رئيس التحرير أحمد متولي
 اللي مرتبه 1000 جنيه لا ياكل ولا يشرب ولا يتجوز.. طب يعمل ايه؟

اللي مرتبه 1000 جنيه لا ياكل ولا يشرب ولا يتجوز.. طب يعمل ايه؟

الدستور المصري أقر الحد الأدنى للأجور عند 1200 جنيه، ولأن كلام الدستور «مدهون بزبدة» يطلع عليه القطاع الخاص «يسيح»، لازال هناك آلاف الشباب لا يتعدَ مرتبهم 1000 جنيه، وأحيانا لا يصل إليها من الأساس.

هذه الفئة أثبتت أنها تستحق أن تندرج ضمن فئة الأبطال الخارقين، بحكم قدرتهم على توفيق أوضاعهم بتلك المرتبات الضئيلة.

عملان بدل واحد

يرى كثيرون أنه لا حل لتلبية احتياجاتهم الشخصية وطلبات المنزل إلا بالعمل في شغلين بدلا من واحد، ليكون راتب العمل الأول كافيا للمصروفات الشخصية والمواصلات، ويكون الراتب الثاني مخصصا للمنزل، وهو ما فكر فيه عماد محمود، محاسب، والذي ظل لمدة عامين بعد التخرج يبحث عن عمل بشهادته على اعتبار أنه خريج كلية تجارة ولم يجد.

مؤخرا عثر «محمود» على عمل كمحاسب تحت التمرين في أحد مكاتب المحاسبة براتب 600 جنيه، وبما أن المرتب أدنى بكثير من طموحه اضطر أن يعمل في ساعات المساء سائقا، حيث استخدم سيارة والده في مشروع «أوبر» لسيارات الأجرة، وأصبح يتحصل على 600 جنيه أيضا منها وبذلك أصبح دخله «معقول» بحسب وصفه.

نفس الشيء فعله كريم حسين، مندوب مبيعات، وهو صحفي بمواقع إلكتروني ويتقاضى 800 جنيه فقط يصرفها جميعا على المواصلات والأكل من الشارع بحكم ظروف عمله، بخلاف فاتورة التليفون والانترنت حتى أن المبلغ لا يتبقى منه أي فائض شهريا.

هذا الوضع دفع «حسين» للبحث عن عمل عبر الانترنت «فري لانسر» وبالفعل بدأ في كتابة مقالات لأحد المواقع العربية، ويتقاضى منه بين 500 إلى 800 جنيه شهريا يقوم بإدخارهم بعدما يصرف كامل مرتبه الأصلي، محاولا البحث عن عمل ثالث يزيد به دخله أكثر كي يتمكن من الزواج في يوم من الأيام.

تحيا البطاطس والطعمية

ويرى آخرون أنه لا سبيل للإدخار من مرتباتهم الهزيلة إلا بترشيد إنفاقهم على الطعام، وكان هذا الترشيد متمثلا في اختيار طبيعة الأطعمة والمشروبات المضطرين لتناولها خلال العمل، وهو ما فعلته هبة محمود، موظفة علاقات عامة بإحدى الشركات الخاصة.

وتقول «محمود»: «كنت أتقاضى 600 جنيه في أول عملي وزادوا مؤخرا إلى 900 جنيه، ووجدت أني أضطر لصرف المرتب كاملا في المواصلات والطعام فقط، لأني اعتدت مع زملائي على طلب طعام يوميا دليفري لبقائنا في المكتب 8 ساعات كاملة».

وتوضح «قررت مؤخرا تبديل ساندوتشات الكبدة والشاورما التي كنت أطلبها بسندوتشات فول وطعمية وبطاطس فقط، لأن سعرها بسيط بخلاف اللحوم، وكان هذا البند الوحيد الذي استطعت تدبيره لتوفير جزء من راتبي لشراء الملابس أو المكياج».

ويوافقها في الرأي أحمد سعيد، مصمم جرافيك بأحد الصحف، قائلا: «اعتدت منذ بداية عملي تناول ساندوتشين فول وواحد طعمية صباح كل يوم حيث لا تزيد فاتورة طعامي عن 3 جنيه و2 جنيه مواصلات بالمترو، وبذلك يكون مصروفي اليومي 5 جنيهات فقط وهو ما مكنني من إدخار باقي راتبي لشراء الملابس أو الجلوس على القهوة مع أصدقائي كل ليلة وهو بالنسبة لي أمر أهم من الطعام».

