رئيس التحرير أحمد متولي
 منيرة المهدية.. فن ونضال وتراث وحاضر وكمان «الحب دح دح»

منيرة المهدية.. فن ونضال وتراث وحاضر وكمان «الحب دح دح»

كتبت- أوليفيا محسن:

موهوبة ومناضلة، وصارت جزءا من تراث مصر الفني والوطني، وأيضا حاضرها وطقوسها المفرحة. ارتبط تاريخ منيرة المهدية الفني بثورة 1919 ونضالها ضد الاحتلال الإنجليزي، فقدمت كثير من الأغنيات والمسرحيات التي عاشت معنا حتى الآن.

بداية مشوارها الفني

في قرية «مهدية» بمحافظة الشرقية ولدت زكية حسين منصور في 12 مايو 1858، وعاشت سنواتها الأولى مع أختها التي تولت رعايتها بعد وفاة والديها. وهبها الله صوتا عذبا بدأت به مشوارها الفني بالغناء في الحفلات التي تقام بالقرى المجاورة ثم في مدينة الزقازيق في سن 8 سنوات، وكانت تغني قصائد الشيخ سلامة حجازي والذي أطلق عليها «الصوت الأبيض».

وفي عام 1905 تصادف وجود أحد أصحاب المقاهي بحفلة من تلك الحفلات فأعجب بصوتها وأقنعها بالانتقال للقاهرة للعمل بمقهى صغير بمنطقة باب الشعرية فكان المنبر الأول الذي ظهرت منه للجمهور.

قصة لقبها والتقاليد

لقبت «زكية» في بداية مشوارها الفني بـ«منيرة المهدية» في محاولة للتغلب على العار الذي يلحق بالعاملين بالمجال الفني في هذا الوقت، ففي حوار نادر لها صرحت أنها تعرضت لمحاولات من أفراد عائلتها لمنعها بالقوة من الغناء عندما كانت قاصرا.

وفي هذا الحوار تتحدث السيدة منيرة المهدية مع المذيعة أماني ناشد في برنامج «سهرة مع فنان» عن محاولة منعها من الفن.

سلطانة الطرب

مع تزايد إقبال الجماهير على حفلاتها، قررت «منيرة المهدية» إنشاء مقهى خاص بها وذلك بعد 9 أعوام فقط من انتقالها للقاهرة، فاستأجرت أحد المقاهي بمنطقة الأزبكية وقامت بتجديده وأطلقت عليه اسم «نزهة النفوس» ليتحول بعد ذلك لملتقى لرجال الفن والصحافة والفكر وأيضا رجال السياسة.

لم يسبقها أحد 

سجلت «الست منيرة» أول أسطواناتها عام 1906 وكانت من أوائل النساء اللاتي سجلن أسطوانات في هذا الوقت، وكانت أول مطربة تغني في الإذاعة المصرية، ثم بدأت رحلة التمثيل بفرقة «عزيز عيد» بدور رجل في مسرحية «روميو وجولييت» للشيخ سلامة حجازي، فقامت بدور «روميو» واستمرت بعدها لفترة بتجسيد دور الرجل ولكنها على الرغم من ذلك كانت تكتب على الأفيش «الممثلة الأولى».

وأول دور نسائي لها كان مسرحية «كارمن» التي أخرجتها بفرقتها الخاصة التي كونتها بعد انفصالها عن فرقة «عزيز عيد»، ثم مثلت «كليوباترا» مع محمد عبد الوهاب عام 1927 لتصبح بذلك أول سيدة مصرية تقف على خشبة المسرح في الوقت الذي اقتصر فيه هذا المجال على ممثلات شاميات وأجنبيات.

