع المواطن المصري.

وبعد «أغنية على الممر»، بات هم الحرب والصراعات السياسية والقضايا الجاسوسية يشغل بال «عبد الخالق»، ليخرج أفلام «إعدام ميت» عام 1985، وبعده بعامين «بئر الخيانة»، وفي عام 1999 يعود لاستفزاز همه القديم بإخراج فيلم «الكافير»، ثم يؤرقه ذلك الهم مجددا ليخرج فيلم «يوم الكرامة» عام 2004.

عاطف الطيب.. سينما واقعية متمردة على القيود

طبيعة أفلامه

اهتم «عبد الخالق» بإخراج الأفلام التي تناقش قضايا اجتماعية متنوعة، وبدورها تعكس واقعا ملموسا حاضر بقوة في المجتمع المصري، وكانت أبرز تلك القضايا التغييرات التي طرأت على المجتمع عقب الانفتاح الاقتصادي، والتي ظهرت في فيلم «الحب وحده لا يكفي»، من إنتاج عام 1980، وأزمة البيروقراطية التي ظهرت بقوة في فيلم «أربعة في مهمة رسمية» من إنتاج عام 1987، وكارثة سرقة الأعضاء البشرية التي أبرزها فيلم «الحقونا» من إنتاج 1989، وتفشي مشكلة الاغتصاب مثلما أظهر فيلم «اغتصاب»، من إنتاج العام ذاته، والصراع بين الدجل والخرافات والعلم والمنطق في أفلام: «البيضة والحجر»، من إنتاج عام 1990، و«عتبة الستات»، من إنتاج عام 1995.

وجعله ذلك الخط الاجتماعي الذي برع في إخراجه من أهم المخرجين المنتمين لمدرسة الواقعية الجديدة في السينما المصرية.

الصراع الفلسفي

تبنى علي عبد الخالق فلسفة الصراع بين العلم والمنطق والضمير في جانب والخرافات والشرور الطاغية، في جانب آخر، وظهر ذلك بقوة في أفلامه الثلاثة «العار» و«الكيف» و«جري الوحوش»، والمعروفة بـ«ثلاثية الأخلاق»، والتي اتضح فيها الحرب بين الحلال ومحاولات التحايل على الحرام ليصبح حلالا بشتى الطرق، فينهار المؤمنون به في النهاية، بعد أن يخسروا كل شيء.

12549082_534970556664402_252881662895510391_n

كما كان الجنون مصير ثلاثة شخصيات رئيسية في الثلاثية؛ ففي «العار»، يصاب الطبيب النفسي «عادل» بالجنون، وفي «الكيف»، يصاب الكيميائي «صلاح» بالجنون أيضا، وكذلك في «جري الوحوش» يصبح الجنون نهاية «عبد القوي» بعد أن تبرع بجزء من مخه إلى الثري «سعيد أبو الدهب» لكي يصبح قادرا على الإنجاب.

واظب «عبد الخالق» على وجود صوت مسموع لبعض الآيات القرآنية أو لبيت شعر في نهاية الأفلام الثلاثة، لتكون بمثابة الحكمة المباشرة المستفادة من قصص هذه الأفلام، فاحتوت نهاية فيلم «العار»، من إنتاج عام 1982، على بعض آيات من سورة «الشمس» تقول: «ونفس وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها».

وضمت نهاية فيلم «الكيف»، من إنتاج عام 1985، بيت شعر شهير لأمير الشعراء أحمد شوقي، يقول فيه: «إنما الأمم الأخلاق ما بقيت، فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا». وكذلك احتوت نهاية فيلم «جري الوحوش»، من إنتاج عام 1987، على جزء من آية من سورة البقرة، يقول: «ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته فإن الله شديد العقاب».

خيري بشارة.. سينما تعشق التفاصيل ومغرمة بـ«سحر العادي»

الكوميديا السوداء

غلّف علي عبد الخالق جميع أفلامه بطابع الكوميديا ليكسر حدة القضايا الاجتماعية التي تناقشها، وحضر ذلك بقوة في أفلامه «الكيف»، و«أربعة في مهمة رسمية»، و«البيضة والحجر»، لتكون الكوميديا السوداء هي سمة جميع أفلامه بالرغم من المشاكل الجادة التي تتناولها.

