رئيس التحرير أحمد متولي
 عز الدين ذو الفقار.. مخرج الرومانسية في عيون سيدة الشاشة العربية

عز الدين ذو الفقار.. مخرج الرومانسية في عيون سيدة الشاشة العربية

خلع عز الدين ذو الفقار بذلته العسكرية الرصينة ودخل عالم الفن دون أن يحدد واجهته، فبدأ ممثلًا أمام سيدة الشاشة العربية التي ألهمته وأصبح من أبرز مخرجي جيله، وتصدّر اسمه أهم تترات السينما المصرية، كما لمع في كتابة السيناريو المأخوذ عن قصص عالمية بعد تعريبها فيمزج من الحبكة مع ما يتناسب مع المجتمع الشرقي.

الرومانسية الطاغية في أعماله جعلته ينجذب لفاتن حمامة، فتاة الأحلام لتكون شريكته في الحياة وفي العمل، وأنتجا معًا عدد من الأفلام التي خلّدتها صناعة السينما، فأثرته بموهبتها وشكّل تاريخها الفني.

الكتب، الحوارات واللقاءات الصحفية لم تنس عز الين ذو الفقار، العلامة الفارقة في حياة سيدة الشاشة العربية، والتي قالت عنه «الفنان الرومانسي».

الخلود الذي أوقعه في العشق

التقى عز الين ذو الفقار بفاتن حمامة أول مرة في البلاتوه الذي حلم كثيرون بالتواجد فيه. في أول تواجد له في عالم السينما جسّد دور «محمود» حبييب فاتن حمامة، وكان يحفظ السيناريو عن ظهر قلب ليؤدي دوره على أكمل وجه، ولكن عندما وقف أمام النجمة وقع في حبها على الفور وبدأ يتعلثم في المشاهد التي أتقن حفظها، ولم يكن يعلم أن تلك البطولة الأولى في فيلم «الخلود»، الذي لم يحقق نجاحًا باهرًا، ستكون سبيل الوفاق مع «ملهمته» كما كان يطلق عليها.


 

بين الأطلال

دخل عز الدين ذو الفقار درب الإخراج السينمائي الذي لمع اسمه فيه، وترك تجربة التمثيل جانبًا، واكتفى أنها قرّبته من سيدة الشاشة العربية، وانتقل بخطى ثابته وواثقة نحو الإخراج وكتابة عدد من السيناريوهات، بعد أن تزوجا وأنجبا طفلتهما «نادية»، وأخرج فيلم «بين الأطلال» والذي كان محطة هامة في حياتهما معًا، فكان الخطوة التالية بعد نجاح فيلم «دعاء الكروان»، وتنتظر فاتن حمامة أن تخرج بنتاج مماثل.

قصة الكاتب الكبير يوسف السباعي الأكثر رومانسية «بين الأطلال»، اختارها «ذو الفقار» وحولها لسيناريو. في البداية تخوفت فاتن حمامة من خوض التجربة فالرواية بديعة ومليئة بالمشاعر والرومانسية وإذا تحولت لفيلم قد لا يتطابق مع الصورة التي تركتها رواية «السباعي» في الأذهان، ولكنها وافقت وبدأت في تصوير الفيلم وفقًا لرؤية كاتب السيناريو والمخرج في آن واحد.

في التصوير كان يتمسك «ذو الفقار» برؤيته الفنية ولا يريحه أن يغير الممثل حتى ولو حرف واو، هكذا قالت سيدة الشاشة العربية في حوار سابق لها.

وهذا كان يؤرقها بشدة فهي كانت لا تحفظ الحوار بنسبة 100%، ومن هنا نشب الخلاف بينهما، فهو يحدد أدق التفاصيل ويخط على الأرض المسار الذي يتحرك فيه الممثل بعناية، ولا يسمح بمخالفة ذلك، وبعد شهور من التصوير انتهى الفيلم وحقق نجاحًا باهرًا وخرج في صورة عمل فني بديع متكامل لم ينقص من قدر قصة «السباعي» المرهفة بل أبرزها.

