رئيس التحرير أحمد متولي
 استيفان روستي.. شرير الأفلام ابن بارون النمسا

استيفان روستي.. شرير الأفلام ابن بارون النمسا

248 فيلماً هي محصلة الأعمال الفنية التي شارك فيها الفنان «إستيفان روستي» وترك من خلالها علامة فارقة في تاريخ الكوميديا المصرية، فانتزع الابتسامات بأقل الكلمات والإيماءات عبر تسخير إمكانياته الجسمانية، وملامح وجهه التي تعبر عن الدهاء والمكر والشر.

برع في دور النصّاب، ولعب باقتدار دور زعيم العصابة كما في أفلام «قلبي دليلي»، «عنبر» و«رقصة الوداع»، أجاد شخصية رجل المكائد الذي لا هدف له إلا تفريق المحبين وتحقيق مصالحه الشخصية كما في «سيدة القصر» و«المليونير».

قدم أيضاً شخصية اليهودي بحرفية عالية في «حسن ومرقص وكوهين» و«آخر شقاوة»، وجسد دور الخواجة وهي الشخصية التي لم تكلفه عناء كبيراً في تجسيدها كما في «أبو عيون جريئة» و«حسن وماريكا».

أسرة أرستقراطية

لكن النجومية التي حققها إستيفان روستي أخفت ورائها تاريخاً طويلاً من المعاناة والمآسي التي لازمته منذ ولادته عام 1891. والده كان أحد بارونات أسرة نمساوية عريقة لا تؤمن بتذويب الطبقات وإنما بضرورة الحفاظ على الدماء الارستقراطية دون أي اختلاط.

لكن الحب عرف طريقه لقلب البارون (والد إستيفان روستي) حين التقى بفتاة إيطالية في روما وتزوج منها، وجاء إلى القاهرة في زيارة فأعجبته فقرر الاستقرار بها واشترى منزلاً في شبرا.

بالطبع لم يرق هذا الزواج للأسرة، فهدد الجد بحرمان ابنه البارون من الميراث إذا لم يتركها ويعود إلى فيينا مرة أخرى. رضخ البارون في النهاية وقرر السفر لإرضاء والده على أمل العودة مرة أخرى لزوجته التي كانت حامل في شهرها السابع.

وهناك لم يستطع البارون الفكاك من أهله فاضطر للزواج من فتاة تنتمي لعائلة تناسب مستوى عائلته، لتنتهي العلاقة بين البارون وزوجته الإيطالية في مصر، ولا يتبقى منها سوى نقود يرسلها لها حتى تستطيع تدبير حياتها في مصر.

ومع مرور الأيام تناسى البارون زوجته الإيطالية وابنه منها إستيفان روستي، ليكف عن إرسال أي نقود له ولوالدته، ما اضطرها لبيع مسكنها الفاخر لتنتقل إلى شقة صغيرة حتى تستطيع استكمال تعليم ابنها.

بعد حصوله على البكالوريا وجد إستيفان روستي نفسه في اختبار صعب فرضته عليه أمه حين طلبت منه الاستقلال بحياته والبحث عن عمل يكفل به نفسه، حيث قررت الزواج من شخص كانت تحبه.

الراقصة والوالد

كان إستيفان حريصاً منذ صغره على إشباع حبه للفن، فكان متابعاً جيداً لجميع العروض المسرحية التي تقدمها الفرق المصرية أو الأجنبية في دار الأوبرا الملكية. ولعب القدر لعبته حين حضرت إحدى الفرق النمساوية لتقدم عروضاً ليتعرف إستيفان على راقصة باليه بالفرقة، وتنشأ بينهما علاقة وطيدة.

عرفت الراقصة قصته وقصة والده البارون، فدعته لزيارة النمسا والتعرف على والده لأنها كانت تعرفه جيداً.

بالفعل سافر معها، وهناك تعرف على والده الذي رحب به في البداية، لكن سرعان ما غضب منه وطرده من فيينا كلها، ليُصدم إستيفان مما حدث ولا يجد له تفسيراً حتى عرف أن السبب هو عشق والده للراقصة التي لم يكن يعلم بعلاقتهما.

غادر إستيفان إلى إيطاليا وعمل مترجماً بعض الوقت، كما عمل مهرجاً، ومسلياً لأبناء الطبقة الأرستقراطية، وعمل بميناء نابولي كمرافق للمهاجرين الشوام المارين بإيطاليا وهم في طريقهم للأمريكتين.

سافر بعد ذلك إلى فرنسا وعمل موظفاً بإحدى المكاتب، وكان مسئولاً عن ملابس إحدى الفرق المسرحية، ثم التحق بمحطة باريس كمرشد لمليونيرات أوروبا وأمريكا القادمين لزيارة فرنسا، وبعد فترة التحق بالعمل في أحد أستديوهات السينما كمجرد عامل بسيط ما أتاح له فرصة التمثيل في بعض الأدوار البسيطة حتى عاد إلى القاهرة عام 1917.

بالمصادفة قرأ إعلاناً في الصحف بتوقيع المخرج عزيز عيد يطلب فيه وجوهاً جديدة للانضمام إلى فرقته. ونجح إستيفان في الاختبار وقدم مع الفرقة عدداً من الأدوار الناجحة التي وضعت قدمه على بداية طريق النجومية.  

 نهاية الرحلة

تركت قصة إستيفان روستي مع الراقصة النمساوية عشيقة والده تأثيرا سلبيا على حياته فظل مضرباً عن الزواج حتى تجاوز سنه 46 عاماً. وفي عام 1938 حين التقى بفتاة إيطالية تدعى «ماريانا» في إحدى حفلات الجالية الإيطالية بالقاهرة. داعب الحب قلبه وتكررت اللقاءات بينهما، ورغم فارق السن الكبير بينهما، إلا أنه تزوجها.

ظلت «ماريانا» زوجة وفية ومحبة له طوال 26 عاماً، وأنجبت له ولدين مات أولهما بعد ثلاثة أسابيع ومات ثانيهما وعمره عامان.

في 22 مايو 1964 رحل «إستيفان» فجأة بدون أي مقدمات، فلم يمرض أو يشعر بأي ألم، حتى أنه في يوم رحيله ذهب كعادته إلى مقهى «سفنكس» في السابعة مساءً ليلتقي أصدقائه، ويلعب معهم الطاولة، وفي التاسعة مساءً توقف عن اللعب ومال رأسه إلى الخلف وأغمى عليه، فنقله أصدقاؤه إلى الطبيب وهناك أفاق. وحين عاد إلى منزله وما كاد يلمس فراشه حتى لفظ أنفاسه الأخيرة.

رحل «إستيفان» فقيراً تاركاً زوجته للأقدار تتلقفها فكان لا يملك في جيبه إلا جنيهات قليلة.

المصدر

  • كتاب «الضاحكون الباكون».أمل عربان فؤاد.

محمد أحمد

محمد أحمد

صحفي يكتب في التراث والثقافة الشعبية