رئيس التحرير أحمد متولي
 عادل إمام..  مناضل المعارضة الشعبي أم دمية السلطة لتطويع الجماهير

عادل إمام.. مناضل المعارضة الشعبي أم دمية السلطة لتطويع الجماهير

مرة أخرى، يعود الزعيم عادل إمام إلى أدواره المفضلة في صفوف المعارضة، من خلال مسلسله «عوالم خفية»، فكلما ابتعد عنها داعبته عباءة المناضل التي طالما ارتداها كثيرا في الثمانينات.

ثمة علاقة تربط الزعيم بدور المعارض، فرغم وقوفه أغلب الوقت على يمين السلطة، لكنه دائما ما يحن إلى مقعد المعارض في الأعمال السينمائية والدرامية، تارة في ثوب أستاذ جامعي شيوعي، وأخرى في صورة ضابط ثائر يحرض المواطنين ضد النظام، وأخيرا صحفي معارض يتقصى وراء فساد المسؤولين.

ربما كان مؤمنا في البداية بأفكار اليسار بحكم نشأته في حزب شيوعي، لكن قناعاته بتأييد الأنظمة الحاكمة لم تتغير، بل وساهم في إيصال رسائلها إلى الجماهير عبر أعماله المعارضة.

عوالم خفية

بوجه تملؤه التجاعيد، أطل علينا الزعيم في صورة الصحفي المعارض «هلال كامل»، أحد قيادات جريدة «نبض الشعب»، الذي لا يتوقف قلمه عن توجيه سهام النقد إلى المسؤولين والوزراء المقصرين.

واختار أن يقف في معسكره المفضل، وهو المعارضة، مبررا ذلك بمقولته: «الدنيا قامت على النقيضين، في خير تلاقي قصاده شر، في جنة تلاقي قصادها نار، في حكومة قصادها معارضة، وأنا ماعرفش أكون غير في المعارضة».

يقدم نموذجا مثاليا لصحفى تخطى عمره السبعين ينقب في الكتب القديمة وأرشيف الأخبار عن قصص صحفية تهز الرأي العام. تجربة لم يبتلعها أهل المهنة لكنها تبدو مثيرة وجديرة بالاهتمام بالنسبة لرجل الشارع.

أستاذ ورئيس قسم

في 2015، تبنى الزعيم أفكار اليسار بشكل صريح من خلال مسلسل «أستاذ ورئيس قسم»، حين جسد شخصية أستاذ جامعي متمرد على الأوضاع السياسية قبل ثورة 25 يناير.

حاول إمام أن يناقش قضية المجتمع اليساري في الفترة من 2011 حتى 2013، من خلال حركة شيوعية تدعى «إيه»، وأظهر ذلك من خلال خطاباته السياسية الساخنة في الحرم الجامعي.

الإرهاب والكباب

بالعودة إلى الوراء، وتحديدا في نهاية حقبة الثمانينات وأوائل الستعينيات، حين كان الزعيم في أوج تألقه، قدم «إمام» مجموعة من الأفلام المعارضة للنظام.

ففي «الإرهاب والكباب»، إنتاج 1992، جسد شخصية الموظف الحكومي «أحمد» الذي يكابد من أجل تعليم أولاده والظفر بحياة آدمية داخل المرافق الحكومية.

هنا لا ينتمي لحزب أو حركة سياسية، لكنه صنف كأحد الأفلام السياسة الجرئية آنذاك، بسبب تعبيره عن قطاع من الشعب، ونقل همومه في رسائل كتبت بعناية على يد مؤلفه وحيد حامد.

 «واحنا لو مسمعناش كلام الحكومة هيحصل ايه ولا حاجة؟»، هذه الجملة عبر بها «إمام» عن سخطه من الأوضاع الاقتصادية في البلاد، لكنه تغاضى عن حقوقه في سبيل عدم تعرضه للإهانة.

النوم في العسل

رغم وجوده هذه المرة في صفوف الحكومة، وتحديدا جهاز الشرطة، لكنه ضحى بنفوذه من أجل دعم قضايا المواطنين.

يجسد إمام في «النوم في العسل»، إنتاج 1996، دور رئيس مباحث العاصمة الذي يحقق في انتشار وباء يهدد بانقطاع ممارسة المصريين للجنس، إلى أن ترك وظيفته وحرض الجماهير على الاعتراض ضد التراخي الحكومي في أزمة صحية خطيرة.

كراكون في الشارع

بخلطة كوميدية سياسة، ناقش الزعيم أزمة السكن التي تواجه معظم الشباب المقبلين على الزواج، في فيلم «كراكون في الشارع»، إنتاج 1986.

