رئيس التحرير أحمد متولي
 تحت مجهر المتخصصين.. «عساكر» الجزيرة بين المهنية وغيابها

تحت مجهر المتخصصين.. «عساكر» الجزيرة بين المهنية وغيابها

أثار فيلم «العساكر.. حكايات التجنيد الإجباري في مصر» المعروض على فضائية الجزيرة، ضجة هائلة على السوشيال ميديا وبين الكتاب والصحفيين وصانعي الأفلام الوثائقية، لتبقى مراعاته للمعايير المهنية موضع تساؤل فيما بينهم.

أسئلة بلا إجابات

يقول مدير تحرير موقع مصراوي، أحمد شمسي إن الفيلم غير مهني بالمرة، لأنه غاب عنه كثير من الأسئلة، بداية من اسمه "العساكر.. حكايات عن التجنيد الإجباري بمصر"، فالفيلم لم يجب عن سؤال: لماذا يتم تجنيدهم إجباريا؟، وهو من أهم الأسئلة التي كان من المفترض إيجاد إجابة لها بداخل الفيلم. ذلك بجانب أنه لم يتطرق لفكرة المقارنات مع الدول الأخرى.

وهو ما أكده مخرج الأفلام الوثائقية الشاب أحمد فوزي؛ حيث أبدى اعتراضه على اسم الفيلم غير المتوافق مع محتواه، والذي اقتصر على تناول نوعية واحدة فقط من العساكر، وتجاهل العساكر الذين يؤدون الخدمة في مناطق أمنية خطرة مثل سيناء، وهم مدربين بكفاءة جيدة.

المصادر الصحفية

ويشير الصحفي خالد البرماوي إلى إن الفيلم يفتقر لأبسط قواعد المهنية، وذلك لأنه تجاهل المستندات والوثائق اللازمة، فأصبح محتواه لا يعني شئ. ذلك بالإضافة إلى المصادر المجهولة التي اعتمد عليها، باستثناء مصدر أمريكي أوحد، ما جعل المحتوى المعروض ليس بمنطقي.

ومن ناحيته يوضح مخرج الأفلام الوثائقية أحمد الزيات أن هناك وجة نظر أحادية ظلت حاضرة بالفيلم، وهي انتقاد التجنيد الإجباري، دون تدعيم الفكرة بمصادر رسمية كافية، فلم يظهر رأي آخر حتى لو بنسبة 2%، باستثناء المواد الأرشيفية، وكان من الممكن استخدام مصادر حقيقية من القوات المسلحة عوضا عن تلك المواد.

ولم تختلف وجهة نظر الصحفي خالد يوسف عن "الزيات" كثيرا؛ قال إن مشكلة فيلم "العساكر" الأساسية هي كون وقائعه غير موثقة، والقائمين على إعداد الفيلم لم يستقصوا تحقيق موثق على النحو الكافي.

واتفق معهما المخرج أحمد فوزي مشيرا إلى أن استخدام اللقطات الأرشيفية الخاصة بالمواد التليفزيونية جاء تقليدية للغاية، بجانب عدم صلة بعضه بالفكرة التي يعرضها الفيلم.

كما أضاف "الزيات" أن المصدر الأمريكي يفتقد كيفية الاستدلال عليه، وكان من الممكن توظيف الديكور لخدمة تلك النقطة؛ من خلال تضمين صورة له يرتدي الزي الرسمي أثناء الخدمة على سبيل المثال عوضا عن المكتبة التي كان يجلس أمامها، فليس من المطلوب من المشاهد العادي أن يقوم بالتأكد من مصداقية ذلك المصدر.

وهو ما أكد عليه "البرماوي" كذلك، حيث وضح أنه بداخل الفيلم لم يظهر حوار معلن واحد مع أحد العساكر، فأصبح الفيلم عبارة عن بناء حقائق بالاعتماد على مصادر مجهولة.

ويؤكد مدير تحرير مصراوي أحمد شمسي، أن معظم الحوارات المسجلة التي ظهرت بالفيلم مشكوك في صحتها، وأغلب محتواه يعتمد على اللقطات الأرشيفية أو التمثيلية.

كما قال إن الفيلم لم يتناول الجانب الآخر من القصة، ولم يضف جديد للمشاهد، ما جعله ضعيف مهنيا. واتفق معه "فوزي" قائلا إن الفيلم لم يحتو على معلمة جديدة أو قصة مشوقة تجذب الانتباه.

المحتوى التمثيلي

ويرى "شمسي" أنه حتى اللقطات التمثيلية التي ظهرت بالفيلم كان أداؤها مبالغا فيه بنسبة كبيرة، والفيلم ذاته يفتقد عنصر التشويق.

ومن جانبه، يرى "فوزي" أن المشاهد التمثيلية بسيطة ومناسبة للحدث، وليست مبالغ فيها مثلما أشار الكثيرون.

