رئيس التحرير أحمد متولي
 تغزل في زوجته وعاتبها وشكر الرئيس.. الرسائل السرية لمنقذ ثورة 52

تغزل في زوجته وعاتبها وشكر الرئيس.. الرسائل السرية لمنقذ ثورة 52

لولا يوسف صديق ربما لم تنجح ثورة 23 يوليو، وما كتبت الحياة لجمال عبد الناصر ورفاقه من الضباط الأحرار.

عرِف «صديق» باعتباره أحد الضباط الأحرار من البكباشي جمال عبد الناصر وعبدالحكيم عامر أن أمر التنظيم قد كُشف، وأن رئيس أركان حرب الجيش يعقد اجتماعاً من أجل إصدار أوامره لمقاومة الحركة.

على الفور أسرع إلى مقر الاجتماع وسيطر على مركز القيادة، وألقى القبض على رئيس الأركان وعلى معظم القادة الذين كانوا يستعدون للقبض على أعضاء تنظيم الضباط الأحرار، بل وقبض على القوات التي أرسلت لتعزيز الحراسة على رئاسة الجيش ليكتب بذلك صفحة جديدة في تاريخ البلاد.

ومع هذه البطولة والشجاعة تمتع يوسف صديق بحس أدبي رفيع، والقارئ لرسائله التي أرسلها لزوجته الأولى توحيدة صبري في منتصف الثلاثينيات سيجد فيها عالماً آخر من الحب والجمال والإبداع.

رسالة شوق

أثناء خدمته بمنطقة الدخيلة أرسل إلى زوجته رسالة تفيض بالحب والشوق والحنين لرؤيتها، وأكد فيها معاناته بسبب الوحدة وبعده عنها وذيلّها بالتوقيع «الدايب يوسف».

زوجتي

إنني تعبت من إرسال قبلاتي إليك وأود أن أقبلك فعلاً.. فليس القول كالعمل..

كلما نظرت حولي بالإسكندرية رأيت الناس أزواجاً أو جماعات، ولم أر فرداً وحيداً غيري.

أرى الزوج يسير مع زوجته أو الأخ مع أخته، أو الولد مع أمه، أو الوالد مع أبنائه، أو العشيق مع عشيقته، أو الخطيب مع خطيبته، وكل هؤلاء لهم مبرر فيما يفعلون.. فللأخ أن يصحب أخته للنزهة، وللولد أن يسير بجانب أمه، وللوالد أن يمرح في السعادة بأبنائه، وللعشيق أن يختلس ساعات الهناء والصفو مع عشيقته، وللخطيب أن يبني آمال المستقبل مع خطيبته.

ولكن أنا فلا مبرر لي لصحبة هؤلاء، فلا أختي ولا أمي ولا ولدي هنا، وليس لي ولا قدر الله خطيبة ولا عشيقة، فنصفي الآخر هو أنت يا تو.. وهكذا شطرني الدهر شطرين، وجعل بينهما شوطاً بعيداً.

لكل هذه العلل والأسباب وأمام صلابة الضمير الحي الذي عاهد الله أن يخلص إلى توتو ما دام حياً، وأمام الرأي الذي لا محيد عنه بأن أفنى زهرة حياتي لحب واحد وسعادة واحدة هو حبك الغالي وسعادتك الطاهرة.. لأجل لكل تلك العوامل لا أرى مفراً من الوحدة القاتلة.

لعل لك من أسباب التسلية بين أهلك وصحبك ما يهون عليك مرارة ما ألاقي من عذاب الوحدة التي تحكي صمت القبور.

رسالة خاصة لعضو تنظيم الضباط الأحرار يوسف صديق

إلى هذه الساعة لم أنزل إلى الإسكندرية – بل ولم أفكر في ذلك – وربما لا أفعل ذلك إلا لاستقبالك في اليوم الأول من الشهر وفي أول قطار ممكن، وكل ما يغريني في وحدتي هنا هو أنني أشعر بتقدم غريب في صحتي – وليست صحتي هي سر سعادتي – بل لأنني واثق من أن صحتك ستكون هنا على أحسن حال وكذلك الحنتوسو (يقصد ابنته سهير) ستكون سعيدة معنا، وهل لي مطمع في الحياة أكثر من أن أراكما تمرحان في بحبوحة الصحة والعافية.

أنا متأكد أنك ستحضرين لتري أنني عملت كل ما يمكن عمله لراحتك إلى أقصى حدود الراحة، أو إلى أبعد حدود الراحة.. مش فاكر.

إذن سنبدأ شهر العسل من جديد، فكل ما مضى لا أعترف به ولا أسجله على نفسي مهما كان فيه من مزاياـ وعليك أن تعتبري نفسك الآن خطيبيتي وأن موعد زفافنا هو أول يوليو 1936 لا 4 إبريل 1935.

وبعد أن استعرض لها تفاصيل حياته في الدخيلة اختتم «صديق» خطابه بهذه الجملة:

وأخيراً.. يا خسارة.. الجواب انتهى.. قبلاتي إلى شفتيك الفاتنتين وشوقي لعينيك الساحرتين.. ولسوسو المحبة.. واحترامي الزائد للوالدة وللأخ محمود.

الدايب يوسف

رسالة خاصة لعضو تنظيم الضباط الأحرار يوسف صديق

الصمت المزعج

وفي رسالة أخرى كتبها من مرسى مطروح في 21/4/1939 طلب من زوجته أن ترد على خطاباته لأن عدم مراسلته يزعجه. جاء فيها:

اطمأنت نفسي بعد استئناف رسائلك وسررت لوجودك والأولاد بصحة كاملة.. كتبت هذا إليك شاكراً لك استئناف الرسائل راجياً أن لا تعودي إلى هذا الصمت المزعج مرة أخرى.

