رئيس التحرير أحمد متولي
 هل تتنبأ أحلامك بالمستقبل؟ إذا كيف تنساها؟

هل تتنبأ أحلامك بالمستقبل؟ إذا كيف تنساها؟

يقول الشاعر الإغريقي هزيودوس: «وإنما ألقت الآلهة على أحداث الحياة بحجاب ضعيف. فإذا أزلت الحجاب تمكنت من رؤية الحقيقة». في مختلف الحضارات وعلى مر العصور حاول الكثيرون إزالة هذا الحجاب ونشأت آراء متباينة حول طبيعة الأحلام التي تخوضها أنفسنا بعد مفارقة الجسد.

يرى البعض أن الأحلام نفحة إلهية حتى أن معظم رسالات النبيين والمرسلين كانت تأتي في الأحلام، وتعتبرها آراء أخرى من أعمال الشيطان، وهناك من رآها تعبيرا عن أهوائنا اللاعقلانية واعتبرها آخرون غنية بالدلالات والأحداث المتوقعة مستقبلا. فما هي تلك النظريات ولماذا لا نتذكر الأحلام أصلا، وكيف رآها العلم؟

بداية أهم النظريات التي عملت على تفسيرها

  • إريك فروم

«إذا كنت تعتقد أن فلانا جبانا ستراه في المنام على هيئة دجاجة وسيبدو اﻷمر منطقيا لك. خلال الحلم لن يظهر إلا ما آمنت به نفسك خلال استيقاظها».

يرى إريك فروم العالم النفسي والفيلسوف الألماني أن عقولنا تعمل بصورة جيدة وذكية خلال نومنا، حيث نتحرر من أعباء العمل ومقتضيات الاتصال بالواقع والتقيد بالزمان والمكان، ولا يعود مفترضا بنا أن نراقبه أو نسيطر عليه، فتتركز أنظارنا على ذواتنا فحسب، ونكون «أشبه بالملائكة من حيث عدم خضوعنا لقوانين الواقع»، فالنشاط الذهني يخضع خلال النوم لمنطق مختلف تماما عن منطق اليقظة.

«الجاثوم».. شلل النوم المؤقت أسبابه وعلاجه

يظهر في منامك الإنطباع الذي تشكل لديك عن اﻷشياء واﻷشخاص الذين تراهم في الحلم. «فروم» يرى أن النوم واليقظة قطبا الوجود البشري، حياة اليقظة تتصف بالنشاط والتعامل مع العالم الخارجي، أما حياة النوم تتصف بالتركيز على ذوتنا وانطباعاتنا الداخلية والتحرر من قيود الزمان والمكان، ذهب فروم إلى أبعد من هذا حيث أكد أنها من الممكن أيضا أن تخبرنا بما سيحدث. لكن كيف؟

يقول «فروم»: «التقى أحد مرضاي بباحث في أمور تتعلق بإبرام عقد بينهما وتكون لديه انطباع جيد عن هذا الشخص فقرر أن يتخذه شريكا في مشروعه وفي الليلة التالية للقاء أبصر حلما رأى فيه هذا الشخص يقلب في سجلات الشركة ويزور الأرقام، لكنه لم يبالي بالحلم ففوجئ بعد عام أن هذا الشخص قام بالنصب عليه. فهل تكهن الحلم بما سيحدث أو هو على علم بالغيب؟ يجيب «فروم»: لا ليس على علم بالغيب.

يرى «فروم» أن عقلنا يقوم بعمليات ذهنية رائعة خلال النوم، فهو يكون في أعلى درجات ذكاءه مع التحرر من القيود الموجودة بالواقع، ويستنتج من خلاله الأفعال المتوقعة من خلال سيستم جمع المعلومات غير الملحوظة لعقلنا الواعي، فعندما بدأ المريض في الشراكة مع هذا الشخص، بدأت تنتابه بعض الشكوك الخفيفة والوساوس القهرية العدائية فقرر ألا يعيرها انتباها باعتبارها مخاوف مشروعة كالمعتاد، لكن منطقة اللاوعي لديه كان لديها رأي آخر، فالحلم عبارة عن حدس عميق تمكن بواسطته أن يستشف أن هذا الشخص نصاب عن طريق جمع المعلومات التي لا نلتلفت إليها دائما، فأخبر صاحبه في المنام أن يحترس.