أما مصور الأفلام القصيرة إسلام الشرنوبي، فأشار إلى أن دعواتنا للحديث عن الفيلم جعلته يحتل نصيب الأسد على السوشيال ميديا، ما بدوره أثار نوع من أنواع الضجة، مؤكدا أن الفيلم في النهاية يفتقد لقواعد الاحترافية، لأنه يعتمد اعتماد كلي على المشاهد التمثيلية والفيديوهات المسربة. وهو ما اتفق معه "يوسف" حين أشار إلى أن أغلب مشاهد الفيلم تمثيلية، ما يجعله ضعيف على المستوى المهني، لأنه يجعل مصداقيته محل استفهام.

كما يرى "شمسي" «حتى اللقطات التمثيلية التي ظهرت بالفيلم كان أداؤها مبالغا فيه بنسبة كبيرة، والفيلم ذاته يفتقد عنصر التشويق».

نهاية "العساكر"

بالرغم م​​​​​​​ن أن الزيات يرى أن الفيلم من الناحية المهنية ليس جيدا للغاية أو سيئ جدا، لأن محتواه مختلف مقارنة بما ينتجه التليفزيون المصري أو القوات المسلحة في نفس المجال الذي تم تناوله، إلا أنه يرى أنه يفتقد الاحترافية اللازمة.

وأشار إلى أن نهاية الفيلم شملت المقولة التي يريد العاملون عليه توضيحها بشكل عام، وهي التركيز على لقطة معينة دون الاهتمام بمعالجة القضية ذاتها، أو جذب المشاهد لانتظار جزء ثاني للفيلم، وهو ما يتنافى مع طبيعة الأفلام الوثائقية بشكل عام لأنها تهتم بعرض المشكلة، وفي نفس الوقت توضيح إمكانية تطبيق حلول مناسبة لها.

واتفق معه "فوزي" مضيفا أن آخر جملة قيلت بالفيلم وضحت تبني الفيلم لوجهة نظر معينة، وذلك من خلال مشهد إعلان مذيعة تليفزيون خبر وفاة المجندين، مع إظهار أنهم جزء من هؤلاء العساكر الذين ظهروا بالفيلم، وهو ما يفتقد المنطقية لأن العساكر الذين يؤدون الخدمة في تلك المناطق الخطرة مختلفون عن هؤلاء الذين تحدث عنهم الفيلم.

تقييمات متنوعة

بسبب المصادر المجهولة في المقام الأول، أعطى "البرماوي" للفيلم تقييما 1 من 10 على المستوى المهني، وكان تقييم "الشرنوبي" له على المستوى المهني 2 من 10.

بينما أعطاه "الزيات" تقييما 6.5 من 10 على المستوى المهني، وذلك بسبب عدة مشاكل تضمنها الفيلم مثل المحتوى الضعيف وفقدان المصداقية الخاصة بتعريفات الضيوف، بالرغم من أن هناك جهد واضح مبذول في الفيلم بداية من الكتابة ووصولا إلى المونتاج. وكذلك أعطاه "فوزي" تقييما 5 أو 6 من 10 على المستوى المهني.

في حين رفض "الشمسي" تقييمه لأنه متشكك في صحة الحوارات في المقام الأول.

يشار إلى أن قناة الجزيرة بثت الفيلم الوثائقي "العساكر.. حكايات عن التجنيد الإجباري بمصر" أمس الأحد، وقام بإعداده وإخراجه عماد الدين السيد.

​​​​​​​

مخرج الفيلم يرد

مخرج الفيلم، عماد الدين السيد، قال إنه ليس ضد الجيش المصري أو التجنيد الإجباري، بل "منحاز" له، نافياً أن يكون هناك توجه قطري أو خلافه للإساءة إلى جيش بلاده.

وأوضح في تصريحات نقلتها وكالة «الأناضول»، أن "الفيلم لا يرفض التجنيد الإجباري، ولكن يتحدث عن قصص متواترة ومعروفة لدى الشعب، عن عقوبات يواجهها المجندون في الجيش مثل التكدير والفرق بين مطعم الضباط والعساكر، واستغلال العساكر في أعمال خارج نطاق التنجيد".

وتابع :"هذا عمل فني وليس سياسياً، والسينما المصرية قدمت فيلم البريء (1986) بعد سنوات من المنع والحذف لأنه كان يتحدث عن وقائع مماثلة للمعاملة السيئة بالجيش، وهناك في السينما الأميركية فيلم آخر يتحدث عن التجنيد، والجزيرة أنتجت فيلماً من قبل عن التجنيد الإجباري في إسرائيل، وتحدثت مع منظمات حقوقية حوله، لكن الجديد أن مصر لا تسمح بذلك فثارت كل هذه الضجة".

 

أماني عماد

أماني عماد

صحفية مهتمة بمجال الفنون والثقافة.. تهوى الكتابة عن السينما والأفلام، بجانب كتابة سيناريوهات أفلام واسكتشات وقصص قصيرة.