رئيس التحرير أحمد متولي
 أنثى في جسد ذكر.. مالا تعرفه عن حياة الـ«ترانسجندر» في مصر

أنثى في جسد ذكر.. مالا تعرفه عن حياة الـ«ترانسجندر» في مصر

كيف يمكن أن تولد ذكرا في جسد أنثى أو أنثى في جسد ذكر؟ وماذا حدث مع من ولدوا هكذا في مصر؟ وما الحل؟ وهل للدين رأي في هذا؟

«المدرس سألني نفسك تطلع إيه لما تكبر.. قولتله سفير.. بصلي بصة من فوق لتحت وقالي مفيش سفير مخنث.. وفي مرة رحت صيدلية اشتري الدوا بتاعي رفضوا وقالولي مش هنشارك في الجريمة دي يا شاذ يامخنث»، هذا جزء مما تتعرض له «ملك»، 17 عاما، في حياتها اليومية العادية، ولكن لماذا؟

«ملك» تعاني من اضطراب الهوية الجنسية أو «ترانس جيندر»، أي أنثى محبوسة في جسد ذكر، وهو اضطراب سببه بيولوجي كالتركيبة الجينية للإنسان أو البنية الدماغية المتعلقة بالتأثيرات الهرمونية على الدماغ في فترة التكوين الجنيني «ما قبل الولادة». فمن الممكن أن يولد الإنسان أنثى لكن على هيئة ذكر أو العكس ذكر على هيئة أنثى.

وقديما اعتقد العلماء أن تصنيفه هو مرض نفسي لكنه أزيل من هذا التصنيف بعد أن تأكد العلماء وفقا لدراسات واختبارات أنه ليس نفسيا بل هو خطأ في تكوين بنية الإنسان. كما في دائرة المعارف البريطانية.

كيف يحدث؟

في الأسبوع الثامن للجنين في بطن أمه، تبدأ هرمونات النوع أو الجنس في الجنين بالتواصل مع المخ ومن ثم تنتقل إلى الغدة التناسلية، لتقول لها قومي بعملك (تحويل الجهاز التناسلي ذكر أو أنثى لأنه قبل الأسبوع الثامن الجنين يكون غير مصنف جنسيا) ومن المفترض أن تعود الرسالة مرة أخرى إلى المخ حتى يتم تأكيد الهوية الجنسية سواء ذكرا أو أنثى، لكن ما يحدث هو أن الرسالة لا تعود أو يعود جزء منها فقط، فلا يستطيع المخ التكيف مع النوع المحدد في الجهاز التناسلي. أي يصبح عقلك في اتجاه وجسدك في اتجاه آخر.

لذا يعتقد المصاب باضطراب الهوية الجنسية أنه ليس النوع الذي وجد عليه، أو ولد به سواء ذكر أو أنثى. ويحاول بشتى الطرق إما التصالح مع النوع الموجود عليه أو إجراء عملية تصحيح مسار أي تحويل الجهاز التناسلي إلى أصله المفترض أن يكون عليه.

يقول الدكتور خالد منتصر، يشغل منصب رئيس قسم الجلدية والتناسلية بهيئة قناة السويس، في مقال له نُشر في وقت سابق، إنه إذا توافرت معلومات الجنس بشكل صحيح لدى الأطباء، فإنه يتم إجراء عملية تصحيح المسار، ولكن قبل ذلك يجب على أسرة المريض اللجوء للعلاج النفسيّ لتأهيله نفسياً واجتماعياً قبل إجراء أي عملية.

ويشير «منتصر» إلى أن الأمر ليس لهواً جراحياً أو دجلاً طبياً، وأن القضية علمية بحتة، والمشكلة نفسية تحتاج إلى الفهم بدلاً من التجاهل، والتعاطف بدلاً من التعامي، فهذا حقّ لهذا «البني آدم» الذي يريد أن يحسم هويته ويحاول أن يوازن ما بين مخه الذي يخبره بأنه أنثى وما بين جسده الذي يصدمه بأنه ذكر.

هل يتقبل المجتمع؟

تقول «ملك»: «أهلي اكتشفوا أني ترانسجيندر ومبهدليني. بيدعوا عليا بالموت وأن يجيلي كانسر.. في المدرسة طلّعوا عليا لقب نايتي والولاد كانوا بيعايروني ويضربوني ويقولولي يا شاذة.. يا مخنث.. اتعرضت لكل أنواع التعذيب البدني والنفسي والجنسي».

