رئيس التحرير أحمد متولي
 «منتخب الأسد» أم سبب فرحة السوريين الوحيد؟.. تحقيق يأخذكم في رحلة مؤلمة

«منتخب الأسد» أم سبب فرحة السوريين الوحيد؟.. تحقيق يأخذكم في رحلة مؤلمة

فبراير 2016. أحد أعظم لاعبي سوريا عبر تاريخها جالسا خارج أحد المراكز التجارية في ليلة باردة نادرة في الكويت العاصمة، من هنا تبدأ رحلة قد لا تكون مريحة في معظم تفاصيلها.

ينقل لكم »شبابيك» تحقيق ترجمه موقع «FilGoal» من شبكة «ESPN» الأمريكية، يأخذكم في رحلة مؤلمة عن ما وصفه بـ«فريق الديكتاتور»، أو كيف قد تتأهل «سوريا الأسد» إلى كأس العالم برعاية الخوف. أو بنظرة أخرى، الأمر الوحيد السعيد في حياة السوريين الآن.

«أنا خائف. أنا خائف». فراس الخطيب أحد أعظم لاعبي سوريا عبر تاريخها، الذي أعلن مقاطعته لمنتخب بلاده اعتراضا على بشار الأسد، الذي – حسب الخطيب – دمر وجوع مسقط رأسه، والتي صارت في هذا الوقت «عاصمة الثورة السورية«، حمص.


 

منتخب سوريا يحقق ما يشبه المعجزة، فهو يعتبر قريبا من فرصة التأهل لمونديال روسيا 2018، قادما من بلاد مزقتها الحرب الأهلية لأكثر من 6 سنوات الآن.

الكويت العاصمة، الكويت

نحن الآن خارج أحد المراكز التجارية في مدينة الكويت التي قضى فيها الخطيب جزء كبير من مسيرته الاحترافية كلاعب كرة قدم، وهنا يفكر أحد أيقونات الكرة السورية في العودة للعب مع المنتخب.

«في سوريا الآن، إذا تحدثت، سيقتلك أحدهم، من أجل ما تقوله أو ما تفكر فيه، ليس لما يفعله. في سوريا يحدث القتل بسبب ما تفكر فيه».

جالسا في وسط عاصمة ثرية للغاية، مثله تماما، يبدو الخطيب محطما من التفكير في الخطوة التي قد يقبل عليها، وهي العودة للعب للمنتخب السوري.

يخرج الخطيب هاتفه ليتصفح الرسائل التي يتلقاها عبر فيسبوك، أحدهم من لاعب أخر من جيله ويعتبره صديقا له، هو نهاد سعد الدين، يقول فيها إن عودة الخطيب لمنتخب سوريا تساوي «دخوله مزبلة التاريخ»، بعيدا عن وعد سعد الدين بعدم الحديث أبدا مع الخطيب لو فعلها.

أهلا بكم في عالم كرة القدم برعاية الخوف.

على الخطيب، خلال 36 يوما، أن يختار العودة للمنتخب السوري كقائد وأهم لاعب في تاريخ الدولة في محاولة تعتبر قريبة للوصول لكأس العالم للمرة الأولى، لكن ممثلا لحكومة يتم إدانتها باستعمال غاز الأعصاب والتعذيب والتجويع وقتل المدنيين، وكرة القدم، لتستمر في الحكم.

وعلى الجانب الأخر، في حال قرر الخطيب الاستمرار في مقاطعته للمنتخب السوري، سيكون في جانب يتم ربطه دائما بالقاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) التي تستعمل ملاعب كرة القدم كمسرح لجرائمها مثل تفجيرات نوفمبر في استاد دو فرانس، باريس في 2015.

«الآن في سوريا يوجد العديد من القتلة، ليس فقط قاتل أو اثنين، يوجد الكثير منهم، وأنا أكرههم جميعا. مهما حدث ومهما قررت، سيحبني 12 مليون سوري، وسيحاول 12 مليون سوري قتلي».

داخل حرب سوريا الأهلية، يوجد حرب أهلية أصغر بنفس درجة القصوة والدموية أحيانا.

مشوار تصفيات سوريا غير المنطقي وضع اللاعب ضد اللاعب، المدرب ضد المدرب. في أكثر من 6 سنوات من الحرب الأهلية، مات 470 ألف سوري على الأقل. متوسط توقع الحياة هبط من 70 عاما لـ55، ورحل عن البلاد تقريبا نصف سكانها، حوالي 12 مليون لاجئ. كرة القدم مجرد مكان لحرب أخرى بين مؤيدي ومعارضي بشار الأسد.