رسالة خاصة لعضو تنظيم الضباط الأحرار يوسف صديق

خانتني إرادتي

وبعد يومين وتحديداً في 23/4/1939 من الخطاب السابق كتب خطاباً جديداً عاتب فيه زوجته على عدم الرد على خطاباته.

زوجتي القاسية

لست أدري كيف يطيب لك يوم لا تكتبين إلي فيه

لو أنك تتصورين مدى شغفي ولهفتي ساعة ورود البريد ومدى خيبة الأمل التي تتولاني حين أجده خلواً من رسالة منك لما ذهبت معي إلى هذه القسوة القاتلة.. وما حيلتي ولك في الحياة مشاغل أهم مني شغلتك عني.

كثيراً ما حاولت الانتقام منك بمثل عملك فخانتني إرادتي، فها أنا أكتب إليك كل ساعة في حين لا أتلقى منك رداً إلا بالرجاء والإلحاح حتى مللت ذلك الأسلوب من التقريع، ولا حياة لمن أنادي.

قد أكون قاسياً ولكنني لن أكون أشد قسوة منك فإنني هنا وحيد منعزل عن العالم، فلا أقل من أن أقرأ حديثاً عن أولادي كل يوم يعوض عليّ فراقهم.. ولو أن سهير تستطيع الكتابة لما أهملت أباها يوماً واحداً كما تفعلين.

على الرغم من كل هذا لا زلت أبعث إليك قبلاتي وإلى الأنجال الأعزاء، وأرجو أن تكونوا جميعاً على خير.

رسالة خاصة لعضو تنظيم الضباط الأحرار يوسف صديق

اشحني الولد للزاوية

ويبدو أن زوجته وأولاده سافروا إليه لقضاء أجازة قصيرة ورجعوا بعدها إلى القاهرة وكتبوا له يخبرونه بسلامة وصولهم، فرد عليهم بخطاب عبر فيه عن شوقه لهم، وتهكم على ابنه وطلب «شحنه للزاوية» قاصداً بذلك مستشفى الأمراض العقلية.

رسالة خاصة لعضو تنظيم الضباط الأحرار يوسف صديق

قبلاتي وأشواقي لك وللأنجال الأعزاء. وبعد فقد وصلني خطابك الذي كنت أنتظره بفروغ الصبر كي أطمئن على سلامة وصولكم.

أما ولدي العزيز محمود فإنه وحشني جداً وقد تألمت لعدم ضحكه، ولعله اكتشف في مصر أخيراً من مضحكاتها الكثيرة ما يبعث في نفسه البريئة الضحك والسرور.

وأما عن سهير فهي ابنتي العزيزة فلا عجب أن سألت دائماً عني وعلى رأي المثل من القلب للقبل رسول.

وأما «الشيخ حيوان» فإنه لم يوحشني أبداً وقد استرحت من دوشته وغباوته، وإذا كان ممكن اتركيه في مصر أو اشحنيه للزاوية أو سلميه للأزهر أو شوفي رأيك فيه.

شكر لمحمد نجيب

وفي 23 يونيو عام 1953 أرسل خطاباً من لبنان لابنه محمد يهنئه فيه على تماثله للشفاء من وعكة صحية ألمت به، ويوصيه بأن يهتم بصحته، كما يشكر الرئيس محمد نجيب على اهتمامه بصحة ابنه أثناء سفره.

كما هنأ ابنه بمجيء ليلى ابنة أخته سهير إلى الدنيا وما سيترتب على ذلك من أن محمداً سيكون خالاً وسيشعر برجولته.

سرني تماثلك للشفاء بقدر ما ساءني نبأ مرضك – شفاك الله وعفاك – وكل ما أحبه لك الآن هو أن تكون رجلاً أمام أحداث الزمن، فإن الحياة ليست كلها صفواً.

إنني أعلم أن نفسك الكبيرة ستغريك بالعمل للنجاح وفي هذا تعريض بصحتك الغالية. فما قيمة الشهادات في يد رجل مريض عليل؟؟ فأرجو أن تتفرغ تماماً للعناية بصحتك فهي كل شيء لك ولي، ولا تجعل للمدرسة والنجاح أو الرسوب أو أي موضوع لتفكيرك. فخذ بحقك كاملاً من الراحة والغذاء ونفذ تعليمات الأطباء بدقة.

وإنني أشكر الأخ اللواء محمد نجيب رئيس الجمهورية على عنايته بك في غيبتي إلى هذا الحد وأرجو أن تبلغه شكري.

وأما عن ليلى فهي بشرى طيبة، وقد جاءت في الوقت المناسب لتجعل منك خالاً فتشعر برجولتك.

رسالة خاصة لعضو تنظيم الضباط الأحرار يوسف صديق

سحر لبنان

وبعد ذلك كتب في نفس الخطاب خطاباً ثانياً لزوجته تحدث فيه عن جمال لبنان وأنه لولا أسرته لما عاد من هناك وهنأها بمجيء حفيدته ليلى إلى الدنيا.

عزيزتي توحيدة

أقبلك على البعد قبلة المشتاق، وأتمنى لك كامل الصحة.. إن لبنان كله سحر وجمال ولولا بعدي عنكم لما فكرت في العودة.

سلامي إلى الأهل والجيران وشكري لإخواني الضباط وللريس على عنايته بكم ومبروك حفيدتك ليلى.

رسالة خاصة لعضو تنظيم الضباط الأحرار يوسف صديق

المصدر

  • كتاب «رسائل المشاهير».سامي كمال الدين

محمد أحمد

محمد أحمد

صحفي يكتب في التراث والثقافة الشعبية