رئيس التحرير أحمد متولي
 أحمد شديد.. شاب صوفي يرسم مخطوطات على طريقة «شمس المعارف»

أحمد شديد.. شاب صوفي يرسم مخطوطات على طريقة «شمس المعارف»

في الصف الثاني الابتدائي بإحدى مدارس محافظة الشرقية، طلبت معلمة الرسم من تلاميذها أن يرسموا سفينة من وحي خيالهم، مرت دقائق قليلة وانتهي الصغار، فراحت المدرسة تتفحص رسوماتهم البسيطة الطفولية.

لكن لحظة.. هناك رسمة ليست عادية أو طفولية، بل هي شديدة الإتقان بالنسبة لطفل، سألت المعلمة صاحبها مبهورة عن اسمه فقال لها «أحمد شديد» ليصفق الفصل كله لزميلهم الموهوب، ولم يعلموا أنه قصد أن يرسم سفينة سيدنا «نوح» كما سمع عنها في القصص والقرآن.

أحمد شديد، شاب عشريني تخرج من كلية الحقوق وقرر أن يجمع بين موهبة الرسم والتأليف وثقافته الدينية، ليكتب عملاً على نهج المخطوطات القديمة، وفي هذا التقرير يحكي لـ«شبابيك» عن فكرته.

مخطوطات الثعلب الكبرى.. من شمس المعارف وسيد الخواتم

طبعة حديثة من كتاب «شمس المعارف الكبرى»

لمدة 3 سنين كاملة، عكف أحمد شديد على كتابة ملحمة باسم «مخطوطات الثعلب الكبرى» تحكي عن رحلة خيالية لمغامر يُدعى «بدر ابن المتثعلبين» في كهوف الجان المخيفة، وكيف تمكن من هزيمتهم بصناعة أسلحة معينة حتى يصل في النهاية إلى ملك الجد «إبليس» نفسه.

كتب «شديد» كتابه ورسمه تأثرًا بالمذهب الصوفي الذي يتبعه، فهو ينتمي للطريقة البونية نسبة للإمام «أحمد بن علي بن يوسف البوني المالكي» صاحب كتاب «شمس المعارف الكبرى» المعروف بأنه كتاب السحر الأشهر في العالم العربي.

ملحمة «سيد الخواتم» أظهرت «ساورون» كأنه كبير الشياطين أو إبليس

بالفعل قرأ «شديد» كتاب شمس المعارف مع كتب أخرى قديمة من هذا النوع في كرامات الأولياء والخوارق والروحانيات أثناء تبحره في كتب العلوم والفنون، وشخصية الإمام البوني نفسها تظهر في كتابه كصديق البطل، فالكتاب يجمع بين الحقيقة والخيال.

لا ينكر المؤلف كذلك تأثره وإعجابه الشديد بملحمة «سيد الخواتم» التي كتبها أديب الفانتازيا الإنجليزي الشهير «جون رونالد تولكين» فهي تدور في نفس الفلك عن الصراع بين الخير والشر، كما أن شخصية «ساورون» فيها تشير إلى إبليس أيضًا.

هل كتاب المخطوطات يتبع السحر؟

صفحة من كتاب «مخطوطات الثعلب الكبرى»

يؤكد مؤلف المخطوطات أن كتابه ليس له أي علاقة بالسحر، لأن كتاب شمس المعارف الأصلي لم يعد موجودًا على الإطلاق، وكل النسخ الحديثة غير أصلية.

والدليل كما لاحظه «شديد» من قراءاته أن المؤرخ العثماني «الحاجي خليفة» ذكر في عمله الموسوعي «كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون» عن كتاب شمس المعارف ما يناقد الكتب الموجودة حاليًا.

صحيح أن كتاب المخطوطات يحتوي العديد من رسومات الوحوش وبعض الأشكال العجيبة التي تبدو كالسحر، لكنها مجرد أعمال فنية قصد الرسام أن تبدو كالطلاسم الحقيقية، من أجل إقناع القارئ.

كتاب الوحوش.. عمل علمي موسوعي

«كتاب الوحوش» الوارد ذكره في كتاب «مخطوطات الثعلب الكبرى»

حين يكتب المؤلف عملاً ملحميًا، لا يكتفي بالقصة الأصلية فقط، بل يكتب أكثر من عمل آخر مستوحى من العالم الخيالي الذي صنعه، وهذا ما جعل أحمد شديد يقرر كتابة ورسم «كتاب الوحوش» الذي وجده بطله «بدر ابن المتثعلبين» في إحدى الكهوف التي زارها.

كتاب الوحوش إذن هو كتاب مستوحى من كتاب، وينوي مؤلفه أن يجعله موسوعة علمية حقيقية في «علم الأحياء التطوري» الذي يهتم بالكائنات المنقرضة، وبالفعل يعتمد «شديد» على الكتب الأجنبية عن الديناصورات ليترجم منها المعلومات ويرسم هذه المخلوقات العجيبة.

الغموض والفن أولى من الربح

صفحة من كتاب الوحوش

بالنظر إلى كتابي المخطوطات والوحوش، سيجد القارئ أن الرسومات عجيبة وطريقة حكاية القصة عتيقة كأنها بالفعل أوراق من القرون الوسطى، وهذا ما يقصده «شديد» بالفعل من عمله، فهو يرى أن القارئ المهتم وغير المهتم  سينجذب إلى غرابة الكتاب مدفوعًا بحب الاستطلاع والفضول حتى لو لم يفهم.

كما يؤكد أنه لا يهدف للربح بهذا العمل، مقتديًا بالإمام الذهبي الذي جعل كتبه صدقة بعد مماته، خاصة أن كتابه العلمي عن الكائنات المنقرضة جديد على المحتوى العربي ولم يسبق أن كتبه مؤلف آخر، ويتوقع له بالذات صدى كبير عند نشره.

تجربة «سيرافينوس» الإيطالي

صفحة من مخطوطة «سيرافيني» الإيطالية

بالنظر إلى تاريخ الطبع والتأليف، لم يكن أحمد شديد وحده الذي كتب ورسم عملاً كهذا قاصدًا أن يهتم القارئ بغرابته أكثر من محتواه، فهناك تجربة شهيرة للرسام والمعماري الإيطالي «لويجي سيرافيني» حين كتب عمله المثير للجدل «مخطوطة سيرافيني» عام 1981.

كان الكتاب عبارة عن رسومات شديدة الإتقان بالقلم الرصاص والألوان الخشب بيد المؤلف، ومنها أشكال شديدة البشاعة لبشر ونباتات وحيوانات قد تسبب صدمة لمن يراها، أما اللغة المكتوب بها العمل فكانت أبجدية كاملة من اختراع الكاتب، أي أنها لغة جديدة تمامًا على البشرية.

أحمد شديد

 حاول كثيرون أن يحلوا لغز كتاب «مخطوطة سيرافيني» وقضوا الليالي في فك شفرة اللغة ليفهموا النصوص المكتوبة بلا فائدة، ومن ناحيته يؤكد «سيرافيني» نفسه أن ما كتبه ورسمه ليس له أي معنى.

أراد الرجل فقط أن يشعر القارئ الناضج بشعور الطفل الصغير حين يقرأ كتابًا لا يفهم محتواه، ولكنه يشعر بانبهار تجاه الرسومات العجيبة والصادمة التي يراها، وكأن الموهبة والغرابة هي اسم اللعبة هذه المرة.

محمود حافظ

محمود حافظ

روائي وصحفي، مهتم بالسينما والأدب ومزجهما بالتاريخ والفلسفة