رسائل الحكومة في سوريا دائما ما تشدد أن كرة القدم هي المكان الوحيد التي يمكن للسوريين أن يتوحدوا فيها. أو كما يقول بشار محمد، المتحدث بإسم المنتخب السوري: «حلم يجمع كل الناس، يمنح الناس ابتسامة ويساعدهم على نسيان روائح الدمار والموت».

توصل تحقيق ESPN إلى حقيقة تقول إن نظام بشار الأسد، بدعم من فيفا، وضع كرة القدم في وحل حملتها للبقاء في الحكم عن طريق قمع قطاع من الشعب. أرقام أنس عمو، صحفي رياضي سوري تحول بعد اندلاع الحرب الأهلية إلى موثق للجرائم في حق الرياضيين السوريين، تقول إن الحكومة السورية قتلت وعذبت على الأقل 38 لاعبا من دوري الدرجة الأولى والثانية السوري، بينما اختفى على الأقل 13 لاعب سوري.

في المقابل، يلوم عمو جزء من قوات المعارضة على قتل عدد من لاعبي كرة القدم، مثل 4 لاعبين كرة القدم مثبت أن داعش قتلتهم.

المرصد السوري لحقوق الإنسان قال في بيان سابق إن نظام بشار الأسد «استعمل الرياضيين والنشاطات الرياضية لرعاية أنشطتها القمعية».

تم استخدام ملاعب كرة القدم كقواعد عسكرية لهجمات قد تكون استهدفت مدنيين، فيما يقول لاعبون أخرون إن الفرق الرياضية تم إجبارها على الخروج في مظاهرات مؤيدة للأسد مرتدين لقمصان عليها صور نجل الرئيس السوري السابق.

ولكن هناك حقيقة أخرى دائما، هي وأن المنتخب السوري هو السعادة الوحيدة في حياة مواطني الدولة التي قسمتها الحرب الأهلية لمدة 6 سنوات حتى الآن.

يقول عمو: «الأسد كان حريصا على إظهار الرياضيين والفنانين في مظهر المؤيدين له، لأنهم أصحاب التأثير الأكبر على الشارع السوري، تلك المظاهرات كانت إجبارية».

اتهامات للحكومة السورية بتداخل السياسة في الرياضة وصلت إلى فيفا في 2015. في 20 حالة سابقة أوقف فيفا اتحادات أهلية بسبب التدخل السياسي في كرة القدم، لكن في حالة سوريا، التي قٌدم من أجل إيقاف النشاط الكروي فيها ملف ضم 20 صفحة تحت عنوان «جرائم حرب ضد لاعبي الكرة السوريين». رد فيفا بأن «الأحداث التراجيدية في سوريا تذهب لما هو أبعد من الرياضة»، قبل أن يشير في بيان لاحق إلى أن «فيفا منظمة محدودة في حكمها ولا يمكنها أن تتحقق من أي اتهامات في وضع معقد مثل الوضع السوري».

أيمن كشيط، لاعب الكرة السابق الذي قدم الملف للفيفا يقول: «هناك تعارض بين قرارات فيفا، وقوانينه. يصدرون قرارا بإيقاف اتحاد أهلي بسبب التدخل السياسي وفي نفس الوقت هناك حرب كامة تدور في بلد يتم فيها استعمال الملاعب لتخزين الأسلحة، في بلد يموت فيها الأطفال واللاعبين، ويزج بهم في السجون، دون أن يكون هناك عقابا من أي نوع. أين القرار؟ هذا نفاق».

محامي في لندن يدعى مارك أفيفا، تخصص في القوانين الرياضية وخاصة تلك المختصة بفيفا، أكد أن حالة سوريا تمثل «حالة واضحة للتدخل الممنهج في كرة القدم المحلية والعالمية، فيفا اختار ألا يفعل شيئا لأنه ليس شجاعا بما فيه الكفاية».

فادي دباس، نائب رئيس الاتحاد السوري لكرة القدم، ورئيس بعثة المنتخب، يقول إن كل تلك الاتهامات لا أساس لها من الصحة وإنها من اختلاق «لاعبو كرة قدم تركوا البلاد ويعارضون الأسد، النظام يحمي الشعب السوري ومشكلتهم إنهم خارج سوريا ولا يمثلون سوى أنفسهم».