اللاوعي خلال النوم يقوم بعمليات ذهنية أرقى وأذكى من أفعال وعمليات الذهن عندما يكون مستيقظا والنوم يعزز هذا التركيز، بحسب «فروم».

ولعل أبرز مثال على أن أدمغتنا تعمل بصورة أفضل وأذكى خلال النوم هو الكيميائي الألماني فريدريك كيكولية الذي اكتشف الرمز الكيميائي لجزئ البنزين أثناء نومه. وكذلك الكيميائي الروسي ديمتري مندلييف الذي اكتشف أيضا فكرة الجدول الدوري للعناصر الكيميائية في أثناء نومه، وكذلك الطبيب الكندي فريدريك بانتنغ الذي اكتشف الأنسولين خلال نومه.

سلطان النوم مخاصمك؟.. 7  مشروبات عشان تاكل رز مع الملايكة

  • سيجموند فرويد

يقول القديس أوغسطينوس، كاهن مسيحي عاش في القرن الرابع الميلادي، إن: «المعصية متأصلة في اﻹنسان منذ الصغر هو سئ وشرير باﻷساس لكن تتخفى تلك الصفات خلف ستار البراءة. ولو تسنى له إظهاراها علينا لما تراجع لحظة».

سيجموند فرويد رأى هذا، وأضاف في كتاب «التحليل النفسي» أن الأحلام هي عبارة عن دوافع لا عقلانية، حيث أننا ننطوي في دواخلنا على قوى ومشاعر ورغبات دونية تملي علينا أفعالنا منذ الصغر ولا نستطيع التعبير عنها بسبب أن المجتمع يقوم بدور الرقيب لمساعدته على كبح ميوله اللاأخلاقية واللامجتمعية باعتبارها قوى شريرة.

وخلال النوم لا يوجد رقيب فتندفع تلك الرغبات خارجة للتعبير عن نفسها، حيث تدب الحياة خلال النوم بعدد من الحوافز التي لا نريد لها الظهور. وهي رغبات متأصلة في نفوسنا منذ أن كنا صغارا.

هكذا كان يفسر «فرويد» ظهور الأعراض العصابية، فهو يرى أن القوى الشديدة التي تمنعها الرقابة من أن تصبح واعية تتوصل إلى التعبير عن نفسها عبر الأعراض العصابية، وكذلك فسر الهفوات والنسيان وفلتات اللسان بأنها مكنونات وجدت طريقها بطريقة غير واعية للظهور للخارج.

  • يونج

رأى يونج أحد تلاميذ سيجموند فرويد، كما ذكر «فروم» في كتابه «اللغة المنسية»، أن الحلم تعبير عن حكمة اللاوعي مقتربا بذلك من تفسير إريك فروم، حيث يقول إن: «الحلم يمثل رغبات الماضي لكنه يتجه بنا إلى المستقبل فهو يقيم لوحة عن بقايا الماضي وآثاره كما يقدم لنا من جهة أخرى معالم المستقبل».

فهو يرى أن الفكر اللاواعي في بعض الأحيان يكون قادرا على الإعراب عن ذكاء وإرادة أرفع بكثير من طاقتنا الواعية، لكنه على عكس «فروم» رأى أنها ظاهرة دينية وأن الصوت الذي يتكلم في أحلامنا هو صوت يأتينا من مصدر فوقي.

لهذا السبب.. لا تضع هاتفك على الشحن خلال النوم

  • هنري برغسون

يرى الفيلسوف الفرنسي هنري برغسون، أن ما يظهر خلال نومنا هو تعبير عن ذكريات نسيناها بمرور الوقت حيث أننا في الواقع ﻻننسى شيئا وما نتذكره خلال اليقظة جزء صغير جدا من مخزون الذاكرة، وعندما نختبر موقف مشابه لتلك اﻷشياء التي نسيناها يعيدها إلينا حلمنا، حيث يرى أن مختلف المهيجات الجسدية هي التي تولد ظاهرة الحلم ويرى أنه من المفترض تفسير هذه المثيرات عن طريق قوة الدوافع والأهواء الكامنة فينا.

