رئيس التحرير أحمد متولي
 شتيمة البنت.. ما الذي يدفع الجنس اللطيف إلى «الكلام الدبش»؟

شتيمة البنت.. ما الذي يدفع الجنس اللطيف إلى «الكلام الدبش»؟

سارة أحمد.. فتاة مثل أي فتاة أخرى، جاءت إلى الدنيا كواحدة من «الجنس اللطيف» الذي يُفترض أنه رقيق كالنسيم حسب التشبيه المعروف بين الناس، فلو كانت الرجولة هي العنفوان والصلابة، إذن فالأنوثة هي النعومة والرقة في كل شيء.

برغم كل هذا، اضطرت «سارة» إلى الاستغناء عن الكلام الناعم، وخرج من فمها أقذع الشتائم التي لم تكن تتخيل أن تلفظها، بل لم تتوقع في يوم أن تسعى إلى تعلمها بنفسها.

ما الذي دفع سيدة «الجنس اللطيف» إلى الشتيمة وسوء القول كما تحكي مع فتيات أخريات لـ«شبابيك» في هذا التقرير؟

لماذا؟ الإجابة تحرش

 

في عمر 22 عامًا، تعرضت سارة أحمد لشيء جديد عليها، لم تعمل حسابًا في يوم من الأيام لرجال يضايقونها بمعاكسات تتجاوز النظرات والكلمات فيما يُسمى بالتحرش، كانت حادثة واحدة جعلتها تدرك ما تعتبره الحقيقة: «معنديش وسيلة أدافع بيها عن نفسي لا بالكلام ولا بالأيد»

هنا لجأت الشابة العشرينية إلى «الحل المباشر» وتعلمت الشتائم من زملائها حتى ترد على كل من يحاول معها أو يحسبها سهلة، وتعمدت معرفة أكثر الشتائم سوءًا وشناعة، حتى تفضح المتحرش أمام الناس وأمام نفسه، وقد كان.

لا تتعمد «سارة» استخدام الشتائم في حديثها العادي إلا مع الأصدقاء المقربين، فهؤلاء سيفهمون أنها تعطي للحديث حميمية ليس أكثر، ولو حدث وخرج منها لفظ ما بالخطأ فهي تسارع بالاعتذار كما تفسر «مش ذنب حد يسمع الكلام القذر ده!»

أما عند سؤالها عن رغبتها في التحرر من الشتائم، أكدّت أنها تعتبر «الشتم سلاح» تستخدمه عند الحاجة، كما أنه لا يتعارض مع أنوثتها ورقتها، فالبنت قد تعمل في ميكانيكا السيارات مثلاً برغم أنها وظيفة معروفة أكثر للرجال بما فيها من شحم وزيت ومجهود شاق.

بالمثل قد تشتم البنت كما يفعل الرجال، وكل هذه المعايير يضعها المجتمع وتتغير بسبب العصر والظروف، فالشتيمة في النهاية ليست جيدة للرجل أو للمرأة، كما ترى «سارة».

الشارع أكبر مُعلم

كانت صدمة «مرام علي» في خطيبها كبيرة للغاية كما تحكي، فهي لم تتوقع كل هذه المساوئ في شخصيته، وبسبب إعجابها الكبير به ظلت تكتم وتكتم حتى دخلت المستشفى في السنة الثانية الجامعية.

تقول: «لقيت نفسي معلقة محاليل وجنبي ناس عندهم 60 سنة.. كل ده عشان الكتمة؟» في حين أنها لم تكن تنطق بالشتائم إلا البسيط منها الذي قد يقوله أي شخص آخر، فهل ستبقى هكذا مثل «كيس الرمل» الذي يضربه المصارعون للتمرين؟

لم يمر وقت طويل حتى فسخت «مرام» خطبتها، وقررت أن تنتقم بشكل ما من العالم كله الذي جلب لها المرض، فراحت تشتم كل شيء يضايقها حتى لو كان مطبات الطريق ولا تنتظر لحظة كتم بداخلها، من أين أتت البنت الراقية بقاموس الشتائم هذا؟

تُجيب مرام: «الشارع أحسن حاجة تعلم الشتايم، كل شوية خناقة وناس بتردح، سواق تاكس اتكسر عليه بالغلط وزعيقه وصل المنطقة كلها». وهكذا صارت «مرام» أستاذة في الشتيمة بدورها، تستخدمها حين الحاجة مع الذي يستحقها كما ترى.

صارت تشتم أحيانًا مع أصحابها والمقربين منها، لأن الشتائم بحد وصفها «بتخليني أعرف أعبّر أكتر عن اللي جوايا» ولهذا فهي تزهد تمامًا في هذه الألفاظ مع الأغراب، كما أنها تتجنب أي شتيمة لو تشاجرت في مرة مع أصحابها أنفسهم، بل تقولها للدفاع أو المزاح فقط وليس للهجوم.

الجميع يشتم ولكن..

تعمل إسراء حمدي في مجال التصوير وتختلط بالعديد من فئات المجتمع، لكنها لم تتعود على الشتائم التي تسمعها من حولها كثيرًا، فهي ما زالت تعتبر الأمر «قلة حياء» من وجهة نظرها لا يمكن قوله في كل وقت.

تقول إسراء: «كلنا بنشتم، بس الفرق إمتى الشتيمة تطلع وفين» وفي نفس الوقت تعترف بأنها لو تعرضت لشتيمة فسوف ترد بمثلها أو أكثر منها، لكن الشتيمة لن تصير أسلوب حياتها.

أستاذة علم اجتماع: الشارع يفرض وصايته

في زمن تنزل فيه البنت إلى الشارع وتتعرض فيه لمثل ما يتعرض له الرجل، ترى أستاذة علم الاجتماع، إنشاد عز الدين أن التأثير واحد على الاثنين في النهاية، فالرجل يضطر للشتيمة أحيانًا والمرأة لا تختلف عنه في هذه النقطة.

تضيف «عز الدين» أن التغير الحالي في المجتمع جعل المرأة تعمل وتعول وتقود سيارتها، فتجد أنها مضطرة للشتيمة أحيانًا ردًا على من يهاجمها حتى لا يحسبها ضعيفة، والشتيمة نوع من الدفاع عن النفس، ومهما كانت تربية البنت سليمة في بيتها ستتأثر بالمجتمع والشارع.

الفيصل هنا في رأي أستاذة علم الاجتماع، هو الأخلاق نفسها في الشارع، ينبغي أن تتغير ويعود الاحترام للسلوك، فلا تضطر المرأة للشتيمة ولا يضطر الرجل هو الآخر لـ«هذا الكلام المشين».

محمود حافظ

محمود حافظ

روائي وصحفي، مهتم بالسينما والأدب ومزجهما بالتاريخ والفلسفة