رئيس التحرير أحمد متولي
 زينات صدقي.. ملكة الضحك التي رماها الفن «عضم»

زينات صدقي.. ملكة الضحك التي رماها الفن «عضم»

لم يشفع تربع زينات صدقي على عرش نجمات الكوميديا في منتصف القرن الماضي من تعرضها لمآسي حياتية عديدة قادتها في أواخر حياتها لبيع أثاث منزلها لتسد رمقها. الحكاية كاملة روتها أمل عريان فؤاد في كتابها «الضاحكون الباكون».

البداية من حي بحري

اسمها الأصلي زينب محمد سعيد من مواليد عام 1913 لأسرة متوسطة الحال في حي «بحري» الشعبي بمدينة الإسكندرية، تلك المدينة التي شكلت الكثير في شخصية زينات التي عاشت بين أحيائها الشعبية، وبين طبقة الصيادين بهمومهم ومشاكلهم، فكانت خير من عبر عن بنات السواحل وطريقة مشيهن وملبسهن وطلاقة لسانهن.

لعبت الظروف دورها في إعلاء نجومية زينات صدقي فظهرت في وقت شهد ندرة في الفنانات التي يمكن أن نطلق عليهن لقب «السنيدة». تلك الشخصية التي تلعب دوراً مهماً في حياة بطلة العمل، فهي إما الأم أو الصديقة أو الخادمة أو العانس وبنت الحارة، وهذه الأدوار كان لها مساحة كبيرة في كل الأعمال السينمائية المقدمة في تلك الفترة.

التحقت بالمدرسة الابتدائية، إلا أنها لم تمكث بها سوى عامين فقط شأنها شأن معظم الأسر في تلك الفترة التاريخية بسبب رفضهم لتعليم البنات، واعتقادهم أنهن لا يصلحن إلا للزواج وبناء الأسرة فقط.

جلست «زينب» في منزل والدها تنتظر العريس، لكنها لم تمكث كثيراً، فسرعان ما تزوجت طبيباً وهي في الـ15 من عمرها، ولكن الزواج لم يستمر أكثر من 11 شهراً نتيجة سوء معاملته لها. وشبهت تلك الفترة من حياتها بأنها كانت خلالها أشبه بتلميذة تعيش بمدرسة داخلية ناظرها الزوج.

لم تكد زينات صدقي «زينب» تفيق من صدمة الطلاق حتى عاجلها القدر بلطمة أخرى بوفاة والدها الذي كان عطوفاً عليها ورحيماً بها.

المشوار الفني

وبسبب جمال صوتها الذي اشتهرت به بين جيرانها قررت أن تحترف الغناء في ملاهي الإسكندرية حتى لا تصبح عبئاً على والدتها، لكنها سرعان ما قررت السفر إلى القاهرة حيث لا يعرفها أحد، وحتى لا تتسبب في حرج لعائلتها بسبب تلك المهنة.

التحقت زينات صدقي بكازينو بديعة مصابني بشارع عماد الدين وعملت راقصة، ثم التقت نجيب الريحاني صدفة فعرض عليها الانضمام لفرقته. بدأت بتقديم أدوار بسيطة لا تتجاوز كلمة أو كلمتين إلى أن جاءت مسرحية «الجنيه المصري» التي شهدت تقديم أول أدوارها، فقدمت خلالها دور خادمة دلوعة، وهي الشخصية التي التصقت بها سواء على المسرح أو في السينما، جنباً إلى جنب مع شخصية العانس التي تسعى بكل الطرق لاجتذاب رجل يقبل الزواج منها.

ظروف أدت للنجومية

لعبت الظروف دورها في إعلاء نجومية زينات صدقي فظهرت في وقت شهد ندرة في الفنانات التي يمكن أن نطلق عليهن لقب «السنيدة». تلك الشخصية التي تلعب دوراً مهماً في حياة بطلة العمل، فهي إما الأم أو الصديقة أو الخادمة أو العانس وبنت الحارة، وهذه الأدوار كان لها مساحة كبيرة في كل الأعمال السينمائية المقدمة في تلك الفترة.

خلال مشوارها الفني قدمت زينات صدقي حوالي 150 مسرحية، و400 فيلم أشهرها «الستات ما يعرفوش يكدبوا»، و«ابن حميدو»، و«معبودة الجماهير»، و«بنات حواء».

ومن الطرائف في حياة زينات صدقي أنها كانت شديدة الوسوسة والتحفظ. وكانت تحمل في يدها حقيبة كبيرة مليئة بالأدوية والمطهرات، فإذا سلمت على صديق أو زميل سارعت بإخراج زجاجة الكولونيا من الحقيبة وأغرقت يديها لتطهيرها.

ومن الطريف أيضاً في حياتها أنها ظلت محتفظة بالكثير من العادات والتقاليد عن أهلها مثل قراءة الفنجان، وضرب الودع، وفتح الكوتشينة.

مآسي ومعاناة

خلال هذه الرحلة لم تخل حياة زينات صدقي من المآسي والمعاناة التي عاشتها ملكة الضحك التي أضحكت الملايين، ولكنها لم تجد من يرسم ولو ابتسامة صغيرة على وجهها أو يمسح دمعة من عينيها في أواخر أيامها.

مع بدايات فترة الستينيات شعرت بأن الزمن أصبح غير زمانها لتظل حوالي 15 عاماً بعيدة عن الأضواء، ولم تظهر فيها إلا حين كرمها الرئيس الراحل أنور السادات في عيد الفن عام 1976 ومنحها معاشاً استثنائياً لتواجه به المشاق التي تعرضت لها خلال سنواتها الأخيرة، والتي جعلتها تبيع أثاث منزلها قطعة قطعة من أجل لقمة العيش.

عاشت في ظروف معيشية صعبة سواء في كنف والديها، أو بعد طلاقها وعدم نجاحها في تكوين أسرة، وحتى اشتغالها بالفن.

تزوجت من الموسيقي إبراهيم فوزي زميلها بفرقة الريحاني، لتفشل أيضاً في هذا الزواج وتفشل في تكوين أسرة، فلم تجد من يهتم بها في أواخر أيامها ويخفف عنها معاناتها بسبب التجاهل الذي تعرضت من قبل صناع السينما والمسرح حين تقدم بها السن، حتى أنها كانت تردد دائماً مقولة أن «الفن أخذها لحم وتركها عضم».

وبعد أن أعطاها الكثيرون ظهورهم مع بدايات فترة الستينيات شعرت بأن الزمن أصبح غير زمانها لتظل حوالي 15 عاماً بعيدة عن الأضواء، ولم تظهر فيها إلا حين كرمها الرئيس الراحل أنور السادات في عيد الفن عام 1976 ومنحها معاشاً استثنائياً لتواجه به المشاق التي تعرضت لها خلال سنواتها الأخيرة، والتي جعلتها تبيع أثاث منزلها قطعة قطعة من أجل لقمة العيش.

الرئيس السادات يكرم الفنانة زينات صدقي 

ظلت زينات صدقي على هذه الحال تواجه شظف العيش في ظل أمراض الشيخوخة التي لحقتها حتى وفاتها في 19 مارس 1978 بعد مرض استمر 3 أشهر عقب إصابتها بماء على الرئة إضافة إلى هبوط في القلب أدى إلى الوفاة.

محمد أحمد

محمد أحمد

صحفي يكتب في التراث والثقافة الشعبية