للرجال فقط.. هذه أعراض اكتئاب ما بعد الولادة وكيفية تجاوزها

عادة ما تصاب الأم بما يعرف باكتئاب ما بعد الولادة بسبب التغيرات الهرمونية التي تحدث لها خلال فترة الحمل وبعد الإنجاب، ولكن لا يعرف كثيرون أن الأب هو الآخر قد يصاب باكتئاب ما بعد الولادة. 

في هذا التقرير من «شبابيك»  نروي لكم حكايات من اكتئاب الرجال بعد ولادة زوجاهتهم.

المولود الأول

علم «أحمد» بخبر حمل زوجته بعد شهر واحد فقط من الزواج، وأصابه الخبر بالضيق والخوف من المستقبل خاصة وأنه ما زال يسدد مديونيات الزواج، ولكن سرعان ما تلاشى ذلك الشعور بعدما استقر الحمل وبدأ يختار ملابس مولوده القادم.

الشعور بالضيق تجدد ثانية مع دوي صراخ الصغير بالمنزل. يقول «الخناقات والمشاكل زادت وبقينا بنتلكك لبعض»، لم يعد يطيق المكوث في المنزل لفترات طويلة، بعد إنتهاء دوام العمل، حيث يعمل مهندس إلكترونيات في إحدى الشركات، فيذهب مع رفاقه للجلوس على القهوة أو لعب «البلاي شستيشن»، وهو متنفسه الوحيد.

وعندما يدخل المنزل يتسلل إليه الشعور بالضيق. يقول «كنت بشيل آسر ألاعبه شوية وأول ما يبدأ يعيط كنت بتعصب». كانت زوجته تشعر بالغضب منه بسبب ابتعاده عنهم وكثيرًا ما تشتكي له الوحدة والمسؤولية الجديدة التي لا تقوى على حملها بمفردها، فكان يقابل غضبها بالشجار.

ثلاثة أشهر على هذا الحال، يعيش «أحمد» في منأى عن زوجته وابنه الصغير الذي يبكي طوال الليل ولا يترك له الفرصة للراحة والنوم. اضطر «أحمد» للسفر لمدة شهر في مهمة عمل، وقتها شعر أنه بحاجة لرضيعه وزوجته.

لم يتحسن وضع «أحمد» المادي كثيرًا ولكنه أصبح أكثر تقبلًا للحياة والمسؤولية الجديدة بعدما كبر رضيعه قليلا وبدأ يبادله البسمات ويفرح عند رؤيته ويهدأ بينما يحمله بين راحتيه.

خبطتين في الراس!

«وليد» مشكلته أكثر تعقيدًا. ُرزِق بتوأم بعد ثلاث سنوات من الزواج، وهو يعمل مدرسا بالسعودية منذ سنوات طويلة، ولكن بعد أن أنجبت زوجته كانت بحاجة لرفيق حتى تستطيع الاعتنتاء بطفلتين، لم يستطع مساعدتها وذلك جعلها تطلب الرجوع لبلدها لتكون برفقة أهلها.

شعر الأب بالضيق وبحمل ثقيل لا يقدر على تحمل تبعاته، لم يبدِ أي اهتمام لصغاره. يقول: «ساعات كنت بحس نفسي مدايق منهم»، يقولها وهو يشعر بالذنب ويعتقد أن عقابا من الله ينتظره.

نفذت زوجته رغبتها وعادت إلى مصر، بينما هو بقى وحيدًا، الأمر الذي زاد شعوره بالاكتئاب وعدم الرغبة على مواصلة العمل ولاحظ الجميع انفعالة الشديد وغير المبرر، فطلب منها الرجوع على وعد بمساعدتها في ترتبية صغاره.

عادت زوجته وبدأ يساعدها في إطعام طفلتيه. يقول: «كنت أناني وخايف على راحتى وتفاصيلي، ومدايق إن زوجتي انشغلت عني.. بس لما قربت من عالمهم حسيت قد إيه كنت هفقد أحلى حاجة في الحياة».

اكتئاب الرجل بعد الولادة

وفق وكالة رويترز البريطانية، كشفت دراسة في نيوزلاندا شملت 4 آلاف رجل، أن نحو 6% ظهرت عليهم أعراض الاكتئاب في إحدى المراحل خلال فترة الحمل أو في الأشهر التسعة التالية للولادة.

وقالت ليزا أندروود من جامعة أوكلاند: «أعتقد أن من المهم للأزواج إدراك إمكانية أن يصاب أي منهما بالاكتئاب وأن يطلبوا العون والمساندة».

وأضافت «أندروود» وزملاؤها في الدراسة، التي نشرت بدورية جاما للطب النفسي، أن 9% من الرجال يعبرون عن إصابتهم بالاكتئاب في إحدى مراحل حياتهم وأن نحو 3% ذكروا مرورهم بنوبة اكتئاب، وذكر الباحثون أن دراسات سابقة ربطت أيضا بين الآباء المكتئبين ومعاناة الأطفال من مشاكل عاطفية وسلوكية.

