رئيس التحرير أحمد متولي
 «سلطان الصدفة» محمد الفاتح.. قاهر الدولة البيزنطية متهم بـ«قتل أخيه»

«سلطان الصدفة» محمد الفاتح.. قاهر الدولة البيزنطية متهم بـ«قتل أخيه»

عندما قرر محمد الفاتح، السلطان السابع للدولة العثمانية، فتح مدينة القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية؛ لم يكن عمره قد تعدى الـ22 عاما. ولد ليكن أميرا وابنا للسلطان العثماني مراد الثاني؛ وليأخذ لقب «محمد خان الثاني».

لم يغفل والده عن إعداده سياسيا وعسكريا، ويبدو أن مراد الثاني أراد لابنه تربية صارمة جدا؛ فعندما أتم الحادية عشرة من عمره، أرسله إلى مدينة مانسيا ليتدرب على أمور الإدارة والحكم، وأرسل معه المعلمين ليستكملوا تعليمه وتأديبه؛ حتى أن والده طلب من المعلمين أن يضربوه بشده إن لم يستجب للتعلم؛ كما يذكر الدكتور «علي الصلابي» في كتابه «الدولة العثمانية النهوض وأسباب السقوط».

محمد الفاتح سلطان بالصدفة

أطلق على السلطان محمد الثاني لقب الفاتح
وأبو الفتح، بعد انتصاره في القسطنطينية

لم يكن «محمد الفاتح» هو ولي العهد؛ لكن بعد وفاة أخيه الأكبر «علاء الدين» حزن عليه والده كثيرا وقرر التنازل عن العرش لابنه «محمد» وهو في الرابعة عشرة من عمره.

ولصغر سن السلطان الجديد، انتهزت الممالك الأوروبية التي فتحها العثمانيين الفرصة وثاروا على الدولة العثمانية وهاجموها عسكريا.

يعود مراد الثاني للحكم ليخمد هذه الثورات، ويظل في الحكم حتى توفي وهو لم يتجاوز الـ47 عاما؛ كما يذكر «الصلابي».

وعندما عاد مراد الثاني للحكم في المرة الثانية أرسل «محمد الفاتح» ليكون حاكم مانسيا؛ وليمارس الحكم بنفسه، إلى جانب بعض الأعمال السلطانية مع والده، ويفهم طبيعة الصراع بين الدولة العثمانية وخصومها، وخاصة الدولة البيزنطية.

مُعلم محمد الفاتح والقسطنطينية 

عندما أصبح الأمير الصغير سلطانا، بدأ معلّمه في إقناعه بفتح القسطنطينية

كان الشيخ محمد بن حمزة الدمشقي المعروف بـ«آق شمس الدين» هو معلّم محمد الفاتح ومربيه؛ وكان مشرفا على «الفاتح» في مانسيا. وعندما أصبح الأمير الصغير سلطانا، بدأ معلّمه في إقناعه بفتح القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية.

يستكمل «الصلابي» حديثه بأن هذا المعلّم استطاع إقناع السلطان بأنه المقصود من الحديث «لتفتحن القسطنطينية، فنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش» كما يقول «الصلابي».

مواقف من فتح القسطنطينية

  • التخطيط للفتح

فتح القسطنطينية لم يكن قرارا وليد اللحظة، فقد جهز له «محمد الفاتح» جيدا، بتقوية الجيش وشراء الأسلحة، ورفع روحه المعنوية وتأهيله نفسيا للحرب، وعهد المعاهدات مع الممالك المجاورة حتى يتفرغ لعدو واحد؛ كما جاء بـ«الدولة العثمانية النهوض وأسباب السقوط».

وكانت إشارة البدء هي مهاجمة البيزنطيين لقلعة «روملي» التي بناها الفاتح على مضيق البسفور، وقتل جنودها؛ وهي القلعة التي بناها ضمن استعدادات الحرب.

  • إصرار على الحرب

لم يكن الإمبراطور قسطنطين يريد الحرب فقد بعث برسالة إلى «محمد الفاتح» يعده فيها بالولاء بأي ثمن يريده، وإن كان يريد الحرب سيدافع عن شعبه لآخر قطرة من دمه. كان الرد بأن أرسل له «الفاتح» إعلان الحرب وهنا ألقى قسطنطين القبض على جميع الأتراك الموجودين بالقسطنطينية.

