رئيس التحرير أحمد متولي
 جون رونالد تولكين.. دروس من حياة «سيد الخواتم» وعبقري الفانتازيا

جون رونالد تولكين.. دروس من حياة «سيد الخواتم» وعبقري الفانتازيا

ربما شاهدت أحد أفلام «سيد الخواتم» الخيالية الشهيرة، وجذبتك المغامرة الصعبة لأبطال الفيلم من أجل القضاء على الشر الكامن في الخاتم، والفوز على الوحوش والغيلان والمردة في المعارك الطاحنة.

لا يتوقف الأمر على ثلاثية أفلام حققت نجاحًا تجاريًا عظيمًا ونالت أكبر عدد من جوائز الأوسكار، بل تمتد جذور هذا النجاح إلى عبقرية رجل واحد اسمه «جون رونالد تولكين» جعل من حياة الفقر والمعاناة خيالاً جذب الملايين.

تعرف على حياة «تولكين» عبقري الفانتازيا الذي كتب سلسلة «سيد الخواتم» فربما تتعلم من محطاته العجيبة التي لم تختلف عن كثيرًا عن قصصه المليئة بالخيال الجامح.

حوادث الطفولة القاتلة.. تُلهم بالكثير

تولكين في طفولته

ولد «جون تولكين» في 3 يناير 1892، ورغم أصوله الألمانية وجنسيته البريطانية، إلا أن ميلاده كان في جنوب أفريقيا وسط الأحراش، ولم تكن هذه البداية في القارة السمراء بالسيئة رغم الحادثة المميتة التي تعرض لها «جون» الطفل.

في الثالثة من عمره فقط، يتعرض الصغير إلى لدغة عنكبوت سام كادت تقتله لولا الإسعاف السريع له، وتتسجل هذه التجربة المؤلمة في وعي المؤلف ليخرجها فيما بعد على أوراق ملحمته الأشهر «سيد الخواتم».

وراثة «تولكين» لهذا الخوف من العناكب جعلته يجعل العنكبوت السام يصيب بطله «فرودو باجنز» في الجزء الثالث من الملحمة، بل إن الطبيب الذي عالجه من لدغة العنكبوت أوحى له بأكثر شخصيات الرواية جاذبية وهي شخصية الساحر «جاندالف» العجوز الطيب.

يتيم الأبوين.. ولكن مثابر

تولكين مراهقًا

بالفعل استوحى «تولكين» العديد من إبداعه الروائي من جنوب أفريقيا، بل إن حبه للطبيعة والنباتات جاء من هذه الفترة، إلا أن نجاته من العنكبوت لم تكن نهاية الأخطار، لأن والده مات بالحمى الروماتزمية بعدها بفترة قصيرة وتركه مع والدته وأخته.

اضطرت الأم للعودة بطفليها إلى بريطانيا لأن عمل الأب كان سبب بقاءهم في أفريقيا أصلاً، ولجأت للعمل وحدها حتى تنفق على أسرتها، إلا أنها سرعان ما توفيت بمرض السكري الذي لم يكن علاجه قد اكتشف بعد.

لم ترغب عائلة الأب في رعاية اليتيم وأخته بسبب تحول الأم إلى المذهب الكاثوليكي مما أغضبهم، لكن أحد آباء الكنيسة تولى رعاية الطفلين، خاصة أن «تولكين» الصغير كان مثابرًا مجتهدًا في دراسته.

حب مستحيل.. اكتمل للنهاية

زوجة تولكين 

صار الأديب الآن في مرحلة المراهقة وبدأ بكتابة الشعر، لكنه كان على موعد مع حب صعب لفتاة أكبر منه بـ3 سنوات، وما جعل حبه هذا مستحيلاً أن الفتاة كانت بروتستانتية المذهب على خلاف مذهبه الكاثوليكي.

عرف الأب الذي يرعى «تولكين» بقصته مع الفتاة وغضب بشدة، بل منعه من رؤيتها والاتصال بها وهدده بإيقاف دراسته لو تجاهل أوامره، فاضطر العاشق المصدوم إلى تنفيذ أوامر الأب حتى بلغ 21 سنة، وأرسل إلى حبيبته يطلب منها الزواج.