حلم الزواج المستحيل

ويعتبر الوضع أكثر تعقيدا لدى هؤلاء الحالمين بأن يكفيهم مرتبهم ليدخروا مبلغ المهر والشبكة وتشطيب الشقة، إلأ أنهم عادة ما يفاجئون بقلة الرواتب مع زيادة الأسعار المستمرة في نفس الوقت، وهو ما حدث مع محمود الزايدي، مندوب مبيعات، والذي يتحصل على 1000 جنيه شهريا من عمله.

اكتشف «الزايدي» أن المرتب لا يكفيه للمواصلات والطعام والتليفونات المستمرة التي يضطر لإجرائها للعمل وعندما فكر في البحث عن وظيفة ثانية وجد أن مواعيد وظيفته الأصلية لا تتيح له أصلا أن يكون هناك أي فرصة لعمل إضافي.

ويتساءل: «أنا مش عارف لو فضلت الأسعار كده ممكن أحوش تمن مهر وشبكة في كام سنة، وحتى لو حوشتهم حعيش مع مراتي في شقة إيجار إزاي بالوضع دة؟!».

ويقول أمير عبد المقصود، موظف كول سنتر: «أنا كنت فاكر إن مشكلتي محلولة لأن أهلي وفرولي الشقة وبالفعل روحت اتقدم لبنت وقولت لأهلها عندي شقة ومرتبي ألف جنيه واحنا حندبر مصاريفنا وحنقدر نعش بيهم».

ويضيف «مع أول اختبار حقيقي في تشطيب الشقة لقيت إن مطلوب مني 35 ألف جنيه بلاط وسيراميك للمطبخ والحمام وبياض بس، من غير ولا مليم في شبكة ولا مهر، طب أنا ححوش كل ده في كام شهر إذا كان مرتب الشهر الواحد ألف جنيه بصرف منهم حوالي 700 ومفيش وقت أشتغل أي شغل تاني أصلا؟!».

​​​​​​​جمعيات من أجل الأولاد

يظل موقف الشباب وحديثي الزواج مقبولا مقارنة بمأساة رب أسرة فوجئ بتخفيض راتبه أو تقاعده على المعاش وأولاده لازالوا معتمدين عليه في كافة مصاريفهم، ليجد أنه أصبح مطالبا بأن يتحول إلى ساحر ويوفي بإلتزامات بيت وأسرة بالكامل بألف جنيه شهريا في وقت وصلت فيه زجاجة الزيت إلى 10 جنيهات وتوصيلة التوك توك لجنيه ونصف، وهنا يضطر إلى تدبير أساسيات مصاريف أولاده بحل من اثنين إما بيع أحد مقتنياته أو الدخول في جمعية.

شريف محمود، سائق، قرر أن يلجأ للحل الثاني لتوفير مصاريف أولاده، حيث أنه تعرض للتسريح مع زملائه من قبل إدارة شركته الخاصة في سن مبكرة، وفشل في عمل مشروعه الخاص بمبلغ المكافأة التي تحصل عليها، كما لم يتمكن من تقاضي معاش بقيمة 350 جنيها بسبب ضياع الكثير من الأوراق التي تثبت بقية مستحقاته.

وجد «محمود» نفسه مطالبا بأن يكفي هذا المبلغ مصروفاته، وزوجته، وولديه علما بأنه يسكن في شقة بالإيجار، ومن هنا قرر ترك شقته لشقة أصغر، والامتناع عن التدخين والقهوة نهائيا، مع تناول وجبة واحدة يوميا، كما اضطر لأخذ راتب زوجته للدخول في جمعية سنوية تمكّنه من دفع مصاريف ولديه السنوية في موعد التقديم للمدارس، حتى عثرت إدارة التأمينات على باقي أوراقه وتمكن من رفع معاشه من 350 إلى 1000 جنيه أخيرا.

مي مصطفى

مي مصطفى

محررة صحفية ومدونة مهتمة بالتنمية البشرية والمجالات الأدبية