لكن لماذا ننسى الأحلام؟

يقول المحلل النفسي ارنست شناشتل، في بحثه «الذاكرة وفقدانها الطفولي»، إن كل ما تعايشه في حياة اليقظة تتذكره في حياة اليقظة، أما ما تعايشه في حياة الحلم تتذكره في الحلم فقط. فنحن نميل إلى تذكر اﻷشياء عن طريق ربطها بالمثيرات الحسية التي نتعرض لها لحظة وجود هذه اﻷشياء، وﻷننا في الحلم ﻻ نعايش أية مؤثرات حسية فلا نتذكرها بعد اﻻستيقاظ ولكن من الممكن أن تذكرها خلال الحلم في اليوم التالي لو عايشنا حلما مشابها.

يضيف «شناشتل»، أننا نعايش حياتين؛ حياة اليقظة، وحياة النوم والاثنان ليس لهما علاقة ببعضهما فهذا عالم وهذا آخر، فالوعي هو النشاط الذهني خلال مواجهتنا للعالم المحيط بنا نتذكر كل ما يرتبط به، أما اللاوعي فهو يرتبط بذاتنا والخبرة الذهنية التي نعيشها عندما ننفصل عن العالم الخارجي وننقطع عنه تماما، وعندما نتسيقظ لا يكون بمقدورنا تذكر الأشياء المرتبطة بالعالم الذي عشناه أثناء النوم بل العالم الذي نعايشه في الواقع.

وأوعز العلم الحديث أننا ﻻ نتذكر الأحلام ﻷن الدماغ يغلق القنوات المسؤولة عن الذاكرة في أثناء النوم ويعتقدون أن الأحلام لا تنسى بالفعل لكنها تخزن في الذاكرة، وعندما يأتي مايرتبط بها تستعيدها أدمغتنا. وجدت دراسة علمية صادرة عن جامعة هارفارد أننا لا نتذكر 99% من أحلامنا لهذا السبب.

فعندما نستيقظ من نومنا نتحرك ضمن ملكوت النشاط فنحدد توجهاتنا وفقا لهذا المنطق منطق اليقظة وتخضع مفاهيمنا للقيود الزمانية والمكانية، أما خلال النوم فإننا نتحرر من كل هذا، شدد «شناشتل» على أن العالمين منفصلين تماما فعند الاستيقاظ لا نتذكر.

أما عن كيفية استعادتها فيكفي أن تضع ورقة وقلما بجانبك عند اﻻستيقاظ تدون ما رأيته خلال النوم، حيث تكون ذاكرت مازالت مرتبة بعض الشئ بعالم اﻷحﻻم ومع المدى ستتمكن من استرجاعها كاملة.

ماذا يقول العلم عن الأحلام؟

وبحسب المجلة العلمية اﻷشهر والعنية بنشر اﻷبحاث والدراسات العلمية Scientific American وضعت إحدى الفرضيات التي تسمى «فرضية التفعيل التوليفي» والتي تنص على أن الأحلام في الواقع ﻻ تعني شيئا وإنما مجرد نبضات كهربائية بالدماغ تتسبب في استعادة الصور والذكريات في أدمغتنا بصورة عشوائية.

ووجد العلماء أن اﻷمر يحدث بصورة مماثلة لدى الحيوانات وخصوصا القطط، وأعزوه إلى صفة تطورية كانت مطلوبة قديما لبقاء اﻹنسان على قيد الحياة عن طريق محاكاة عقله عن طريق آليات عصبية للمواقف والتهديدات المحتملة حتى يتسنى له إدراك كيفية التعامل معها لكن بمرور الوقت لم يعد اﻹنسان في حاجة لها.

المصدر

محمد ربيع

محمد ربيع

صحفي مصري مهتم بالأوضاع الاجتماعية والإنسانية