اقتراب سوريا من كأس العالم خلق صراعا أخلاقيا للاعبين والجماهير، مئات من اللاعبين السوريين تركوا البلاد إلى دول مجاورة وإلى أوروبا. لاعب أخر، هو المدافع فراس العلي، هرب من المنتخب خلال معسكر عندما عرف فجرا أن ابن عمه الذي يبلغ من العمر 13 عاما مات في هجوم حكومي.

العلي يعيش الآن في مخيم قرقميش للاجئين في جنوب تركيا، ووصف تمثيل منتخب سوريا بإنه «ليس شرفا، هذا أمر لم أستطع فعله. شعرت أني سأخون كل أبناء بلدنا الذين تم قتلهم بالقمع، هؤلاء الذين يلعبون بقميص منتخب سوريا يحملون علم الموت».

سربمان، ماليزيا

أمطار غزيرة ورطوبة قاتلة في بعد ظهر يوم 4 سبتمبر 2016 في مدينة سربمان التي تبعد 54 كيلومتر عن العاصمة الماليزية كوالا لمبور. بقمصان بيضاء يجلس لاعبي المنتخب السوري في انتظار أتوبيس يقلهم للتدريب قبل أن يقابلوا منتخب كوريا في الجولة الثالثة والنهائية لتصفيات آسيا المؤهلة لكأس العالم 2018 في روسيا.

المنتخب السوري مثل طفل مشرد لا يجد ملاذا يلعب فيه مبارياته. في الأوقات الطبيعية كان المنتخب يلعب مبارياته في دمشق وحلب، لكن فيفا يمنع إقامة المباريات هناك خوفا على سلامة اللاعبين والجماهير التي لا يستطيع حمايتها. لعب المنتخب السوري مباريات الجولة الثانية في عمان، لكن في الجولة الثالثة لم ترد أي دولة في الشرق الأوسط استضافة منتخب نسور قسيون.


 

قبل مواجهة كوريا، الثانية للسوريين في التصفيات، عرضت ماكاو استضافتهم لكنها تراجعت قبل أن يتجهوا إلى ماليزيا وبالتحديد مدينة سرمبان، البعيدة عن سوريا بـ7500 كيلومتر، والمحيط الهندي.

المباراة الأولى كانت أمام أوزبكستان وخسرتها سوريا 1-0، قبل أن يسافروا 20 ساعة من طشقند إلى إسطنبول ومنها لكوالا لمبور، قبل ركوب أتوبيس لـ54 كيلومتر للوصول إلى سرمبان.

يقول قائد الفريق، عبد الرزاق الحسين: «لا أعرف ماذا حدث، سمعنا أننا سنلعب في قطر، ثم في لبنان أو ماكاو، لا يجب أن يكون هناك تلك الحالة من عدم الترحيب بنا».

قبل 10 سنوات، جذبت مباراة سوريا وكوريا الجنوبية 35 ألف متفرج في استاد العباسيين في حلب. قبل مباراة 2016، يمزح اللاعبون حول عدد الجماهير الذين سيحضرون المباراة، «ثلاثة ربما، نأمل في ذلك».

وصول سوريا لتلك المرحلة يعد معجزة، نظرا لصعوبة اللعب على أرضهم وامتناع عدد من اللاعبين الكبار مثل الخطيب عن اللعب مع المنتخب، وعدم وجود تمويل لازم للمنتخب بعد أن اضطر فيفا تجميد أرصدة الاتحاد السوري وأموال التنمية المخصصة له من قبل فيفا بعد العقوبات التي أصدرتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ضد الدولة الممزقة بالحرب الأهلية.

يتدرب الفريق في سرمبان في ملعب أشبه في الحديقة لتفادي دفع 3500 دولار للتدريب على ملعب المباراة، مثلما يقول كتيبة الرفاعي، سكرتير الفريق الذي يعمل متطوعا.

تأهل منتخب سوريا للجولة الثالثة والنهائية بإنهاء منافسات مجموعات الجولة الثانية خلف اليابان. هذه أكثر مناسبة اقتربت فيها سوريا من كأس العالم في 31 عاما.

«ما حققته سوريا لا يبدو أقل من المعجزة في شيء»، موقع فيفا عن وصول سوريا للدور النهائي من التصفيات.