كيرلس سابقا، وكارلا مسعود حاليا، هي ترانسجيندر من صعيد مصر تحكي أن «أوقفني الأستاذ بمدرج الكلية سائلا بسخرية وسط الجميع: هو أنت عبارة عن أيه بالظبط؟.. إنتي، و لا أنت، و لا أيه؟».


تقول ساندي أحمد، متحول جنسيا من ذكر إلى أنثى، إن إخوتها تبرأوا منها بعد وفاة أبويهم، عندما قالت لهم إنها ستخضع لعملية تحويل جنسي، لأنها كانت تشعر أنها بنت أكثر منها ولد وتنجذب للأولاد وتعتبر البنات أصحابها ولا تشعر بأي إثارة ناحيتهم.

كل قصص المتحولين جنسيا في مصر متشابهة، وقفنا على أكثر من 6 قصص كلها مرت برفض مجتمعي سواء من الأهل أو الناس في الشارع.

ففي 2014، تم تداول قضية فتاة تبلغ من العمر 26 عاما، ومقيدة في الأوراق الرسمية على أنها فتاة، وفي أثناء إجراء عملية تكبير صدر بمستشفى الزهراء الجامعي، اكتشف الأطباء أن لها جهاز تناسلي ذكري واتهموها بانتحال صفة أنثى، فتم طلب الشرطة لها وألقي القبض عليها، ووجهت لها النيابة تهمة تزوير أوراق رسمية.

ليس هذا فقط، فبحسب تقرير لـ«مدى مصر» عن ما يواجهه المتحولون جنسيا، يقول سكوت لونج الناشط في مجال النوع الاجتماعي والحقوق الجنسية، إن هناك نحو 150 شخصا ألقي القبض عليهم في مصر لأنهم متحولون جنسيا.

هذا بالإضافة إلى صنوف التعذيب البدني والمعنوي التي يتعرضون لها داخل الحجز من قبل أفراد الشرطة، مرفقة التقرير بشهادات عن ضحايا العنف لأنهم متحولين جنسيا.


لماذا لا يتقبلهم الناس

يقول استشاري الطب النفسي الدكتور جمال فرويز لـ«شبابيك» إن كل ما هو خارج عن الناموس الطبيعي لا يتقبله الآخرون بسهولة، مشيرا إلى أن الوضع ليس هكذا هنا فقط، ففي دول أوروبية تقبلهم بين المواطنين يعتبر صعبا نوعا ما ولكن ما يفرق هو التعامل معهم.

وأضاف «فرويز»، إن الأمر بالنسبة للأهل هنا يعتبر نوعا من الإهانة والمذلة بالإضافة إلى المعايرة التي تأتيهم من الآخرين لكون ابنهم أو بنتهم متحولة، وخصوصا لو كانت أنثى في جسد ذكر والمطلوب تحويلها لأنثى.

وأوضح أنهم يعتبرونهم شواذ وهو من المفاهيم المغلوطة لدى الناس، مرجعا ذلك إلى الجهل، فرغم أن الدين لم يجرم ذلك تجدهم يرفضونه.

هل الدين رأي في هذا؟

مفتي الجمهورية الدكتور شوقي علام تلقى سؤالا عن الوجه الشرعي لمن يجري عملية تحويل جنسي، فأجاب بأنه يجب أن يؤخذ بالاعتبار أولا قبل الحكم هل هو جيني أم عضوي أم نفسي، فإذا كان السبب طبي لا دخل للإنسان فيه، فيجب أن يُعرض على الأطباء وهم يقررون حالته وما يجب أن يجرى تجاهه.

وأضاف في فتواه، إذا كان التحويل غير مبرر فهو إثم ولا يمكن أن يؤدي صاحبها أي فريضة تخص المسلمين سواء حج أو عمرة أو صلاة أو صيام وما شابه.

واتفق معه الشيخ حسن الجنايني عالم بالأزهر الشريف، بأنه يجوز إجراء عملية التحويل الجنسي، إذا كان ناجم عن اضطراب، فالأطباء وحدهم المختصون بتحديد ما إذا كانت الحالة مصابة باضطراب الهوية أم لا.

محمد ربيع

محمد ربيع

صحفي مصري مهتم بالأوضاع الاجتماعية والإنسانية