رئيس التحرير أحمد متولي
 رشدي أباظة.. ابن الذوات الذي أفقده الويسكي بطولة «لورانس العرب»

رشدي أباظة.. ابن الذوات الذي أفقده الويسكي بطولة «لورانس العرب»

لم يكن أحد من عائلة الأباظية يتوقع أن يخرج أي من أفرادها عن تقاليدها ويتزوج من خارجها، لكن سعيد بغدادي فعلها وتزوج من مسيحية إيطالية وأنجب «رشدي» الذي دخل عالم التمثيل من باب الصدفة وبات أحد كبار نجوم السينما على مدار تاريخها. محمود معروف روى القصة كاملة في كتابه «روائع النجوم».

الفتوات والتقاليد

تنحدر العائلة الأباظية من آسيا الصغرى وبلاد القوقاز، وكان أفرادها يشتهرون بأنهم فتوات وأباضيات، ومن هنا جاءت كلمة «أباظة» مشتقة من «أباضة» أي «فتوة».

هاجر الجد الأكبر وأولاده منذ مائتي عام وجاءوا إلى مصر واستقروا في محافظة الشرقية وتحديداً منيا القمح، وكانوا يحافظون على تقاليدهم ومن الزواج من بعضهم البعض وعدم الزواج من خارج العائلة حتى لا تختلط أنسابهم مع الآخرين.

لكن واحداً منهم حطم هذه التابوهات.. هو صلاح أباظة الذي كان يعمل طياراً وأحب مضيفة إنجليزية وتزوجها. هددته العائلة بالقتل إذ لم يطلقها لكنه ازداد تمسكاً بها وسافر إلى لندن وعاش معها هناك.

هذا الموقف شجّع شاباً آخر من العائلة هو سعيد بغدادي أباظة. كان يعمل ضابطاً بالشرطة، وعُين بالمنصورة، إلا أنه هام بحب فتاة مسيحية إيطالية اسمها «برجيني».

روى «سعيد» حكايته لأمه «ناهد»، وقال لها إنه يريد أن يتزوج «برجيني»، فارتعدت خوفاً من الأب الذي عرف بالأمر وهدد ابنه حال زواجه من هذه الفتاة، ورغم ذلك تزوج سعيد حبيبته الإيطالية دون علم والديه وسافر بها إلى بني سويف حيث أقاما هناك ثم عادا إلى الدقهلية وأنجبا طفلهما الوحيد «رشدي» في أغسطس 1928.

رشدي أباظة وهو طفل

وخوفاً عليه من بطش العائلة أخذته جدته ليعيش معها في المنيا حيث كانت تمتلك 600 فدان، ثم انتقل بعد ذلك عندما كبر إلى القاهرة وتعلم 4 لغات هي الإنجليزية، الفرنسية، الأسبانية، والإيطالية.

الصدفة والفن

اهتم رشدي أباظة برياضة كمال الأجسام والمصارعة منذ أن كان صغيراً، فأصبح شاباً وسيماً مفتول العضلات. وفي إحدى المرات كان يسير بجوار مبنى الإذاعة القديم، بالقرب من شارع قصر النيل بمنطقة وسط البلد، وتشاجر مع شابين قاما بمعاكسة فتاة، وفي تلك اللحظة رآه المخرج كمال بركات وصافحه وأبدى إعجابه بشهامته وعرض عليه التمثيل في السينما فوافق على الفور.

وقتها كان «بركات» يستعد لإخراج فيلم «المليونيرة الفقيرة»، فاختار «رشدي» ليكون أحد أبطل الفيلم مع فاتن حمامة، وماري منيب، وفؤاد شفيق، ولولا صدقي، وعبد السلام النابلسي، وعُرض الفيلم لأول مرة في مارس 1948. تعددت أفلام رشدي أباظة بعد ذلك حتى بلغت 129 فيلماً.

لورانس العرب

في بداية الستينيات وفي عز تألق وتوهج رشدي أباظة جاء إلى القاهرة المخرج الأمريكي ديفيد لين مخرج الفيلم العالمي «لورانس العرب». كان قد اختار ممثلاً فرنسياً للقيام بدور «الأمير علي»، لكنه رأى أنه لن يكون مقنعاً لأن عينيه زرقاوان وشعره أصفر، فسافر إلى الجزائر ولم يقتنع بممثل واحد، فهم يتكلمون العربية «مكسر» حينها ولا يتكلمون الإنجليزية.

جاء «لين» إلى مصر وقالوا له إن بها ممثل قوي وجميل ويتحدث 4 لغات بطلاقة، وأمه إيطالية، وزوجته إنجليزية اسمه رشدي أباظة. بحثوا عنه وجدوه يشرب في كافيه «البيروكيه» بشارع سليمان باشا، فذهب إليه مدير الإنتاج وقال له: نريدك للقيام ببطولة فيلم أمريكي، وأن المخرج ديفيد لين ينتظره في فندق هيلتون النيل، ويريد أن يراه على الطبيعة ويعمل له «تست كاميرا» في الصحراء.

