رئيس التحرير أحمد متولي
 المطالبية.. التنقيب عن الآثار الفرعونية تحت سمع وبصر الحاكم

المطالبية.. التنقيب عن الآثار الفرعونية تحت سمع وبصر الحاكم

كان هوس التنقيب عن الآثار المصرية مسيطراً على عقول كثيرين بعد فتح العرب لمصر، تماما كما هو الحال في العصر الحديث.

ومثلّت الأساطير التي انتشرت حول الآثار الفرعونية المدفونة في باطن الأرض سبباً كافياً لاتجاه الفقراء والأغنياء على السواء للحفر تحت المنازل عن كنوز المصريين القدماء وآثارهم وأسموها بـ«المطالب».

كان ذلك يجري من خلال أفراد متخصصين في البحث عن الكنوز يطلق عليهم «المطالبية». كان لهم ثيابهم الخاصة، ومعهم أدواتهم التي يستعينون بها على أداء عملهم المساحي والحفري.

تنظيم رسمي

تجمع أعضاء هذه الطائفة وكوّنوا فريقاً يمارس عمله بعيداً عن أعين الحاكم. وعلم بذلك أحمد بن طولون، فأمرهم ألا يمارسوا عملهم ذاك إلا بعد أن يأذن لهم، ويعيّن من رجاله من يراقب عملهم، وكان ذلك أول إشارة إلى ما يمكن اعتباره تنظيماً رسمياً لعملية التنقيب عن المطالب (الكنوز والآثار). وهكذا أصبح البحث والتنقيب يمارس تحت سمع وبصر الحاكم.

وكشفت الكتابات التاريخية عن حجم المحنة التي واجهت الآثار المصرية جراء ما قام به «المطالبية» وشاركهم في ذلك الحكام، وشراهتهم في البحث عن الآثار والتنقيب والعبث بها، لا حباً في كنوزها فحسب بل سعياً وراء أحجار المعابد والمباني الأثرية القديمة لاستعمالها في بناء عمائرهم.

تفسيرات مختلفة

نهم الناس وأحلامهم في الثراء السريع بفضل هذه المطالب (الآثار) أدى إلى أزمة اجتماعية واقتصادية. من كان غنياً أضاع أمواله على هؤلاء «المطالبية»، ومن كان فقيراً قصد بعض الأغنياء لإقناعهم بأنه عثر على كنز وأنه يريدهم أن ينفقوا على «المطالبية» حتى يستخرجوا الكنز مقابل أن ينال نصيباً منه، ويمكث على إقناعه حتى يخسر الرجل ماله.

واختلف المؤرخون العرب في تفسيرهم لوجود هذه الكنوز والآثار. وذكر السيوطي أن فرعون كان يدخر من خراج كل قرية في مصر رُبعاً، فيدفن ذلك لنائبة أو حائجة تنزل بأهل القرية، وهذا الربع الذي يدفن هو كنوز فرعون التي يبحث عنها المطالبية.

شمس الدين محمد رأى في كتابه «حلبة الكميت في الأدب» أنها كنوز النبي يوسف وكنوز الملوك قبله وبعده، لأنه كان يكنز ما يفضل عن النفقات والمؤن لنوائب الدهر.

الرحالة التركي أوليا جلبي ذكر في كتابه «سياحتنا مه مصر» أن أرض مصر تحتوي على كنوز عظيمة ودفائن جسيمة، وخبايا كثيرة، ومطالب عزيزة، وقد رُوي أنها ليس فيها موضع يخلو من كنز خفي.

وفي الجزء الثاني فى كتابه «المقدمة» ذكر ابن خلدون أن الأقباط كانوا يدفنون موتاهم مع متعلقاتهم من الذهب  والفضة والجواهر اللآليء مثلما كان يفعل المصريون القدماء، فلما احتل الفرس بلادهم حفروا قبورهم فأخذوا ما لا يوصف من هذه الكنوز.

وكشف ابن خلدون إلى أي حد سيطرت الخرافة والأساطير على عقول الناس في ما يتعلق بالبحث عن اللذات من خلال المال والثراء للخروج من شرنقة الفقر المدقع والقمع الذي يعاني منه الناس جراء سطوة الولاة والحكام.

يقول «أعلم أن كثيراً من ضعفاء العقول في الأمصار يحرصون على استخراج الأموال من تحت الأرض، ويبتغون الكسب من ذلك، ويعتقدون أن أموال الأمم السالفة مختزنة كلها تحت الأرض مختوم عليها كلها بطلاسم سحرية، لا يفض ختامها ذلك إلا من عثر على علمه واستحضر ما يحله من البخور والدعاء والقربان».

كل ذلك أدى إلى رواج عمل «المطالبية»، وتأثيرهم على ألباب الفقراء للخروج من أزماتهم الاقتصادية وعلى عقول الأغنياء لزيادة ثرواتهم.

المصدر

  • كتاب «مصر في الأساطير العربية». الدكتور عمرو عبدالعزيز منير.

محمد أحمد

محمد أحمد

صحفي يكتب في التراث والثقافة الشعبية