منيرة المهدية في دور كليوباترا

 

دور وطني فني

«شال الحمام حط الحمام من مصر لما السودان، زغلول وقلبي مال إليه أنده لما احتاج إليه يفهم لغاه اللي مال إليه»، هذه الأغنية أخذ الجميع في ترديدها حتى وصلت إلى منزلة النشيد الوطني، وكانت تقصد بها الزعيم سعد زغلول وتحدت بها «منيرة المهدية» قرار المعتمد البريطاني بجلد وسجن كل من يلفظ اسم سعد زغلول، فهنا ظهر دور «الست منيرة» في النضال الوطني في كثير من أعمالها الفنية التي أدتها على المسرح، وأيضا من خلال الأغاني التي غنتها خلال ثورة 1919 حتى أن الرقابة البريطانية حاولت مرارا منعها حتى ساد شعار «هوى الحرية في مسرح منيرة المهدية».

أوبريت للفلاحين

«زبدة يا ولدي أشتري وأوزن عندك وأخزن وأوعى تبعها أو تودعها عند اللي يخون لتعيش مغموم وإزاي هتهون بلدي، بلد الزبدة»، هذه هي كلمات «صابحة الزبدة» وجزء من رواية «كلها يومين» التي لحنها سيد درويش. وذكرت «الست منيرة» في تسجيل لها أن الشباب يخرجون في تظاهرات من التياترو بعد سماع الأغنية.

غنت «الست منيرة» هذا الأوبريت لوصف حال الفلاحين والفقراء في أثناء فترة الاحتلال، وفي نفس الأوبريت تقول «خدوا أموالي، عدموا رجالي، واللي نفعني ربي جمعني على مصريين ناس وطنيين وخدوا بيدي وحفظوا عهدي دول ناس أحرار، بلدي بلد الزبدة».

علاقات بكبار المسؤولين

لم يستطيع الإنجليز إغلاق المقهى الخاص بها كما فعلوا بكثير من المقاهي بسبب علاقتها مع كبار المسؤولين والتي استغلتها للتوسط لبعض الشباب الذين يعملون في الشأن السياسي للعفو عنهم. وفي واقعة طريفة اٌضطرت للجواز من أحد المسجونين بتهمة سياسية بعد أن وضع المعتمد البريطاني زواجها كشرط لإطلاق سراحه. كما أجتمع مجلس الوزراء برئاسة حسين رشدي مرات عديدة في العوامة الخاصة بها، لتصبح تلك الاجتماعات شرارة لاشتعال ثورة 1919.

خلاف ومنافسة فنية

بدأ الخلاف بين «الست منيرة» و«كوكب الشرق» مع بداية مشوار السيدة أم كلثوم، فمع ظهور الشابة ذات الصوت القوي القادمة من الأرياف بدأت الغيرة الفنية في الظهور عند «منيرة المهدية» في صورة استغلال للصحافة لتشويه سمعة أم كلثوم.

ومع ذلك ذرفت أم كلثوم الدموع بكثرة في حفل حاولت فيه «منيرة المهدية» الرجوع إلى الساحة الفنية بعد انقطاع أستمر لسنوات ولكنها فشلت نتيجة تقدم العمر وتدخينها للشيشة التي أضرت بصوتها. وفي شهادة للكاتب محمد صالح أكد أن «الست منيرة» داومت على سماع أم كلثوم حتى وفاتها عام 1965.

تداخل التراث مع الحاضر

غنت «الست منيرة» عددا من الأغنيات منها: «أسمر ملك روحي»، و«أنا هويت»، و«يمامة حلوة» وغيرها الكثير، ولكن أهمها هي أغنية «زفة العروسة» والتي لا يخلو منها أي فرح مصري حتى الآن.

أيضا استخدم الفنان عادل إمام الإفيه المشهور «الحب دح ودح والهجر كخ كخ» في إطار كوميدي والذي يضحكنا من القلب دون أن يعرف معظمنا أن هذا الإفيه في الأصل هو أغنية لسلطانة الطرب الست «منيرة المهدية».

زفة العروسة

 

الحب دح دح

شبابيك

شبابيك

منصة إعلامية تخاطب شباب وطلاب مصر