ردت الفتاة قائلة إنها ستتزوج من رجل آخر لأنها حسبته تركها للأبد، فأسرع «تولكين» إليها وأخبرها بالحقيقة، وتتمالك الفتاة نفسها وألغت زواجها، بل غيرت مذهبها إلى الكاثوليكية ليتزوج الاثنان أخيرًا في عام 1916، واستخدم الكاتب فكرة الحب المستحيل نفسها في ملحمته حين عشق بطله «آراجورن» فتاة من الجان وانتهت القصة بزواجهما.

الحرب.. خبرة مريرة أخرى

تولكين ضابطًا في الحرب

في نفس عام زواجه يلتحق الأديب بالجيش البريطاني ويشارك في الحرب العالمية الأولى كضابط اتصالات، فيرى بعينه ويلات الحروب الدامية، ويشهد موت جميع أصدقائه إلا واحدًا فقط، قبل أن يُصاب هو الآخر بشدة ويعود إلى بريطانيا للتعافي.

كل هذا أصاب «تولكين» بالاكتئاب الشديد، فحاول التغلب على أحزانه بالكتابة أثناء العلاج، وأنهى أول أعماله على سرير المستشفى، ولكنه لم يتخلص من حالته السيئة إلا مع انتهاء الحرب وانتقاله للتدريس في الجامعة كأستاذ للغات الأنجلوساكسوينة.

خرجت هذه الخبرات فيما بعد في رواياته عن الصراع بين الخير والشر، وكانت البداية من قصة أراد أن يحكيها لأطفاله الأربعة قبل النوم، ليكتب روايته الأولى «الهوبيت» وينشرها بعد تردد كبير فتحقق نجاحًا عظيمًا لم يكن يحلم به أو يتوقعه حتى.

سيد الخواتم.. ليست من أول مرة

ملحمة سيد الخواتم بأجزائها الثلاثة

بعد نجاح الرواية الأولى، صار التحدي أصعب أمام المؤلف الصاعد، خاصة أن الناشر طلب منه استكمال القصة التي بدأها في عالم آخر غير عالمنا وأسماه «الأرض الوسطى» وملأه بالتنانين والوحوش، مستلهمًا أحداثه من أساطير فنلندا.

هنا عرف «تولكين» أن المهمة لن تكون سهلة، وأعاد كتابة الفصل الأول من الرواية الجديدة 4 مرات قبل أن يستقر على المرة الخامسة، ولم يكمل الرجل عمله في سنة أو اثنتين، بل استمر 10 سنوات كاملة في الكتابة وإعادة التصحيح والتنقيح.

اختار للرواية الجديدة اسم «سيد الخواتم» وكانت أضخم من السابقة بستة مرات على الأقل مما جعل الناشر يعلن استحالة نشرها، خاصة بعد ارتفاع أسعار الورق نتيجة الحرب العالمية الثانية.

كاد المؤلف يدخل في مرحلة اكتئاب أخرى ويحرق كل ما كتب، إلا أن زوجته أقنعته بالمحاولة مرة أخرى، وكان الحل الذي اقترحه الناشر هذه المرة هو تقسيم الرواية إلى 3 أجزاء ونشرها على فترات متباعدة وقد كان، ليخرج الجزء الأول باسم «صحبة الخاتم» ثم الثاني «البرجان» ثم الثالث «عودة الملك».

النجاح والخلود

تولكين في كبره

​​​​​​​أصبحت «سيد الخواتم» بأجزائها الثلاثة أشهر رواية فانتازية في القرن العشرين، وتربعت على قوائم أعلى المبيعات لفترات طويلة حتى بعد وفاة مؤلفها، وأصبح لها عشاق ومريدين من كل أنحاء العالم، ثم جاءت الأفلام السينمائية المستوحاة منها لتكلل هذا النجاح على الشاشة.

رغم كل هذا النجاح، كانت أيام «تولكين» الأخيرة حزينة عندما رحلت زوجته الحبيبة لقبله، ولم تهون عنه الشهرة الكبيرة والتكريم من الملكة «إليزابيث» نفسها، بل قضى ثلاثة أعوام أخرى فقط ليلحق بها في عام 1973 ويُدفن بجوارها، تاركًا حشدًا من الأعمال التي ما يزال إنتاجها في السينما مستمرًا حتى اليوم.

المصدر

  • *الهوبيت.. ترجمة هشام فهمي

محمود حافظ

محمود حافظ

روائي وصحفي، مهتم بالسينما والأدب ومزجهما بالتاريخ والفلسفة