أسلوبه الإخراجي

أعطى علي عبد الخالق اهتماما كبيرا لوجود أكثر من بطل في أغلب أفلامه، ما يخلق مباراة في الأداء التمثيلي بين الأبطال أمام الكاميرا، بداية من أول أفلامه «أغنية على الممر» من بطولة محمود مرسي، وصلاح السعدني، ومحمود ياسين، وصلاح قابيل، إلى «الحب وحده لا يكفي» من بطولة نور الشريف، وميرفت أمين، وناهد شريف، وعادل أدهم، و«السادة المرتشون» من بطولة نجوى إبراهيم، ومحمود يس، ومحمود عبد العزيز، وسعيد صالح، و«إعدام ميت» من بطولة محمود عبد العزيز، ويحيى الفخراني، وفريد شوقي، وبوسي، وليلى علوي، و«بئر الخيانة» بطولة نور الشريف، وعزت العلايلي، وعبد العزيز مخيون، وهدى رمزي، ودلال عبد العزيز، و«الحناكيش» بطولة نبيلة عبيد، وكمال الشناوي، وفاروق الفيشاوي، وحاتم ذو الفقار.

كما ظهر ذلك بقوة في أفلامه الثلاثة الشهيرة «العار» من بطولة نور الشريف، وحسين فهمي، ومحمود عبد العزيز، ونورا، و«الكيف» من بطولة محمود عبد العزيز، ويحيى الفخراني، وجميل راتب، ونورا، و«جري الوحوش» من بطولة نور الشريف، وحسين فهمي، ومحمود عبد العزيز، ونورا.

ومن خلال المشاهد المتعددة التي جمعت بين أكثر من بطل أمام الكاميرا، ظهرت عبقرية علي عبد الخالق في الإخراج النابعة من قدرته على إعطاء كل ممثل المساحة المناسبة لكي يظهر فيها بداخل الكادرات السينمائية المختلفة، فاستخدم في الكثير من المشاهد لقطة كاميرا واحدة طويلة بدون قطع، كان أبرزها مشهد مواجهة الأبناء الثلاثة سويا بعد اعتراف الابن الأكبر لباقي أفراد عائلته بأن والده كان تاجر مخدرات من فيلم «العار».

وتجلت قدرة علي عبد الخالق في تحريك المجاميع من خلال فيلم «شادر السمك»، من إنتاج 1986، وخاصة في مشاهد المعارك التي تندلع بالسوق التي صورت بداخل ستوديو داخلي.

ورغم الصعوبة التي يجدها بعض المخرجين في التصوير الخارجي، برع «عبد الخالق» في إدارة الكاميرا في شوارع القاهرة خارج الاستوديو، وكان أبرز الأفلام التي حضر فيها التصوير الخارجي بقوة فيلم «أربعة في مهمة رسمية»، الذي وصلت مدة التصوير الخارجي فيه إلى ثلاثة أسابيع.

كما برز تمكن علي عبد الخالق من التصوير السينمائي في المياة في فيلم «يوم الكرامة»، والذي يعتبره «عبد الخالق» أصعب فيلم قام بإخراجه لما تطلبه من خبرة لازمة للتصوير في المياه.

HH_in_meeting_0

ورحب «عبد الخالق» باقتراحات الممثلين في أفلامه لإضافة ما يعطي للشخصيات المختلفة التي يجسدونها طابعها الخاص، فمثلا عندما لاحظ نور الشريف حركة هز الرقبة للأمام من قبل أحد الرجال، استفسر عنها ليعلم أنها حركة لازمت الرجل بسبب ملامسة ياقة الجلابية لرقبته، فاعتاد على تحريك رقبته إلى الأمام على هذا النحو حتى بعد ارتدائه للبدلة، فاقترح «الشريف» على «عبد الخالق» أن يقوم بعمل تلك الحركة عند تجسيد شخصية «كمال» في فيلم «العار»؛ الأمر الذي رحب به الأخير، ليظل يذكّر «الشريف» بها في أثناء التصوير، دون تكرارها كثيرا حتى لا تبدو مبالغ فيها.

NOUR

«حلاوته!».. تعرف على نجوم المراهقة المتأخرة في السينما

دويتوهات فنية

شكّل المخرج علي عبد الخالق مع الفنان محمود عبد العزيز دويتو فني رائع؛ حيث كان الأخير هو الفنان الوحيد الذي ظهر في «ثلاثية الأخلاق» بين الممثلين المشاركين فيهم، بالإضافة إلى أفلام «إعدام ميت» و«السادة المرتشون»، و«الأبالسة»، من إنتاج عام 1980، و«الجنتل»، من إنتاج 1996، و«النمس»، من إنتاج عام 2000، ليكون مجموع الأفلام التي كان محمود عبد العزيز بطلا لها وأخرجها علي عبد الخالق 8 أفلام.

