رئيس التحرير أحمد متولي
 هؤلاء الشباب فقدوا وظائفهم بسبب الاكتئاب.. المرض وروشتة العلاج هنا

هؤلاء الشباب فقدوا وظائفهم بسبب الاكتئاب.. المرض وروشتة العلاج هنا

منذ أن تخرجت إسراء حسن في كلية الآداب، التحقت بالعمل في وظائف متعددة لا تمت لدراستها بصلة بسبب ظروفها المادية.

تقول لـ«شبابيك»: «في الأول مكنتش بميل للعمل في مدرسة لأن رواتب المدرسين كانت قليلة جدًا، ولكن كنت بحس أني كدا ضيعت 4 سنين من عمري في لا شيء».

اجتهدت «إسراء» في عملها الجديد كمعلمة للأطفال الصغار في إحدى مدارس اللغات. تقول: «في الوقت ده كان عندي مشاكل شخصية ومادية كتيرة جدا، وكنت بتسحل في الشغل عشان أنسى».

ومع الوقت تزايدت هذه الضغوط: «اكتشفت إن المكان اللي كنت فيه كان مليان صراعات ونفسنة كتيرة قوي، مكنتش قادرة أتعامل معاها في وقت بمر فيه بظروف صعبة في حياتي، إضافة لمشروع زواج فشل، وحالتي النفسية تدهورت وكان بيجيلي نوبات فزع ورغبة في الانتحار».

لم تستمر «إسراء» في عملها طويلا، وعادت للمكوث في المنزل مدة أطول أثرت على مسارها المهني بعد ذلك، فلم تستطع أن تجد بعد ذلك فرصة جيدة بسهولة، فهي لم تبنِ خبرة حقيقية في أي مجال.

هل يدفعنا الاكتئاب لترك العمل؟


عندما يصاب أي شاب بالاكتئاب سيلاحظ أن سلوكه، ومشاعره، وعلاقاته قد تغيرت كثيرا. يصبح غير قادر على التفاعل مع الناس، ويتأثر طموحه واستمتاعه بالعمل، هكذا يعلق استشاري النفسية والعصبية الدكتور ماجد عزمي في حديثه لـ«شبابيك».

الشاب المصاب بالاضطرابات النفسية يبدو سلوكه كمن يعتزل الحياة بأكملها، فهو لا يهتم بعلاقاته العائلية، أو أصدقائه، أو عمله، أو حتى نظافته الشخصية. هكذا يكون الاكتئاب فهو مرض شديد القسوة وقد يعيق حياة الإنسان عموما، كما يقول أستاذ ورئيس قسم الطب النفسي بجامعة الأزهر الدكتور هاشم بحري لـ«شبابيك».

كيف تشعر أن الاكتئاب يهدد مستقبلك؟

الشباب هذه الأيام حياتهم مليئة بالضغوط، ولكن ما إن تبدأ هذه الضغوط في التأثير على سلوكك وحياتك اليومية ويزيد انعزالك عن الآخرين أو تهمل عملك ولا تتحمس له مثل السابق حتى لو كنت تحب عملك أو تهمل دراستك لو كنت طالبا، فيجب أن تطلب المساعدة على الفور؛ فأنت غالبا مصاب بنوع من الاكتئاب اسمه الاكتئاب التفاعلي الذي يمكن علاجه بسهولة.

أنواع الاكتئاب وكيفية التعامل معها

هناك أنواع ودرجات عديدة من الاكتئاب، أشهرهما الاكتئاب التفاعلي والاكتئاب العميق، كما يوضح «عزمي». يجب أن تعرف كيف تتفاعل معها حتى لا تخسر مستقبلك.

  • الاكتئاب التفاعلي

 وهو نوع من الاكتئاب البسيط – حتى لو كانت أعراضه قاسية- ويحدث بسبب ضغوط الحياة اليومية.

فعندما يصاب الشاب بالاكتئاب التفاعلي يدرك أنه يمر بحالة نفسية سيئة، وهذه من أهم علامات هذا النوع من الاكتئاب وعلاجه بسيط من خلال تواجد هذا الشاب وسط أصدقاء حقيقيين أو أشخاص يهتمون لأمره ويتحدث معهم عن الضغوط التي يواجهها بهدف مساعدته في معرفة الأصل المشكلة وحلها.

وإن لم يوجد هذا النوع من الأصدقاء فعلى الشاب أن يلجأ للطبيب النفسي المختص الذي يساعده على إدارة مشاكله.

  • الاكتئاب العميق

بدأت حكاية أحمد مصطفى مع الاكتئاب منذ سنوات عندما اضطر لترك عمله في مجال الإعلام الذي لم يكن بالنسبة له عملا مضمونا يفي بمتطلبات الحياة خصوصا لشاب في بداية حياته المهنية بعد ثورة 25 يناير. يقول: «الصحافة شغل غير مستقر، خصوصا إن كل شوية مكان تشتغل فيه ويمشي يقفل، أو تبدأ من جديد في مكان تحت التدريب بدون دخل».

كانت الحاجة للوظيفة المضمونة ملحة، لكن حلم العمل في مجال يحبه لا يزال يراوده ويصيبه بالاكتئاب الشديد.

أصبح يميل للعزلة. أهمل علاقته بجميع أصدقاءه. واعتزل كل شيء في النهاية، وبعد فترة طويلة من البطالة لم يجد أمامه فرصة إلا العمل في أحد المحلات مما زاد حالته سوءا، رغم وجود بعض الأصدقاء الذين حاولوا تقديم المساعدة كما يقول.