نظر إليه رشدي أباظة بسخرية وقال له: «يعمل لي أنا تست كاميرا.. هو أنا كومبارس؟.. أنا رشدي أباظة يا حيوان»، وسكب الويسكي في وجهه فعاد إلى المخرج غاضباً، فقال له «اصرف نظر عنه».

رشحوا للمخرج شكري سرحان وفريد شوقي، فقابلهما إلا أن عدم اتقانهما الإنجليزية حال دون الاستعانة بأي منهما.

وقبل أن يغادر القاهرة أحضروا له الممثل عمر الشريف وتحدث معه بالإنجليزية فوجده يتكلم كالإنجليز. حدثه بالفرنسية فوجده بارعاً فيها وهكذا فاز «الشريف» ببطولة الفيلم.

الفنانين الزملكاوية

تعتبر العائلة الأباظية من أكبر العائلات التي كانت تشجع النادي الأهلي بعد الحرب العالمية الثانية. كان أولهم عزيز باشا أباظة، ثم فكري باشا أباظة، وتوالى الأنجال والأحفاد بعد ذلك.

الوحيد الذي شذ عن العائلة وشجع نادي الزمالك بقوة هو الفنان رشدي أباظة وتبعه عدد من الأفراد. كان «رشدي» شديد التعصب للنادي حتى أنه سعى لتأسيس رابطة من الفنانين الزملكاوية ضمت في عضويتها أحمد مظهر، شكري سرحان، نور لشريف، فؤاد المهندس، شويكار، ليلى فوزي، محمد رضا، عبدالمنعم مدبولي، والإذاعيان جلال معوض، وفهمي عمر.

كانت المجموعة تعقد اجتماعاتها في بيت جلال معوض، وليلى فوزي، وكان أفرادها يتحدثون في أمور الكرة وكانوا يجتمعون على مشاهدة مباريات الفريق الأبيض في الملعب.

عشيقة الملك

وقع «رشدي» في غرام الممثلة كاميليا عشيقة الملك فاروق. كان يمثل أمامها في فيلم «امرأة من نار»، فأحبها وأراد أن يتزوجها، لكن أمها رفضت لأن ابنتها كانت بالنسبة لها منجم الذهب، وكان قد تعلق بها عجوز ثري في الستين من عمره وكان يدفع لها شهرياً ألفي جنيه وهو مبلغ كبير جداً آنذاك.

علم «رشدي» بحكاية علاقتها بالثري العجوز فذهب إليهما في كازينو بشارع الهرم ووجدها جالسة إلى جواره ومعهما أمها، فصفعها على وجهها صفعة قوية وثارت الأم وقامت بتحريك دعوى قضائية، وتعاقد الثري العجوز مع محام كبير ليسجن رشدي أباظة، وبالفعل حُكم عليه بالحبس شهراً.

لكن كاميليا حضرت جلسة المحاكمة وقالت للقاضي إنها متنازلة عن القضية لأنها «أحلى وأجمل صفعة في حياتي وكنت في حاجة إليها لأفيق لنفسي وأتحرر من قيود أمي لتي حولتني لدمية في يديها».

في هذه الفترة قرر المنتجون مقاطعة «رشدي» مجاملة لكاميليا، فلم يعد يجد عملاً في مصر، فاضطر للسفر إلى إيطاليا عند أخواله إلا أنه لم يتحمل الغربة أكثر من ستة أشهر فقرر العودة إلى مصر.

عاد «رشدي» إلى القاهرة وأصيب بصدمة واكتئاب دام عاماً كاملاً بعد مصرع كاميليا في حادث سقوط طائرة، لكنه بعد ذلك تزوج من فتاة إنجليزية اسمها «باربارا» وأنجب منها ابنته الوحيدة «قسمت» لكنها طلقها، ثم تزوج تحية كاريوكا وكانت تغير عليه بجنون وتدخلت أمه للانفصال بينهما ودياً بدلاً من المحاكم.

بعد ذلك تزوج صباح لمدة أربعة أيام عندما كان يمثل معها فيلماً في بيروت، ثم تزوج سامية جمال في سبتمبر 1965 وعاش معها 17 عاما، ولما حدث خلاف بينهما تزوج عليها ابنة عمه نبيلة أباظة إلى أن مات في أحضانها بمستشفى الأنجلو في 27 سبتمبر 1980.

المصدر

  • كتاب «روائع النجوم». محمود معروف.

محمد أحمد

محمد أحمد

صحفي يكتب في التراث والثقافة الشعبية