رئيس التحرير أحمد متولي
 بعيدا عن شعارات التحرر.. فتيات خلعن الحجاب بحثا عن وظيفة أو زوج أو مظهر اجتماعي

بعيدا عن شعارات التحرر.. فتيات خلعن الحجاب بحثا عن وظيفة أو زوج أو مظهر اجتماعي

لم يكن الأمر مرتبط بفكرة دينية، أو حتى متعلق باقتناع فكري أو سياسي، ففكرة عدم ارتداء الحجاب، والاتجاه نحو ترك الشعر منسدلا على الأكتاف راودت سهير بعد عدة أشهر من الحصول على عمل في إحدى الشركات المرموقة في منطقة مصر الجديدة، حيث الأجواء تدعو إلى ذلك، أساليب الترقي بالمكان مرتبطة بما أسمته الحداثة ولفت الانتباه.

حكاية سهير التي تحكيها صديقتها منار «اسم مستعار» تتناسب مع موجة كبيرة من الجدل شهدتها مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرا عن الحديث عن مدى تمسك السيدات المسلمات بحجابهن، ومدى موقع الدين من التشريعات الإسلامية، حتى أن الكثير تناولن واقعة ظهور الممثلة سهير رمزي دون الحجاب، بالنقد تارة بالإعجاب وأخرى بالذم، وتناسب ذلك مع صدور كتاب جديد تحت مسمى «خالعات الحجاب والنقاب».

لم يكن الأمر مرتبط بفكرة دينية، أو حتى متعلق باقتناع فكري أو سياسي، ففكرة عدم ارتداء الحجاب، والاتجاه نحو ترك الشعر منسدلا على الأكتاف راودت سهير بعد عدة أشهر من الحصول على عمل في إحدى الشركات المرموقة في منطقة مصر الجديدة، حيث الأجواء تدعو إلى ذلك، أساليب الترقي بالمكان مرتبطة بالحداثة ولفت الانتباه.

منار تقول إن علاقتها بصديقتها القديمة سهير مازالت قائمة لكن شابها بعض الفتور بسبب اتخاذ كل منهما طريقا على المستوى المهني، والشخصي، حيث تعمل سهير في مجال العلاقات العامة بشركة خاصة في مصر الجديدة، حصلت على الوظيفة بعد معاناة كبيرة في البحث عن عمل يناسب مؤهلاتها الدراسية.

تجزم منار أن صديقتها كانت قبل الانضمام للعمل ملتزمة بأمور دينها بشكل كبير، ومازالت حتى الآن متمسكة بهذا الالتزام، لكن الأمور صارت بها نحو هذا القرار بعد عدة أشهر من عملها حيث قدم لها عرض مغري من قبل أحد زملائها في العمل بالانضمام لشركة أخرى منافسة، لكن بشرط التمتع بعدة مواصفات.

الشروط التي كانت تطلبها الشركة الجديدة كانت متوافقة تماما مع سهير لكن شرط وحيد وجدت نفسها مجبرة عليه، وهو أن تكون غير محجبة مثلها مثل كل الموظفات بالمكان، وبالفعل وافقت على الشرط، وتخلت عن الأمر، وبعد فترة تعودت على الأمر وباتت مقتنعة به، خصوصا بعدما قرأت بعض الآراء الدينية التي تؤكد أن الحجاب ليس فرضا دينيا.

خطوة ما بعد الـ30

بعد ازدياد الحديث عن فكرة ارتداء الحجاب من عدمه، نشر محرر «شبابيك» سؤالا استطلع فيه حكايات بعض من تخلين عن حجابهن لسبب غير ديني أو فكري، لتأتي الإجابات كسيل من المطر، وبعيدا عن الحكايات أبدت بعض الفتيات المحجبات هجوما كبيرًا على فكرة التراجع عن الحجاب، سواء لأسباب دينية أو غير دينية، بحجة أن الأمر يمثل معصية كبيرة، ويجب توجيه نصائح لمن تفعل ذلك.

