رئيس التحرير أحمد متولي
 هكذا عاش اليونانيون وتوغلوا في مصر.. «أينما حركت حجراً وجدت تحته بصمتهم»

هكذا عاش اليونانيون وتوغلوا في مصر.. «أينما حركت حجراً وجدت تحته بصمتهم»

عبر مراحل زمنية متعاقبة ولأسباب مختلفة جاء اليونانيون إلى مصر، فعاشوا فيها وكونوا جاليات واندمجوا مع المصريين وتوغلوا في أنشطة مختلفة وكانت لهم بصمتهم في الاقتصاد المصري.

ومع أن اليونانيين كانوا أكثر تركزاً في الإسكندرية لقربها من بلادهم، إلا أنهم انتشروا في جميع المحافظات من شمال مصر إلى جنوبها، وحتى المناطق التي يقل فيها المصريون وٌجدوا فيها، مثل المناطق الحدودية والبحر الأحمر والصحراء الجنوبية والصحراء الغربية وسيناء.

ورغم أن اليونانيين وفدوا إلى مصر منذ زمن بعيد، لكن الهجرة الأكبر لهم كانت بعد الثورة اليونانية سنة 1821، فأصبح من الضروري إيجاد تنظيم لهم بهدف المحافظة على ثقافتهم ولغتهم. وكان من جراء ذلك أن أنشأ يونانيو الإسكندرية أول جالية لهم سنة 1843، كما أنشئت جالية بالقاهرة عام 1856، ثم انتشرت الجاليات اليونانية في مصر حتى بلغت 32 جالية.

انتشار كثيف في الإسكندرية

ومع أن اليونانيين كانوا أكثر تركزاً في الإسكندرية لقربها من بلادهم، إلا أنهم انتشروا في جميع المحافظات من شمال مصر إلى جنوبها، وحتى المناطق التي يقل فيها المصريون وٌجدوا فيها، مثل المناطق الحدودية والبحر الأحمر والصحراء الجنوبية والصحراء الغربية وسيناء، وليس أدل على انتشار اليونانيين في مدن مصر وريفها من كلمة اللورد كرومر التي قال فيها «أينما حركت حجراً في مصر وجدت تحته يونانياً».

وارتبط عدد اليونانيين بمصر بالمتغيرات السياسية. في سنة 1917 بلغ عددهم 56731 نسمة، ثم زاد بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى (1914 – 1918) فبلغ 76264 في سنة 1927، ثم أخذ عددهم في التناقص منذ سنة 1937 عندما تم الاتفاق على إلغاء الامتيازات الأجنبية في مؤتمر مونتري إذ بلغ عددهم 68559 يونانيا، واستمر تناقصهم حتى وصل إلى 57427 سنة 1947.

علاقتهم بالمصريين والملك

وأظهر اليونانيون فيما بينهم روحاً من التعاطف والتماسك، فشرف وكرامة الفرد هي شرف وكرامة الجماعة، فإذا أصابت أية كارثة إحدى العائلات اليونانية فإن الجميع يبذل كافة المجهودات لتخطي الكارثة، وكانت تلك الصفة محل إعجاب عالم التجارة والمال، ففي أوقات الرخاء والشدة كانوا يعملون معاً كي تكون صفقات كل منهم أكثر ربحاً ويبيعون ويشترون متضامنين متماسكين.

أحد الشباب اليونانيين ويدعى خارييلوس جورجيادس أرسل إلى رئيس الديوان الملكي على ماهر باشا في 5 نوفمبر سنة 1937، لإبلاغ الملك فاروق الأول بأن اليونانيين ينتظرون من محطة الإذاعة اللاسلكية للحكومة المصرية أن تجعل برنامجها يشمل بعض الأغاني والأدوار الموسيقية اليونانية ولو مرة في الأسبوع.

وارتبطت المصالح الكبرى للجالية اليونانية ارتباطاً وثيقاً بالمصريين، لذا لم ينظر المصريون إليهم كأجانب عنهم، وبالتالي لم يشعر اليونانيون بأنهم في وقت من الأوقات في غير بلادهم.

وليس أدل على ذلك من أن أحد الشباب اليونانيين ويدعى خارييلوس جورجيادس أرسل إلى رئيس الديوان الملكي على ماهر باشا في 5 نوفمبر سنة 1937، لإبلاغ الملك فاروق الأول بأن اليونانيين ينتظرون من محطة الإذاعة اللاسلكية للحكومة المصرية أن تجعل برنامجها يشمل بعض الأغاني والأدوار الموسيقية اليونانية ولو مرة في الأسبوع.

النشاط الاقتصادي وتجارة القطن

عمل اليونانيون في كل مكان بمصر، وبرعوا في كثير من الأنشطة التجارية ومنها تجارة القطن، فكانوا أكبر تجار الأقطان في بورصتي العقود، ومينا البصل وفي طليعتهم «خوريمي» و«بناكي» و«سلفاجو لوسكارس» وغيرهم، وظلت شخصيتهم التجارية متميزة فقد كانت الأنواع الشهيرة من قطن الساكلارايدز، والكسولي، خير دليل على خبرة اليونانيين الطويلة بتجارة القطن في مصر.

ولم يقتصر الأمر على ذلك، فامتلكوا ما يقرب من 35% من مجموع الأسهم في جميع البنوك وشركات المساهمة على اختلاف أنواعها وجنسياتها. كما عمل كثير من اليونانيين في البنوك ومنها البنك التجاري المصري، ففي مجلس إداراته كان ليون كاسترو نائباً لرئيس مجلس الإدارة منذ يناير سنة 1944، وأيضاً التحق كثير من الموظفين اليونانيين ببنك الأراضي المصري، وكان رئيس مجلس إدارته ميشيل سلفاجو رجل الأعمال اليوناني الذي استمر في منصبه حتى توفى في 31 مارس 1950.

أصحاب الحانات وبائعي الخمور 

وكان المسيو تيودور كوتسيكا محتكر السبرتو، أغنى أغنياء الجالية إذ كانت تقدر ثروته بأربعة ملايين جنيه، وربما كان هذا الاحتكار اليوناني سبباً في انتشار صناعة الخمور وتجارتها بين اليونانيين في مصر، فافتتحوا العديد من المقاهي والحانات لبيع الخمور في المدن والقرى.

وعانى اليونانيون أكثر من أي جالية أخرى جراء إلغاء الامتيازات الأجنبية والتي كانت تحمي استثماراتهم بمصر، وكذلك لعدم إجادتهم اللغة العربية، لذلك واجه الشباب اليوناني صعوبات في الحصول على وظائف. ولم يجعل فقر اليونان المدقع من العودة إلى اليونان شيئاً ممكناً، لذا اتجه أفراد الجالية اليونانية للعمل بحرف وأنشطة متعددة، لكنهم ظلوا محتفظون بطابعهم المميز عن باقي الأجانب في مصر.

 

المصدر

  • كتاب «الأجانب في مصر.دراسة في تاريخ مصر الاجتماعي». الدكتور محمود محمد سليمان.

محمد أحمد

محمد أحمد

صحفي يكتب في التراث والثقافة الشعبية