 

لكن تقارير موقع فيفا تغفل أمرا هاما، أن هذا المنتخب يمثل حكومة متهمة دوليا بارتكاب جرائم حرب ضد شعبها.

يرى فيفا أن منتخب سوريا ليس منتمي سياسيا لأي فصيل – نفس وجهة نظر نظام الأسد التي ينقلها فادي دباس: «هدف الفريق الأول ليس الوصول لكأس العالم، بل أن نجمع كل السوريين تحت راية واحدة، وأن نثبت للعالم أن سوريا بخير، أن سوريا تنبض، هذا الفريق يمثل كل سوريا. نحن نلعب من أجل رئيسنا، ونحن ندين بالولاء للأسد، أي سوري داخل سوريا يمثل الأسد، وفخامة الرئيس الأسد يمثلنا. نحن فخورون به وبما حققه، ونريد أن نرسل له أفضل تمنياتنا وشكرنا لما فعله من أجل سوريا. نحن خلفه وندعم قيادته».

يشير دباس أن الأسد يتابع كل مباراة، ويعرف كل التفاصيل عن الفريق.

بعيدا عن تصريحات دباس، هناك أكثر من دليل أن المنتخب السوري لا يقدم صورة لسوريا الموحدة، بل لسوريا الأسد.

في نوفمبر 2015 قبل مباراة خاضها المنتخب في سنغافورة، ظهر المدير الفني للفريق والمتحدث بإسمه ، ولاعب أخر، بقمصان تحمل صورة الأسد في مؤتمر صحفي.

مدرب الفريق في ذلك الوقت فجر إبراهيم، وصف الأسد بأنه «أفضل رجل في العالم».

فجر إبراهيم لن يكون مدربا للفريق في الجولة الثالثة، لكنه قال أثناء وجوده في سربمان لخوض مباراة كوريا «نعرف أن رئيسنا رجل عادل، ورجل عظيم جدا. دون الأسد، سوريا ستكون بلد مدمر».

وعندما تم سؤاله إن كانت تصفيات كأس العالم مكانا جيدا لمدح الأسد والحديث في السياسة قال «كل الأمور مترابطة الآن. السياسة وكرة القدم، مترابطان».


 

الأوضاع في سوريا لا تجعل أي شخص يعلن انتماءاته السياسية بشكل واضح، والأمر نفسه ينطبق على لاعبي كرة القدم.

يقول أنس عمو، الذي يعمل أيضا كوكيل لاعبين في مدينة ميرسين التركية، إن عدد كبير من أسر لاعبي المنتخب تم قتلهم أو حبسهم من قبل نظام الأسد.

«هؤلاء اللاعبين يتم إجبارهم على اللعب، أو سيتم قتل عائلاتهم. هناك عدد من اللاعبين أعرف أسماءهم مهددين بذلك. الحكومة تحتفظ بجوازات سفرهم، لو حصلوا على جوازات سفرهم لن يلعبوا للمنتخب مرة أخرى».

في ملعب توانكو عبد الرحمن في سربمان، فقط 5000 شخص جالسون في استاد يتسع لـ45 ألف متفرج. حوالي ألف سوري، معظمهم يدرسون في كوالا لمبور يجلسون في المدرج الأوسط للملعب.

ضغط كوري لا يتحول لأهداف، وقتال سوري للحفاظ على التعادل. لاعبو سوريا يسقطون أرضا تباعا بعد رحلة سفر طويلة في محاولة لإضاعة الوقت.

في هذه الأثناء، يقوم الجمهور السوري برفع صورة كبيرة لبشار الأسد وسط هتافات «سوريا سوريا» قبل أن يقوم الأمن الماليزي بالركض تجاه الجمهور القليل الذي رفع الصورة، ثم أزالها سريعا.


 

انتهت المباراة 0-0، ليقول قائد الفريق عبد الرازق الحسين : «اليوم أثبت الفريق السوري أنه فريق من الأبطال».

برلين، ألمانيا

إلى أوروبا. 24 لاجئ سوري داخل غرفة خلع ملابس فريق بوكهولز الذي ينافس في دوري الهواة الألماني. فريق «سوريا حرة» يستعد لمواجهة الهواة الألمان في يوم ممطر وبارد في شمال شرق العاصمة الألمانية.

