رئيس التحرير أحمد متولي
 حكايا الرحيل.. هذا ما حدث من وقائع دفتر أحوال 30 يونيو

حكايا الرحيل.. هذا ما حدث من وقائع دفتر أحوال 30 يونيو

وما زلت أعرف أن الزمان

ومهما تزين قبح جميل

وأعرف أني وإن طال عمري

سأنشد يومًا .. حكايا الرحيل

لم يفصح فاروق جويدة عما في قلبه حول تلك الحكايا الثقيلة، هل كتبت علينا، أم اخترنا أن نغزل بدايتها مع حبكة الأحداث وحتى النهاية؟ الأقسى من اختار بنفسه آلام الرحيل، لذا لابد أن يتحمل العواقب وحده، هكذا شرعت الحياة، وتقبّل سننها من يعيش بين دروبها، ورسم لنفسه مسارا بعيدًا عن أحبابه خاصًا وإن كان الرحيل لمجرد الاختلاف في الرأي.

الاختلاف لا يفسد للود قضية، مقولة اعتادت عليها المسامع ولكن بعد الزخم السياسي في الشارع المصري والذي ازدادت حدته مع أحداث 30 يونيو، بات الاختلاف يفسد الود والمحبة وحتى الدماء، ويفرق بين الأزواج ويقطع صلة الأرحام، ويفرّق الأهل والأحباب. في الذكرى الخامسة نروي حكايا الرحيل من دفتر أحوال 30 يونيو.

الدم.. «مايه»

حاولت أمه كثيرًا إقناعه بالعودة وحضور زفاف أخيه، ولكن «أحمد» أصر على الرفض خاصة بعدما علم بعدم رغبة أخيه في قدومه. خمس سنوات وبقي الوضع كما هو عليه، ثم عاد «أحمد» إلى المنزل، وفي كل اجتماع عائلي يحزم حقيبته وينصرف

بعد عام للرئيس الأسبق محمد مرسي في سدة الحكم انشترت حملة في محافظات مصر تجمع توقيعات لسحب الثقة من «مرسي»، وخرجت مظاهرات تطالب برحيله.

من بين المطالبين بالرحيل، كان أحمد شعلان يقنع المزيد بالتوقيع على تلك الورقة التي اعتقد أنها ستنقذ ما تبقى من الثورة، غير مبال للقادم وكل ما يشغل باله هو التخلص من حكم الرئيس الأسبق محمد مرسي.

حزمة من الأوراق وضعها بزهو على طاولة السفرة، وذهب في سبات عميق بعد يوم عمل طويل في جمع التوقيعات. صوت أجش أيقظ «أحمد» من أحلامه، ليفيق على أخيه الكبير «محمد»، ممسكًا بأوراق حملة تمرد، في محاولة لتمزيقها، فيصرخ «أحمد» وينقذ الأوراق من يد أخيه ولكن بعد أن طالها الضرر. شجار عنيف نشب بين الأخوين، لم تجدِ فيه توسلات الأم ولا تدخل الأب، وانتهى بصفعة على وجه «أحمد» من أخيه الذي يكبره بسبع سنوات، فرد له الصفعة في الحال فطرده والده من المنزل.

الصدمة التي تلقاها كانت أقوى من أي حديث، فحزم «أحمد» حقيبته والأوراق ورحل. لمدة 10 أيام رفض الرد على الهاتف، فعلاقته بأخيه كانت مليئة بالصدامات ولكنها لم تصل قط إلى هذا الحد. «طول عمرنا مختلفين في السياسة هو مع الاستقرار وأنا مع الثورة والتغيير.. كلمة منى على كلمة منه ولعت الدنيا» قالها مستطردًا: تصاعد الحديث والورق الذي ألحق به الضرر جعل الشجار يأخذ منحنى آخر.

حاولت أمه كثيرًا إقناعه بالعودة وحضور زفاف أخيه، ولكن «أحمد» أصر على الرفض خاصة بعدما علم بعدم رغبة أخيه في قدومه. خمس سنوات وبقي الوضع كما هو عليه، ثم عاد «أحمد» إلى المنزل، وفي كل اجتماع عائلي يحزم حقيبته وينصرف. «خلّف ولد والبنت جاية في السكة وبرضه مفيش أمل»، قالها موضحًا أن علاقته بابن أخيه قوية، ويجلب له الحلوى والألعاب ويقضي معه الكثير من الوقت حين تتركه أمه كل صباح وتذهب إلى عملها.