لم يكن «إمام» في هذا الفيلم معارضا شرسا لكنه حاول تسليط الضوء على أحد مشكلات المجتمع، وإن كان قد أظهر جرأة كبيرة في التصدي لقرارات الحكومة في آخر، حتى استطاع الحصول على قطعة أرض تحتضن الكاركاونات.

الغول

يتحدى الصحفي الشاب أحد رجال الأعمال الفاسدين الذين يتسخدمون نفوذهم لتطويع القانون لصالحهم، تنتهى بإقدامه على قتله. صورة أخرى قدمها الزعيم في فيلم «الغول»، إنتاج 1983. رصد خلاله أزمة تطبيق القانون وغياب العدالة في مصر، وسيادة «قانون سكسونيا» الذي ينصر الأغنياء على الفقراء.

اللعب مع الكبار

تعاون آخر مع وحيد حامد، قدم به عادل إمام صورة المواطن العاشق لوطنه والحامي لثرواتها من فساد حاشية رجال الأعمال.

ينحاز الزعيم في «اللعب مع الكبار»، إنتاج 1991، إلى صديقه عامل السنترال الذي يكشف له صفقات الفساد في الدولة، وهو ما يجلب له المتاعب لاستهدافه من شخصيات عامة.

لا تنفصل أدوار المعارضة التي جسدها عادل إمام طوال تاريخه عن نشأته السياسة إبان دراسته الثانوية العامة في حزب شيوعي وإيمانه بأفكار كارل ماركس، الأب الروحي للشيوعية، قبل انصرافه عنها في مرحلة الجامعة، إثر القبض على الشيوعيين في عهد الرئيسين الراحلين جمال عبدالناصر وأنور السادات، غير أنه رفض الانضمام للحزب الوطني في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك لإيمانه بأن الفنان ملك كل الناس ولا يجوز أن ينضم لحزب سياسي.

إلا أن الناقد السينمائي أحمد يوسف رأى أن رسائل عادل إمام السياسية كانت من السلطة وليس للعكس، وذلك في كتابه عنوانه «سياسة عادل إمام... رسائل من الوالي».

يقول يوسف في إحدى فقرات كتابه: «إن أصحاب السياسة الرسمية، والمثقفين الذين يسيرون في ركابها، قد اكتــشفوا الدور الذي يقــــوم به هذا النـــجم والتأثير الذي يمارسه على جمهوره، فتحوَل موقفهم تجاهه من النقيض إلى النقيض، فكأنهم أدركوا أنه يمكن توظيف نجوميته لمصلحتهم، ليجعلوه ينطق بأفكارهم ومفاهيمهم المغلوطة، أو المسطحة بفرض حسن النيات، عن قضايا حيوية، مثل الإرهاب أو الديموقراطية أو علاقة الشعب بالسلطة».

أما هو فيعتبر نفسه سياسيا من خلال الفن، لذا رفض الانضمام إلى الحزب الوطني وممارسة العمل التشريعي في مجلس الشعب، بدعوى أنه يمتلك ما هو أقوى من جميع الأحزاب بفتحه كل الملفات الحساسة دون سقف محدد.

ويرفض عادل أمام تصنيفه يمينيا أو يساريا، ويقول إن بعض أعماله ضد الإرهاب والفساد ليست وقوفا ضد النظام وإنما ضد مظاهر الأمراض الاجتماعية كلها.

وبرأي الناقد الفني طارق الشناوي، فإن الزعيم اقتحم مساحة أفلام المعارضة وتشويهه التيار الإسلامي بتوجيه من الدولة، فهو لم يكن معارضا في حياته قط، كي يأخذ مواقف جريئة في السينما.

ودلل «الشناوي»، في تصريحات لـ«شبابيك»، على أنه كان مؤيدا لمشروع توريث جمال مبارك قبل ثورة 25 يناير، لكنه لم يسع لمناقشة هذا الملف في عمل فني، مشيرا إلى أن الدولة لم تكن تسمح بعرض أفلامه المعارضة إلا لرغبتها في خلق هامش مقنن من الحرية.

وتابع: «النجم الشعبي تستخدمه وتستثمره السلطة دائما في خدمة قضاياها، فهو لم يصطدم مع الدولة إطلاقا بما فيها في فترة الإخوان المسلمين التي وصف فيها الرئيس الأسبق محمد مرسي بأنه محب للفن».

واعتبر «الشناوي» أن «إمام» حصل على لقب الزعيم من الصحافة المصرية وليس من مواقفه الإنسانية أو السياسية.

ولا تستبعد الناقدة ماجدة موريس حدوث اتفاقات بين «إمام» والسلطة في بعض المواقف، حيث حاولت الدولة الاستفادة من شخصية الكوميديان الساخر في النقد غير المباشر.

أحمد البرديني

أحمد البرديني

صحفي مهتم بشؤون المجتمع والرياضة