علم الثورة السورية يزين قمصان اللاجئين – منهم من لعب من قبل في الدوري السوري – ويدربهم صديق الخطيب، نهاد سعد الدين.

«في يوم من الأيام، سيكون هذا الفريق هو الممثل لسوريا حرة».

يقول سعد الدين: «هناك عدد من اللاعبين هنا، لكن هناك الكثيرين مصابين أو محتجزين في سوريا». سعد الدين يبلغ من العمر 35 عاما لكنه يبدو أكبر بـ10 أعوام. يقول إنه أصيب بطلقة قناص في الركبة، قبل أن يدمره صاروخ ضرب حائط مبنى كان يخليه من النساء والأطفال. عندما وصل إلى النمسا، اكتشف أن تلك الضربة تسببت في مشكلة بعموده الفقري بجانب ضررها النفسي عليه.

«لدينا قضية وأتمنى أن تكونوا على قدرها، أن تجبروا العالم أن يرى جرائم النظام وما فعلوه بحق الرياضيين السوريين. نحن مجبرون أن نتحدث عنهم، علينا أن نجعل العالم يسمع صوتهم. هذه ثورتنا ونحن رياضيون أحرار. عندما نقول إننا فريق سوريا الحرة، نحن نمثل الملايين». هذا ما قاله سعد الدين قبل المباراة الودية ضد فريق الهواة الألماني.

أحد اللاعبين الجالسين للاستماع إلى سعد الدين كان جابر الكردي، الذي تم اعتقاله من قبل قوات النظام في حماة عام 2013. لاعب الطلائع السابق قال إنه كان متضامنا مع المعارضة لكنه لم يحمل سلاحا. «هل تظن أن مثل هذه الأيدي قد تحمل سلاحا؟ أيادي الفتيات أكبر من يدي».

يقول الكردي إنه حضر مظاهرات ووفر إعاشات ومساكن للنازحين. «لا أحب الدماء، ولكن عندما رأيت الناس يصلون لحماة وينامون في الشوارع. كان من الصعب أن أشاهد فقط دون أن أفعل شيء».

يشرح الكردي ظروف احتجازه ونقله بين السجون في حماة وحمص ودمشق، قبل أن يقضي معظم الوقت في معسكر فلسطين الحربي في دمشق حين تم تعذيبه بالضرب والكهرباء. في النهاية تم عرضه على قاض عسكري أمر بإخلاء سبيله، وأثناء منحه متعلقاته من قبل جندي، جرح إصبعه حتى يتذكره جيدا. الجرح مازال واضحا في يد الكردي.

الكردي يخضع لعلاج بسبب كوابيس متكررة يظهر فيها قوة الأمن السورية وهي تطارده في شوارع حماة. «أشعر بألم لا يضاهى. لست سعيدا هنا. الحكومة الألمانية منحتنا المأوى لكننا حزانى. شعبنا يتم ذبحه».

لاعب أخر في فريق «سوريا الحرة«، باسل حوا، قال إنه اعتقل أثناء محاولته الهروب من تجنيده في الجيش السوري. «لم أقدر على قتل أبناء شعبي«. باسل خرج بناء على عفو من الأسد في 2014 وهرب إلى ألمانيا.


 

اسم لاعب أخر دائما ما يقال في كل الأحاديث بين لاعبي فريق «سوريا الحرة»، جهاد قصاب.

قصاب أحد مخضرمي الدوري السوري ولعب معظم مسيرته في فريق الكرامة، اختفى في 19 أغسطس 2014. تقول عائلته إنه احتجز في سجن صيدنايا العسكري الذي وصفته منظمة العفو الدولية بـ«مجزرة للبشر». حسب نفس المنظمة، 13 ألف سوري تم قتلهم خلال 4 سنوات في هذا السجن.

في سبتمبر 2016، بعد أكثر من عامين من اختفاء قصاب، تم إعلان وفاته.

«لو كان جهاد قصاب في بلد أخر كان سيتم تكريمه على تاريخه» هكذا يقول محمد حميد، أحد أصدقاء قصاب وزميله في فريق الكرامة. «في سوريا وتحت رئاسة الأسد، تم اعتقاله وتعذيبه». لم يتم العثور على جثة قصاب حتى الآن.

فادي دباس، نائب رئيس الاتحاد السوري، قال أولا إنه لا يعرف قصاب، قبل أن يعود ويقول إنه لا يعرف أين ذهب بعد أن ترك الكرامة.