وأظهرت الدراسة أن الحمل والولادة قد يزيدان خطر الاكتئاب عند الرجال، وإن كانت الأبحاث تقليديا تركز على النساء اللاتي هن أكثر عرضة للاكتئاب خلال الحمل وبعد الولادة.

ويقول استشاري الطب النفسي الدكتور جمال فرويز إن الكثير من الآباء يعانون من مشاعر مضطربة بعد ميلاد طفل جديد ولكنهم لا يعرفون إصابتهم بما يعرف اكتئاب ما بعد الولادة، نظرًا لعدة معايير أهمها أن الرجل لا يتحدث عن مشاعره بخلاف المرأة كما أنه ليس من الشائع الحديث عن إصابة الرجل بالاكتئاب.

ما أسباب اكتئاب الرجل بعد الولادة؟

يشير الدكتور فرويز إلى عدة عوامل تدفع الرجل للشعور بالضيق والغضب والتي قد تصل إلى حد الاكتئاب بعد تجربة الإنجاب ومن ضمن تلك الأسباب ما يلي:

جنس المولود

قد يشعر بعض الآباء بالضيق عند إنجاب مولود ولد بينما كان يرغب هو في أن ينجب فتاة أو العكس.

قلة النوم

وجود طفل حديث الولادة في البيت يسهر في الليل وينام بالنهار، يقلل عدد ساعات نوم الأبوين، وقد يتأثر الأب بسبب عدم كفايته في النوم مما يؤثر على تركيزه وأدائه في العمل. ولذلك فإن اضطرابات النوم بشكل مستمر قد تصيب الشخص بالاكتئاب والضيق.

الأعباء المادية

الظروف المعيشية الصعبة جعلت تجربة الإنجاب مثقلة بالكثير من الأعباء المادية التي ترهق الرجل وتدفعه للعمل لساعات أطول وأحيانًا للقيام بعملين في نفس الوقت ليستطيع توفير متطلبات الصغير.

انشغال الزوجة

من الطبيعي أن تتأثر العلاقة بين الزوجين بعد قدوم طفل صغير يستحوذ على تركيز الأم ويشغل وقتها ويدفعها ذلك للانشغال عن زوجها والاهتمام به، فذلك قد يعرض الزوج للاكتئاب خاصة إذا تأثرت العلاقة الحميمية بينهما.

اكتئاب الزوجة

قد تصاب الزوجة بالاكتئاب بعد الولادة وذلك ما قد ينعكس على الزوج الذي ينتابه هو الآخر الشعور بالضيق، ويؤكد «فرويز» أن الاكتئاب معدي.

ما العلاج إذن؟

الشعور بالضيق أمر طبيعي، فالحياة لا تسير على وتيرة واحدة هكذا يقول «فرويز»، والتغيرات التي تطرأ على الحياة عادة ما تصيب الأشخاص بالقلق ولكن إذا زاد الشعور بالقلق والاضطراب يفضل زيارة الطبيب النفسي للعلاج.

يستقبل أستاذ الطب النفسي بعيادته من 2 إلى 3 أمهات يعانين من اكتئاب ما بعد الولادة بشكل أسبوعي، وذلك بعد انتشار تلك الثقافة أن المرأة تعاني من اكتئاب الحمل أو بعد الولادة وأنها لا دخل لها في ذلك، بينما لم يصادف رجلا يشتكي من تعرضه للاكتئاب بشكل واضح وصريح، ولكن مع العلاج قد ينكشف أن الأبوة أحد أسباب الاكتئاب.

ويقول استشاري الطب النفسي أن العلاج يكمن فيما يلي:

التعبيرعن المشاعر

قد يحتاج الرجل إلى الحديث دون خجل عن ما يشعر بعد تجربة الأبوة وأنه يشعر بالضيق وعدم الاحتمال، فالحديث يشعره بالراحة ويزيل الكثير من همومه.

المشاركة

مشاركة الزوجة في أعباء الطفل الجديد الذي يبدو مزعجًا تقلل الكثير من الضغوطات، بينما يكتشف الرجل عالم ابنه الصغير، الذي يزيد من الصلات ويقويها ويقلل الشعور بالغضب وتقبل فكرة الأبوة ومسؤولياتها.

الزوجة

تستطيع الزوجة تخفيف شعور الأب بالقلق والتوتر تجاه الأبوة عن طريق الحديث مع الزوج والتقرب منه ومشاركته الأفكار والمشاعر ومهام الصغير، والاهتمام بالزوج وتفاصيله ومتطلباته حتى يستطيعا إجتياز تلك المرحلة بسلام.