وكذلك كوّن «عبد الخالق» مع الفنان نور الشريف دويتو فني مدهش بمجموع 6 أفلام؛ بينها أفلام «العار»، و«جري الوحوش»، و«الحب وحده لا يكفي»، و«بئر الخيانة»، و«الوحل»، من إنتاج عام 1987، و«الحقونا» من إنتاج عام 1989.

ومن الفنانات، ظهرت الفنانة نبيلة عبيد في 4 أفلام من إخراج علي عبد الخالق غير فيلم «الوحل»؛ فكانت بطلة أفلام: «الحناكيش»، و«شادر السمك» من إنتاج عام 1986، و«درب الرهبة»، من إنتاج عام 1990، و«عتبة الستات»، من إنتاج عام 1995.

_315x420_78bcd01b06234ebb094ac8239c1d1e90c8d4076c866a77088c614f25696b0a6a

ومع السيناريست محمود أبو زيد، كوّن «عبد الخالق» دويتو فني نال إعجاب النقاد والجمهور، فكتب الأول سلسلة «ثلاثية الأخلاق»، بالإضافة إلى فيلمي «البيضة والحجر» و«عتبة الستات».

كما أخرج «عبد الخالق» أكثر من فيلم من تأليف السيناريست إبراهيم مسعود؛ وهي: «إعدام ميت»، و«بئر الخيانة»، و«الحقونا»، و«الكافير»، و«مدافن مفروشة للإيجار» من إنتاج عام 1986.

اقتباسات خالدة

وظلت بعض الاقتباسات على ألسنة شخصيات أفلامه المتنوعة خالدة، ومنها.

  • «الشكرمون طاخ في الترالوللي»- محمود عبد العزيز من فيلم «الكيف».
  • «يا بتاع الكيميا يا متركب»- محمود عبد العزيز من فيلم «الكيف».
  • «ويل للعالم إذا انحرف المتعلمون وتبهيظ المثقفون»- أحمد زكي من فيلم «البيضة والحجر».
  • «عاش خاين ومات كافر»- عزت العلايلي من فيلم «بئر الخيانة».
  • «انا اللي هعبّي الشريط بصوتي»- محمود عبد العزيز من فيلم «الكيف».
  • «ده أنا بدهبزه وأدهرزه عشان يبرعش ويحنكش ويبقى آخر طعطعة» محمود عبد العزيز من فيلم «الكيف».
  • «بحب أصدقائي وبكره أعدائي وبحتقر الأغبياء»- أحمد زكي من فيلم «أربعة في مهمة رسمية».
  • «لو حلال أدينا بنشربه ولو حرام أدينا بنحرقه»- نور الشريف من فيلم «العار».
  • «بحبك يا ستاموني مهما الناس لاموني»- محمود عبد العزيز من فيلم «الكيف».
  • «خوف الناس من المستقبل بيسببلهم قلق والقلق بيخلق الاستعداد لتقبل الإيحاء وفي ظل الإيحاء الناس بتصدق أي حاجة»- أحمد زكي من فيلم «البيضة والحجر».
  • «لأ أنا جاي أهرّج»- يحيى الفخراني من فيلم «الكيف».
  • «أقسمت عليكِ يا أنثى أن تكوني جميلة»- أحمد زكي من فيلم «البيضة والحجر».
  • «إديني في الهايف وأنا أحبك يا فننانس»- محمود عبد العزيز من فيلم «الكيف».

علي عبد الخالق مخرج مصري من مواليد القاهرة عام 1944، ومن رائدي مدرسة الواقعية الجديدة في السينما المصرية، ووصل رصيد أفلامه إلى أكثر من 40 فيلما سينمائيا.

من بديعة مصابني لكباريهات الهرم.. هذه حكاية المسرح الاستعراضي

أماني عماد

أماني عماد

صحفية مهتمة بمجال الفنون والثقافة.. تهوى الكتابة عن السينما والأفلام، بجانب كتابة سيناريوهات أفلام واسكتشات وقصص قصيرة.