عندما يصاب الشاب بالاكتئاب العميق فهذا معناه أن هناك خلل في كيمياء المخ، ولن يفلح الأصدقاء في علاج هذا الشاب، لأنه يحتاج إلى طبيب مختص لمعالجة هذا الخلل.

لا يشعر المصاب بالاكتئاب العميق أنه يعاني بهذا المرض الخطير، وينعزل عن حياته وأصدقاءه ويترك عمله، وتتولد لديه أفكار انتحارية، لكن لكل شيء مبرر منطقي بالنسبة له، ويرفض الاقتناع بأنه مريض، ويعتقد أنه مختلف عن الآخرين في طريقة تفكيره، وهذا النوع يجب أن يذهب للطبيب.

أسباب الاكتئاب وترك العمل

 

عندما يشتد الاكتئاب لن يترك الشاب وظيفته فقط، فالانتحار يصبح مصيره الحتمي. يقول أستاذ علم النفس الدكتور سمير عبد الفتاح في حديثه لـ«شبابيك» إن «الاكتئاب مرض خطير وأهم أعراضه هو وجود الدوافع والمحاولات الانتحارية التي تنجح مع تزايد قسوة المرض».

ليست الضغوط اليومية وحدها أو مشاكل الطفولة هي ما تؤدي بالاكتئاب لمراحل حرجة ينعزل فيها الشباب ويتركون أعمالهم، فهناك ظروف مجتمعية تؤدي لتزايد هذه الحالة بين الشباب وهي:

  • الظروف الاقتصادية

المشكلة الآن في الضغوط الاقتصادية المتتابعة مع تقييم الإنسان وفقا لحالته المادية، وبالتالي تأثرت العلاقات الإنسانية بالسلب، فتردي الحالة الاقتصادية لا تعني شعور الشاب بالفقر فقط بل بعدم التقدير أو الإحساس بالأمان في مجتمعه، وكلها أسباب تؤدي للاضطرابات النفسية.

  • الظروف الاجتماعية

عندما يعيش الشاب في مجتمع تغيب فيه العدالة والحقوق والحريات ومبدأ الثواب والعقاب، سيتولد بداخله شعور بالتهديد وعدم الأمان أو الاستقرار.

وإن كان هذا شعورا باطنيا لا يفصح عن نفسه كثيرا لكنه يعد عاملا لانتشار الاكتئاب بين الشباب بصورة مزعجة.

  • غياب القيم الدينية

مهما كان ما تؤمن به، فالقيم الدينية تعتبر من أكبر الدواعم النفسية، وحصن شديد ضد الكثير من الأمراض النفسية والدوافع الانتحارية، فهي تعطي الشباب نوع من السكينة والرضا والأمل، في ظل هذا المجتمع المتصارع، كما يشير «عبد الفتاح».

كيف تتجاوز مرحلة الاكتئاب؟


عندما تشعر برغبة ملحة في ترك العمل بسبب الضغوط التي لا تحتمل أو لأن مستواك قد انخفض كثيرا، وحماسك كذلك، فقبل أن تقرر ترك العمل يجب أن تلجأ لأمرين، وفقا لما ينصح بها أستاذ الطب النفسي، الدكتور هاشم بحري في حديثه لـ«شبابيك».

 

  • الطبيب النفسي

هل جربت الحديث مع الأصدقاء ولم ينجح بالقدر الكافي؟ أو تتحسن قليلا ثم تنتكس مرة أخرى؟ يجب أن تذهب للطبيب النفسي حالا ليساعدك في تخطي هذه الحالة.

كل ما تشعر به من رغبة في ترك العمل والانعزال سببه الاكتئاب، لذلك قبل أن تتخذ هذه الخطوة الجأ للطبيب المتخص، ليكون العلاج متوازيا مع العمل.

«العمل في الأصل جزء أساسي لعلاج الاكتئاب والاضطرابات النفسية الأخرى، ومع مداومة الشاب على العلاج النفسي سيستعيد رغبته وحماسه للعمل مرة أخرى، بدلا من الاستسلام وترك كل ما حققته في ظل ظروف يصعب فيها إيجاد فرصة عمل بسهولة»، هكذا يتابع «بحري» في حديثه لـ«شبابيك».

  • الحلول البديلة عن ترك الوظيفة

في داخلك جوانب عديدة واهتمامات كثيرة غير العمل حتى وإن كنت لا تمارسها أو لا تعرفها بعد، وإذا زادت حالتك النفسية سوءا بسبب عدم تكيفك مع العمل، فيجب أن تمارس اهتماماتك وهواياتك، فلديها دور كبير في التفريغ عن المشاعر السلبية وإحداث نوع من التوازن النفسي، كما يوضح أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر هاشم بحري.

كيف تساعد الشاب المكتئب؟

عندما تجد أحد أصدقائك وأقاربك على وشك الدخول في مرحلة الاكتئاب أو دخل في الاكتئاب العميق بالفعل فيجب أن تتحدث معه وتخصص له جزءا من وقتك، وتقنعه بزيارة الطبيب، حتى لا يتنهي به الأمر لخسارة مستقبله بالكامل، وإن احتجت لإجباره على الذهاب للطبيب.

أميرة عبد الرازق

أميرة عبد الرازق

محررة صحفية ومترجمة مصرية مهتمة بشؤون التعليم واللغات وريادة الأعمال