تروي «حمامة» أن المخرج الشاب كان يقف خلف الكاميرا يجسد الدور الذي يؤديه الممثل ويتفاعل معه ويبكي بحرقة لبكائه. «عز الدين كان فنانًا في كل شيء وبوهيميًا على الآخر»، قالتها «حمامة» في لقاء لها عقب نجاح الفيلم الذي مد عرضه في السينيمات، ففي لغة السينمائيين الفيلم الذي يستمر أربعة أسابيع للعرض يكون قد حقق نجاحا كبيرًا، و«بين الأطلال» حقق نجاحا منقطع النظير واستمر في السينما لثمانية أسابيع.

نهر الحب

«عند بدء الخليقة أطلت إيزيس من عليائها على الأرض.. فإذا بها كقلب لم يمسه ولد الحب.. جدباء موحشة يخيم عليها الموت لا تعطي ثمرًا ولا تمنح حياة.. كسر الحزن قلب إيزيس فبكت وشاءت العناية الإلهية أن تتحول دموعها إلى أمطار..أمطار غزيرة تشق وسط الأرض مجرى لنهر عظيم.. نهر الحب»، بتلك الكلمات كان تتر البداية لفيلم «نهر الحب»، المأخوذ عن رائعة «آنا كارانينا» الرواية الروسية التي تم تعريبها بعد أن حققت رواجًا.

عرض «ذو الفقار» فيلم «نهر الحب» على سيدة الشاشة العربية التي تأثرت بالبطلة التي أثارت جدلا بعد أن جسدت دورها، ولكن أعين المخرج الشاب جعلت منها الضحية التي أبكت المشاهدين، بالرغم من خيانتها لزوجها الرجل المتسلط الجاحد صاحب المعالي، فهكذا رآه المخرج في مخيلته وجسده زكي رستم وفق رؤيته والتي تختلف قليلًا عن الرواية الأصلية، ليقنع الجمهور بضرورة أن تقع البطلة في حب رجل آخر.

الصورة كانت خير مرسال للفكرة دون الكلمات في عدد من لقطات الفيلم، هكذا أرسل «ذو الفقار» تعليماته للنجوم، وهكذا ظهرت «حمامة» كالملاك الباكي الغارق في الأحلام الموحشة، في القطار يعدو بعيدًا عن الجحيم ربما لاستراحة قليلة من جبروت «طاهر باشا»، هذا المشهد القصير قد لا يتعدى الثواني وتم تصويره على عدة أيام ليخرج وفق رؤية مخرج العمل الذي لم يكل من إعادته، حتى تتحول تلك الدموع المتقطرة من أعين ذلك الملاك إلى نهر من الحب، ويصبح العمل أحد أبرز أفلام الرومانسية في تاريخ السينما المصرية.

طريق الأمل

«سنية» بطلة «ذو الفقار» فتاة رقيقة تعيش مع والدتها التي تعمل بحياكة الملابس، فتدخل صدفة في عالم «مدام سطوحي» التي جعلت من منزلها وكرًا للفساد وتحاول إيقاع «سنية» فريسة لذئابها، فيظهر شكري سرحان البطل الهمام الذي ينتشل الفتاة قبل السقوط في الهاوية، الفيلم دراما اجتماعية لم تخل من الرومانسية استطاع نقلها بيسر عبر كدراته التي أظهرت معاناة «سنية» ووالدتها.

حياة إجتماعية، وعمل، ثم زواج وإنفصال لم يمنع استمرار الود والوصال بين سيدة الشاشة العربية وعز الدين ذو الفقار، اللذان أثريا تاريخ السينما المصرية بمسيرة حافلة من الإنجازات التي لاتزال قائمة حتى الآن.

المصدر

  • كتاب فاتن حمامة، من تأليف زينب عبدالرازق

ندى سامي

ندى سامي

صحفية مهتمة بشؤون المرأة والمجتمع