حصار القسطنطينية كما تسجله اللوحات الفنية
  • تردد وانسحاب

وبعد أن استمرت الحرب لمدة 54 يوما حقق فيها البيزنطيون نصرا مؤقتا ووصلت لهم سفن وإمدادات رغم حصار العثمانيين للقسطنطينية؛ أصاب الجيش إحباط كبير ويأسوا من الفوز.

وهنا يأتي دور الشيخ «آق شمس الدين» في طمأنة تلميذه السلطان «محمد الفاتح» وجنوده حتى اتخذوا قرارا باستكمال الحرب، واستطاعوا أن يحدثوا ثغرات في الحصن.

وبعد الانتصار قال «محمد الفاتح»: «إنكم ترونني فرحا، فرحي ليس لفتح هذه القلعة، ولكن لوجود شيخ عزيز الجانب في عهدي»، كما ينقل الصلابي عن كتاب «البدر الطالع» للشوكاني.

  • حرب نفسية

اعتمد «محمد الفاتح» على الحرب النفسية، لقد أراد للهجوم أن يكون قويا وعنيفا. فقد كانوا يحفرون الأنفاق ليدخلوا إلى قلب المدينة، وهو الشيء الذي أفزع سكان القسطنطينية، حتى كانوا يتوهمون أن الأرض ستنشق ويخرج منها الجنود العثمانيون، كما جاء في كتاب «السلطان محمد الفاتح فاتح القسطنطينية وقاهر الروم» للدكتور عبد السلام فهمي.

ورغم حالة الخوف التي يصفها «فهمي» في كتابه لكن هذه الأنفاق لم تكن جيدة للجنود، فقد مات الكثير منهم بالاختناق، وكان الجنود البينزطيون يلقون عليها الماء والزيت المغلي.

  • كاتدرئية آيا صوفيا تتحول إلى مسجد

كانت كاتدرائية القسطنطينية وأكبر كنائسها، وصلى فيها محمد الفاتح ركعتي شكر بعد سقوط المدينة، ثم أمر بتحويلها إلى مسجد.

جدل كبير تثيره حكاية «آيا صوفيا» حتى الآن؛ فالبعض كان يرى أنها نوع من التعدي على دور العبادة في البلاد التي يفتحها المسلمون؛ واعتبرت من المآخذ التي أخذت على «محمد الفاتح» أو العثمانيين عامة الذين اتبعوا النهج نفسه.

وقد ظل هذا الجدل قائما حتى تحولت في عهد مصطفى كمال أتاتورك إلى متحف ديني للمسيحية والإسلام على السواء.

ورغم أن هذه الواقعة تعتبر من المآخذ التي تؤخذ على «محمد الفاتح» والدولة العثمانية عموما، لكن أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة الأزهر، الدكتور أيمن فؤاد يقول إن المسلمين عندما دخلوا القسطنطينية، لم تكن هناك أي أماكن للصلاة، وبالتالي دخلوا «آيا صوفيا» ورفع الآذان في الكنيسة وأقاموا الصلاة.

وحتى بعدما تحولت إلى مسجد لم يهدم المسلمون فيها أي شيء أو يزيلوا الرسوم المسيحية. كما يتابع «فؤاد» في حديثه لـ«شبابيك» فقد أقاموا أربعة مآذن، وغطوا الرسومات بالجبس، مع الاحتفاظ بكل تصاميم الكنيسة. وكل ما فعله «أتاتورك» عندما حول «آيا صوفيا» إلى متحف، فهو كشف الرسوم المسيحية فقط.

محمد الفاتح والقسطنطينية بعد الانتصار

«محمد الفاتح» عامل أهل القسطنطينية معاملة حسنة ودعاهم لاختيار بطريرك جديد

أصابت أوروبا صدمة كبيرة بعد سقوط القسطنطينية حتى إن أمراءها وملوكها بدأوا في توحيد صفوفهم فيما بينهم لقتال العثمانيين حتى لا يسطروا على أوروبا؛ حتى إن البابا «بيوس الثاني» قد حاول الدعوة إلى حرب صليبية جديدة؛ لكن الدول الأوروبية كانت مفلسة ومنهكة وتمتلئ بالصراع فيما بينها؛ وفقا لكتاب «السلطان محمد الفاتح فاتح القسطنطينية وقاهر الروم».