والحب.. سراب

 5 سنوات على الأحداث الدامية ولازال قلب «رحاب» ينقبض في نفس التاريخ متذكرة التفاصيل والحب الذي فتر والأهل الذين يصرون على تزويجها، بينما تزوج هو وسمى وليده «كريم» على اسم أخيه.

قصة حب عمرها ثلاث سنوات بين «رحاب» و«عبد الرحمن»، أتلفها الأهل ولحقت بها أحداث 30 يونيو في غياهب الزمن الذي قضى على الأحلام وبدد المشاعر، التي ولدت بين ابن الجيران وجارته الفاتنة التي انصاعت وراء قلبها ووافقت على خطبته، برغم من تحذير الأهل لها ومن انتماء عائلته السياسي، وقبيل اتمام مراسم الزواج بدأ الحراك السياسي في الشارع المصرى، وعلى إثره نشبت الحرب بين العائلتين.

«هو مختلف عن أهله وحتى لو هو ليه رأي مختلف عني إيه يمنع الزواج»، قالتها صاحبة الـ22 ربيعًا وقتها مشيرة إلى أنهما تعاهدا على الزواج بالرغم من الاختلاف الكبير بين الأهل، وكل منهما يقوم بتهدأة عائلته بأقصى صورة ممكنه حتى يتم الزواج. جيرة عمرها أكثر من 25 عام قامت على الود والترابط وعزز النسب من قدرها وفرقتها 30 يونيو وما عقبها.

وصل الأمر أشده بعد فض رابعة ومقتل أخيه، فلم يجد «عبد الرحمن» مفرا من ترك حبيبته التي «وقفت في صف» قاتل أخيه على حد قوله، «مكنتش مع اللي حصل.. وفراقه عز عليا جدًا. ده كان جاري وكنا بنلعب سوا»، قالتها «رحاب»، موضحة أنها تركته بعدما حاولت الوقوف بجابنه ومواساته ولكنه اختار الفراق. 5 سنوات على الأحداث الدامية ولازال قلب «رحاب» ينقبض في نفس التاريخ متذكرة التفاصيل والحب الذي فتر والأهل الذين يصرون على تزويجها، بينما تزوج هو وسمى ابنه «كريم» على اسم أخيه.

والصداقة.. زائفة


عشرون عاما من الصداقة قبل أن يخط الشارب في الأوجه وتتبدل الطفولة لعنفوان الشباب، عشرة عمر وزملاء دراسة من المرحلة الاعدادية، يقول «محمود»: «كنا نعرف بالثنائي في الذهاب والإياب لا نتفارق أنا وياسين، حتى في الجامعة تخليت عن حلمي بدراسة اللغات ودرسنا الهندسة سويًا، عمر مديد وعائلتان تعارفتا، واهتمامات مشتركة في الجد واللهو سويًا، ولم يفكر أحد أن تلك الصلة القوية سيكسرها أي شيء».

شارك «ياسين» مع أسرته في أحداث 30 يونيو، ومن يومها بدأ الشجار، يوضح «محمود» في البداية أن الموضوع كان اختلافا في الرأي ثم بدأ الاختلاف يشوبه أصوات عالية، ثم شجار ثم قطيعة، يستطرد: لم أعرف السبب حتى الآن ولكن في شجارنا الأخير قبيل الفض بيومين أخبرته إذا قتل شخص واحد فستكون تلك الدماء في رقبته، فغضب وثار وأخبره أن ذلك الحديث بمثابة نهاية علاقتهما.

يقول «محمود»: «أنا عارف إني كنت منفعلا من الأحداث وصعبان عليا الدم. بس ده مش معناه نقاطع بعض»، مستكملًا: «بعد الفض بحوالي شهر حاول ياسين مهاتفتي ولكن كنت في حالة نفسية سيئة بسبب الدماء التي أريقت وأخبرته إني بحاجة إلى وقت لمعاودة التواصل مرة أخرى، وكانت تلك حالتي مع الكثير حولي ولم أقصد القطيعة».

«مش عارف هو مصدق ولا إيه.. بالصدفة أعرف إنه هاجر كندا»، بحسرة شديدة قالها «محمود» وهو لازال حزين على صديق عمره، الذي لا يعرف السبب في رحيله من حياته دون سابق إنذار.

المصدر


  •  

ندى سامي

ندى سامي

صحفية مهتمة بشؤون المرأة والمجتمع