فريق «سوريا الحرة» الذي يريد أن يكون بديلا للمنتخب الأول، خسر بسهولة شديدة من الفريق الألماني مثبتا حقيقة واحدة. يوجد فريق سوري واحد في تصفيات كأس العالم مكون من لاعبين كرة حقيقيين.

عودة إلى الكويت.. شارع الخطيب

في يوليو 2012 حين أعلن فراس الخطيب أنه لن يلعب مرة أخرى للمنتخب السوري كان مسقط رأسه حمص، «عاصمة الثورة»، تحت قصف ونيران النظام السوري.

المظاهرات انتقلت من المدينة الغربية، آلاف من المواطنين تظاهروا في الشوارع سلميا ولكن الرد كان عنيفا من الدولة السورية قبل اندلاع حرب أهلية تضم بين رحاها قوات حكومية وإرهابيين أجانب وأمراء حرب وميليشيا وقوات عالمية كبرى.

الخطيب هو أحد أهم مواطني حمص التي – حسب شهادات بعض السكان – اضطر الباقون فيها لأكل الحشائش ليظلوا على قيد الحياة. ترك حمص في أوائل الألفية ليلعب في بلجيكا ثم الصين وحاليا في الكويت. استعمل الخطيب الأموال التي حصدها في بناء شارع بإسمه في حمص. شارع الخطيب.

رغم نجوميته، لم يتأخر الخطيب يوما في تمثيل المنتخب السوري. «اللعب للمنتخب السوري يعني 24 مليون يشجعونك لتفوز».

الخطيب أعلن مقاطعته في مؤتمر داعم للمعارضة السورية في الكويت العاصمة. ضربة كانت قوية لنظام الأسد. «أمام وسائل الإعلام، أريد أن أقول إني لن ألعب أبدا للمنتخب السوري مادام هناك قذائف تسقط في أي مكان في سوريا».

فوق الأعناق حمل «أبو حمزة»، تكريما له على قراره.

ولكن الخطيب عاد لتمثيل منتخب سوريا. على دكة بدلاء فريق الكويت الكويتي التقى الخطيب مرة أخرى بصحفي ESPN، ليجد صعوبة في شرح قراره.

«ما حدث معقد جدا، لا يمكنني الحديث عن تلك الأمور. أنا آسف. الأمر أفضل لي ولبلادي ولعائلتي إن لم أتحدث عن هذا الأمر».

يقول الخطيب إنه لم يرى والده، أو شارع الخطيب منذ 6 أعوام. «ما أريده هو أن أعود إلى سوريا كشخص سوري، لا أعود للعب للمنتخب أو لكي أدعم حكومة، أريد أن أرى عائلتي. مازلت أحلم بأن أكون رئيسا لنادي الكرامة يوما ما».

الأمور كانت وردية حين أعلن الخطيب مقاطعته للمنتخب، الكثير صدق أن الأسد من الممكن أن يرحل عن سدة الحكم. لكن الآن الأسد سيطر على معظم سوريا مرة أخرى في خضم حرب أهلية أكلت الأخضر واليابس في البلاد، في وقت عاد فيه الدوري السوري لمعظم أنحاء البلاد.


 

الخطيب: « قلت إني لن ألعب حتى يتوقف كل هذا القتل. ولكن قراري تغير وهذا قرار له علاقة بكرة القدم فقط، لا علاقة له بالسياسة، نريد أن نكون سعداء في وقت كل شيء في سوريا يجعلنا حزانى».

في ذلك الوقت، كان أمام الخطيب 5 أسابيع لتحديد قراره.

بعد التعادل مع كوريا الجنوبية في ماليزيا، فاز السوريون على الصين وتعادلوا مع إيران متصدرة المجموعة. أول كأس عالم في تاريخ سوريا قريب للغاية.

ولكن هل يمثل الخطيب حكومة قتلت أصدقاءه؟ يرد بنفسه «من الصعب جدا أن أجيب على سؤال مثل هذا».

بالنسبة للاعبين أخرين، تمثيل «منتخب الأسد» خيانة غير مقبولة. هكذا يرى فراس العلي.

المدافع السابق لمنتخب سوريا يقول «كنت أرى سوريا جنة الله على الأرض، لكن الآن أنا لست في سوريا، وهذه ليست الجنة».