أما مدينة القسطنطينية فقد تحولت إلى عاصمة الدولة العثمانية، وشهدت إزدهارها السياسي والاقتصادي، بعد أن أصاب الدولة البيزنطية الضعف في أواخر أيامها.

وبعد استكمال حربه مع الممالك الأوروبية المجاورة، ينسب لـ«محمد الفاتح» قتله لفلاد الثالث حاكم المجر والملقب بـ«دراكولا» فقد تسبب في  قتل 100 ألف شخص من الأتراك والأوروبيين.

وبالنسبة لأهل القسطنطينية أنفسهم عاملهم «الفاتح» معاملة حسنة، ودعاهم إلى اختيار بطريرك جديد. يقول الدكتور أيمن فؤاد، أستاذ التاريخ بجامعة الأزهر لـ«شبابيك»: «المسلمون في كل البلاد التي فتحوها يعاملون أهلها معاملة حسنة، لأن صراع الفاتح هنا كان مع الدولة البيزنطية وليس أهل القسطنطينية».

هل قتل محمد الفاتح أخيه الرضيع؟

بعض الروايات تقول إن «الفاتح» قتل أخوه الرضيع، حتى لا ينازعه الحكم فيما بعد، أو يزين له البيزنطيون ويدعمونه للانقلاب على أخيه للانفراد بالحكم؛ ورغم أن «فهمي» و«الصلابي» لا يذكرا هذه الواقعة في كتابهما؛ لكن أستاذ التاريخ  بجامعة الأزهر يقول لـ«شبابيك» إن سلاطين الدولة العثمانية كانوا يقتلون إخوتهم حتى يبقوا الحكم في نسل محدد.

المعلومة تؤكدها أيضا أستاذة التاريخ بجامعة حلوان، الدكتورة زبيدة عطا، وتقول لـ«شبابيك» إن العثمانيين حولوا هذه العادة إلى قانون دولة ينص على أنه «إذا تيسرت السلطنة لأي ولد من أولادي فيكون مناسبًا قتل إخوته في سبيل تأسيس نظام العالم، وقد أجاز هذا معظم العلماء، فيجب العمل به».

وبينما يؤكد أستاذ التاريخ بجامعة الأزهر بأن واقعة قتل «الفاتح» لأخيه الرضيع صحيحة؛ لكن «عطا» تقول إنه لم يرد في التاريخ أي دليل يؤكد أن «الفاتح» فعل ذلك.

أوروبا تحتفل بوفاة محمد الفاتح

أصبحت القسطنطينية عاصمة الدولة العثمانية
وهي الآن مدينة استنابول التركية

رغم صراعه مع الممالك الأوروبية الثائرة لكن المصادر التاريخية تقول إن «محمد الفاتح» عامل أهل القسنطينية معاملة حسنة، ودعاهم لاختيار بطريرك جديد، وغضب بشدة بعدما عرف أن الإمبراطور قسطنطين قد مُثل بجثته، وطالب بأن يدفن بطريقة تليق بالملوك، كما يقول الدكتور «عبد السلام فهمي».

توفي «الفاتح» بعد ثلاثين عاما من حكمه، ويقول «فهمي» إن بابا روما أقام مظاهر الاحتفال بعد وفاته، وأمر بفتح جميع الكنائس وإقامة الصلوات والاحتفال.

هل اغتيل محمد الفاتح بالسم؟

تقول بعض الروايات إن طبيب محمد الفاتح «يعقوب باشا» كان يدس له السم بالتدريج حتى قتله. وكان «يعقوب باشا» يهوديا ترجع أصوله إلى إيطاليا.

لكن الدكتور زبيدة عطا تؤكد لـ«شبابيك» أن «محمد الفاتح» لم يمت بالسم؛ وكان سلاطين الدولة العثمانية يختارون طبيبهم الخاص من غير المسلمين تحديدا ويثقون بهم أكثر، لأنهم لن تكون لديهم أي أطماع في السلطة.

أميرة عبد الرازق

أميرة عبد الرازق

محررة صحفية ومترجمة مصرية مهتمة بشؤون التعليم واللغات وريادة الأعمال