رئيس التحرير أحمد متولي
 حقدوا عليه وغاروا من شعبيته وسلّموه «تسليم أهالي».. هؤلاء خانوا أحمد عرابي

حقدوا عليه وغاروا من شعبيته وسلّموه «تسليم أهالي».. هؤلاء خانوا أحمد عرابي

كانت الخيانة سببا رئيسيا في هزيمة أحمد عرابي أمام الإنجليز في معركتي القصاصين الثانية، والتل الكبير، مما سهّل دخول البريطانيين لمصر.

هكذا ذهب الكاتب محمود الخفيف في تحليله لأسباب هزيمة العرابيين أمام الجيش الإنجليزي عام 1882 وما ترتب عليه من احتلال مصر. وشرح في كتابه «أحمد عرابي الزعيم المفتري عليه» أنه لو لم يُنكب الجيش المصري بـ«الخيانة» لكان من المرجح نجاحه في رد الغزو عن البلاد.

وبعبارة أخرى: «لو فرضنا أن المصريين كانوا حصّنوا حدودهم الشرقية كما حصّنوا خطوط كفر الدوار، وردموا القناة، ثم وقعت الخيانة على الصورة الشنيعة التي حدثت لانحلت العزائم ووقعت الهزيمة ولو بعد حين»، بحسب «الخفيف».

لقد اهتم الإنجليز والخديوي بهذا السلاح فجاءت الخيانة على عدة صور. فقبائل البدو في الصحراء أفسدها المستشرق الإنجليزي إدوارد هنري بالمر الذي كان أحد عملاء الاستعمار، وبعض ضباط الجيش أصبحوا في جانب العدو إلى درجة لم يُعرف لها نظير في تاريخ الحروب، والسلطان العثماني نفسه يعلن عصيان «عرابي» في الساعة الفاصلة.

معركة التل الكبير

البارودي وفهمي

ثمة صورة أخرى من صور الخيانة أحاطت بـ«عرابي»، ألا وهي حقد بعض رجاله عليه، إذ رأوه – وقد كان دونهم – يغدو رجل الأمة ومناط رجائها.

ولكن خطر هذا الحقد كان في صفوف الجيش. وأشار الكاتب الإنجليزي «ألفريد سكاون بلنت» في كتابه «التاريخ السري لاحتلال إنجلترا لمصر»  إلى ذلك في قوله: «ولو أن طبقات الجيش الدنيا قد اتبعت عرابي في ولاء وحماسة شديدين، إلا أنه أثار حقداً ليس بالقليل بين رجال طبقته العليا من الضباط، وذلك لأنهم كانوا يعدون أنفسهم كجند أكفأ كثيراً منه».

وذكر «بلنت» في موضع آخر، أن الأمير كامل باشا فاضل قال له: «إن عرابي قد خانه كل من كانوا حوله، وقد خانه بعضهم ابتغاء الحصول على الذهب، وبعضهم بدافع الحقد، وقد كان محمود سامي البارودي يحقد على عرابي ولذلك أفسد معركة القصاصين الثانية، فقد كان عليه أن يتقدم من الصالحية ولكنه لم يصل في الموعد الذي اتفق مع علي فهمي عليه».

وشك «بلنت» في يعقوب سامي نفسه رئيس المجلس العرفي وقال عنه: إنه تأثر كذلك بمسعى الخديوي آخر الأمر، ولو أن الخديوي نفاه مع من نفوا إلى سيلان: «وأن الأوراق لناطقة بالأدلة القوية على حقده على عرابي، ومن الممكن أنه بعد أن عجز علي فهمي بسبب إصابته، أن يكون بذل أقصى ما في وسعه ليضع عرابي في عزلة، كي يعجل انهياره في التل الكبير، فإنه بدلاً من أن تعطى القيادة لعبد العال أعطيت لرجل موال ولكنه غير كفء  لها وذلك هو على باشا الروبي».

ومن السهل على المرء أن يرى الهزيمة ماثلة في جيش هذا حاله، وأن يدرك استحالة النصر على قائد تحيط به مثل هذه المهلكات التي تكفي واحدة منها للقضاء عليه.

البارودي

يوسف خنفس

الأفظع، هو حدوث تلك الخيانة أثناء القتال أيضاً، ويكفي إرسال الخطة إلى العدو في معركة القصاصين الثانية على يد علي يوسف خنفس، وقد زاد «بلنت» في هذا بقوله «حدث أثناء هذه المعركة أن كانوا نحو 18 ألفاً من المصريين على مقربة من نحو 2500 من الإنجليز فيهم أحد قادة الجيش ويدعى «كنوت»، ولو أن علي يوسف الذي كان يقود القلب تقدم لسحق الإنجليز وأسر «كنوت»، ولكنه تأخر برجاله وترك العدو يحيط بالجناحين».

وكان أحد قادة الإنجليز أنفسهم قد أثنى على الخطة قائلاً: «إنه كان يمكن بها أن يتحقق للمصريين النصر.. ولولا خيانة علي يوسف وتأخر البارودي بسبب خيانة الطحاوي لكان من أقرب الظنون إلى اليقين أن يولد في القصاصين عصر جديد في تاريخ مصر».

ويشبه «الخفيف» ما حدث مع المصريين في معركة التل الكبير بقوله أنهم كانوا مثل قوم ناموا في دارهم ووضعوا على بابهم حارساً يوقظهم إن قرب منها عدو، ولكن الحارس سار مع العدو جنباً إلى جنب حتى وقف به على رؤوس النائمين، وقال له: اضرب من تشاء في غير خوف.

على خنفس

حلقة الذكر

تبقى بعد ذلك مسألة يوردها خصوم «عرابي»، ساخرين منه بها جاعلين منها سبباً من أكبر أسباب هزيمته وذلك لكي يقللوا من شأن الخيانة أو لكي يصرفوا عنها النظر ويحصروها فيما زعموه من أخطاء «عرابي»، ألا وهي أنه سهر طول ليلة المعركة في حلقة ذكر مع جيشه وفي قراءة الأدعية مع رجال الطرق الصوفية، فلم ينم العساكر وبذلك لم يستطيعوا الحرب في الصباح.

وبحسب «الخفيف»: «لسنا ندري أبلغ الاستخفاف بعقول الناس إلى هذا الحد.. وليتهم صدقوا.. وليت العساكر قد قاموا الليل يذكرون الله إذن لما استطاع العدو أن يدهمهم وهم نيام، وكيف يجتمع مثل هذا العدد في حلقة ذكر مع قائد الجيش وقد كان بين خيمته وبين خطوط الدفاع الأولى نحو أربعة آلاف متر؟»

وإذا صح أن «عرابي» قد استدعى عدداً من رجال الطرق الصوفية أو أنهم هم الذين قدموا عليه، فأرسلهم إلى الفرق في مراكزها يستحثونهم ويستنهضونهم ويثيرون حماستهم في الله والوطن وهذا ما نعتقد أنه ما حدث، فما عيب هذا؟ وأي عيب في أن يقرأ «عرابي» القرآن في خيمته ويدعو الله مع نفر من رجال الدين؟

المصدر

  • كتاب «أحمد عرابي. الزعيم المفترى عليه». محمود الخفيف.

محمد أحمد

محمد أحمد

صحفي يكتب في التراث والثقافة الشعبية