مخيم قرقميش للاجئين، حيث يقطن العلي، على حدود تركيا مع سوريا يشبه السجون كثيرا، ولكن يحق لحوالي 7 آلاف لاجئ الرحيل عنه فقط إذا كان لديهم مكانا يذهبون إليه.

العلي كان يملك 3 منازل، والآن يملك خيمة في هذا المخيم. العلي كان يلعب لفريق الشرطة الدمشقي. «من بين 24 مليون سوري، كنت من أفضل 20 لاعبا يمثلون بلادي. كنت مشهورا ومعروفا في أي مكان حللت فيه. حالتي المادية كانت رائعة ولم أفكر يوما في ترك سوريا».

رغم ذلك، يشدد العلي أنه سيعيش في مخيم للاجئين على أن يلعب للمنتخب السوري.

في 2011، عندما هجمت قوات الأسد على حماة، مسقط رأس العلي، قتل ابن عمه في مظاهرة. «الرصاصة ضربت عينه، اخترقت رأسه، وخرجت من الجهة الأخرى، قبل أن يسقط برميل متفجر على منزل ابنة عمتي. أن ترى أشلاء بني آدم، هذا أصعب كابوس. لقد كانت سمينة إلى حد ما، لكننا لم نجدها».

انضم العلي للمظاهرات ولكنه كان يرتدي قناعا لأنه كان مشهورا، الأمر كان يشبه معيشته لطريقتي حياة. المران صباحا كلاعب مشهور، والتظاهر ظهرا بوجه مغطى بقناع.

وفي صباح، ذهب العلي لملعب العباسيين من أجل مران، ولكنه فوجئ بتحوله لقاعدة عسكرية. «كان لدينا نصف الملعب للمران، والنصف الأخر للفرقة الرابعة من الجيش السوري. مدفعية ثقيلة في مكان مخصص للرياضيين. سيخرجون من مكان المران لقمع الشعب. كنت أسمع دوي إطلاق النار من الاستاد. في هذا الوقت، لم يكن المتظاهرون قد بدأوا في حمل السلاح».

القشة التي قصمت ظهر البعر للعلي كانت تصريحات مدرب منتخب سوريا آنذاك، فجر إبراهيم، الذي قال للاعبين «علينا قمع المظاهرات بالفوز بالمباريات».

ذلك قبل أن يتم قتل ابن عمه صاحب الـ13 ربيعا، علاء. هنا قرر العلي أنه لن يلعب للمنتخب السوري أبدا.

هرب العلي من أحد معسكرات المنتخب إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة. حينما تكون لاعبا شهيرا لن يوقفك الجنود في الكمائن، حتى خرج إلى تركيا وتحفظت الدولة السورية على أمواله وأراضيه.

الآن في المخيم، يعلم العلي الأطفال كرة القدم. «لا أندم على أي شيء، كيف لأحد أن يلعب تحت هذا العلم وأن يحمل صورة الشخص الذي كان سببا في رحيل أكثر من 7 مليون سوري؟».

مرسين، تركيا

السؤال المحوري، هل كرة القدم في سوريا واحة سلام للسوريين ومكان يشعرون فيه بالسعادة أخيرا، أم أداة أخرى في حرب الأسد؟

في مدينة مرسين التركية، يحاول أنس عمو الإجابة عن هذا السؤال بإنشاء ملف ضد الحكومة السورية بسبب ما يراه من انتهاكات ضد الرياضيين. «جيل كامل من لاعبي كرة القدم السوريين اختفى»، حسبما يرى عمو.

عمو كان صحفيا في جريدة الوطن السورية في حلب ومتطوعا في قطاع العلاقات العامة لنادي الاتحاد السوري. في عام 2011، يقول عمو إن الحكومة السورية أجبرت اللاعبين على الخروج في مظاهرات مؤيدة للأسد. كان ذلك قبل أن تبدأ الحكومة السورية في استخدام الملاعب كقواعد عسكرية، وهو نفس الأمر الذي أكده فراس العلي، لكن ينفيه فادي دباس نائب رئيس الاتحاد السوري.

قوانين فيفا تمنع تلك الأمور، وتدخل ضمن إطار التدخل الحكومي الذي أوقفت فيفا بسببه أكثر من 20 اتحادا أهليا منذ عام 2006.

يحاول عمو تجميد نشاط كرة القدم السورية، واستعان بأيمن كشيط، لاعب سابق يعيش في السويد ويمكنه التوصل لمقر فيفا في زيوريخ.

بالفعل، ذهب كشيط إلى زيوريخ في أغسطس 2014 دون فائدة، قبل أن يجهز ملفا من 20 صفحة مبني على عمل عمو. احتوى الملف على أسماء 10 لاعبين تحت الاحتجاز في سوريا بجانب أسماء اللاعبين الذين قتلوا على يد قوات النظام حسب عمو، كذلك صور الملاعب المستخدمة كقواعد حربية.

محاولات كشيط المستميتة جعلته يقابل أحد أهم مسؤولي فيفا، أليكساندر كوخ، الذي يرى أن الأمر لا علاقة له بكرة القدم. قبل أن يخبره بأن الشكوى يجب أن تأتي من خلال الاتحاد السوري لكرة القدم!

«كيف يمكن أن أطلب من الاتحاد السوري تقديم شكوى ضد نفسه؟ الاتحاد السوري جزء من الحكومة السورية».

كان ذلك قبل شهر من تلقيه بريدا إلكترونيا من نائب المدير التنفيذي لفيفا ماركوس كاتنر، يخبره أن الأمر خارج نطاق سيطرة فيفا لأنه أكبر بكثير من الرياضة. كاتنر ترك منصبه بعد ذلك ضمن قضايا فساد الاتحاد الدولي لكرة القدم.

رفض فيفا الرد على استفسارات ESPN حول الأمر قائلا في بيان: «في الأعوام الماضية نما إلى علمنا إدعاءات كثيرة من أطراف كثر، بخصوص العنف المؤثر على كرة القدم. نحن نتفهم تلك الظروف التراجيدية لكننا كمنظمة حاكمة لكرة القدم نعلم أن تلك الإدعاءات المختلفة أكبر كثيرا من الرياضة في ظل وجود البلاد في حرب أهلية. لا يمكننا التحرك لإن إطار حاكميتنا وقدراتنا تمنعنا من التحقق من تلك الأمور في مكان معقد مثل سوريا».


 

لكن المحامي مارك أفيفا، يرى أن فيفا تحرك في قضايا كانت الدلائل فيها أقل من حالة سوريا، مثل نيجيريا.

«فيفا اتخذ قرارا بعدم التدخل في أزمة سياسية تضم قوى العالم الكبرى». حسبما يرى أفيفا.

سول، كوريا الجنوبية

في مارس الماضي، عاد الخطيب لتمثيل منتخب سوريا ضد أوزبكستان وكوريا الجنوبية.


 

«لا سياسة»، كان هذا شرط مسؤولي الاتحاد السوري قبل أن يتحدث الخطيب لـESPN، حيث شدد اللاعب أنه لم يتم استدعاءه للمنتخب في فترة مقاطعته وإن هذا سبب عدم انضمامه، بينما أكد فادي دباس أن الخطيب مرحب به في المنتخب في أي وقت لكن وضعه السابق منعه من الانضمام.

«أخرجنا السياسة خارجا والآن نتحدث فقط حول كرة القدم، عدت بقرار كروي وليس سياسي. هذا المنتخب لكل الناس، لكل سوريا، ليس الحكومة فقط، علينا أن نفعل شيئا لنا ولبلادنا».

رسائل غاضبة كثيرة عزت صندوق رسائل الخطيب على فيسبوك، بسبب «خيانته للثورة السورية».

سوريا خسرت من كوريا الجنوبية في تلك المباراة 1-0 وأهدر الخطيب فرصتين للتعادل، قبل أن يتعادلوا مع الصين 2-2 ويفوزون على قطر 3-1 بوجود عمر السومة وعمر الخريبين الذين يقدمان مستويات رائعة في السعودية.

إذا حقق السوريون نتيجة إيجابية ضد إيران يوم الثلاثاء، قد يحافظون على مركزهم الثالث في المجموعة ويتأهلون للملحق، أو يصعدوا للمركز الثاني ويحققوا تأهلا طال انتظاره إلى كأس العالم.

لكن يظل السؤال مع كل هدف سوري في مشوار التصفيات التاريخي. هل هذا المنتخب هو سبب فرحة السوريين الوحيد حاليا، أم أداة في حرب أهلية أكلت قلب البلاد؟


 

المصدر

  • في الجول

شبابيك

شبابيك

منصة إعلامية تخاطب شباب وطلاب مصر