في إحدى التعليقات كتبت إحدى الفتيات قصتها مع الأمر ففي بداية حياتها كان لها أخ ملتزم دينيا وأجبرها على ارتداء الحجاب في المنزل رغم أن أختها الكبرى لم تكن محجبة، إلا أنه لم يستطع فرض سيطرته عليها لأنها أكبر منه بعدد كبير من السنوات فاتجه لممارسة دور الوصي عليها بحسب وصفها، إلا أنها لم تتقبل الأمر طوال فترة مراهقتها، وكانت تحلم بأن تتخلص منه في يوما ما.

تكمل الفتاة قصتها قائلة إنها بعد التخرج من الجامعة والحصول على عمل مناسب بدأت تراودها الفكرة مرة أخرى، خصوصا أن غالبية صديقاتها غير محجبات، لذا قررت أن تنضم لهن، لتعود لما كانت عليه بعد تخطي الثلاثين من عمرها.

طلاق غير مجرى الحياة

في تعلق لها سردت سيدة أخرى حكايتها، قالت إنها تقترب حاليا من عامها الأربعين، مشيرة إلى أنها لم تقرر خلع الحجاب بسبب الاقتناع بفكرة ما أو حتى تخلى عنها، فالأمر كان رغبة منها في تغيير حياتها، الحصول على حياة جديدة.
حدث ذلك عندما خاضت السيدة تجربة زواج فاشلة وبعد عدة سنوات تعرضت للانفصال من زوجها، «كل الذكريات كانت أليمة وكنت أبحث عن حياة جديدة، فقررت أني أغير حاجات في حياتي من ضمنها شكلي».

كان الأمر أقرب لتمرد على زوجها حتى بعد طلاقها منه، تقول: «عشت حوالي 10 سنين كلهم تحكمات متكلميش ده متخرجيش غيري لبسك، وكنت أقول حاضر فقط» لذا بعد الطلاق قررت أغير كل حياتى وأصاحب ناس جديدة، ومختلفة تماما « كنت عايزه أشوف مستقبلي و أدرس و أشتغل».

بعض الفتيات ممن شاركن في الإجابة على السؤال قلن إن في الغالب ليس الهدف من خلع الحجاب البحث عن وظيفة جديدة، أو أصدقاء جدد أو حتى تغير نمط الحياة، فكتب إحداهن، «رغم إني مش محجبة الا أن الرزق بيجي باذن الله مش بمظهر ولا بحجاب أو من غيره».

وفي منشور آخر كتبت فتاة ثانية تدعى أمل على حسابها في فيس بوك إن خلع الحجاب ليس «شطارة» مشيرة إلى أنها تخلت عنه منذ أربعة سنوات، إلا أنها باتت ترى في الفترة الأخيرة حكايات غريبة عن الحجاب، ورغبة بعض الفتيات في التخلي عنه فقط لمجرد أنها تبحث عن لفت الانتباه، أو زوج.

وتقول إنها تخلت عنه لأنها ليست مقتنعة بالفكرة عموما، لكنها تفاجئ كل فترة بفتاة قررت تخلعه لمجرد توصيل رسالة فقط بأنها «حلوة».

ومن ناحية أخرى تحكي فتاة أخرة لـ«شبابيك» أن تعرف كثير من الفتيات اللاتي تخلين عن الحجاب هربا من العنوسة، وبحثا عن زوج وللأسف جاء الأمر معهن عكسي، حيث لم يعد يتقدم أحد لخطبتهن.

وتكمل: أنا أعمل في مكان غالبية موظفيه رجال، وأراهم يلتفون حول السيدات غير المحجبات، ويكون الإعجاب واضح جدا في أعينهم، ويقدمن مجاملات كثيرة من عينة «فستانك شيك تحفة..  كنت موزه» ومن خلفهن يرددن عبارات أخرى من عينة «عايزة تقلع وتبقي ملط».

كبت ديني

تفسير نفسي يذهب إليه استشاري الطب النفسي، جمال فرويز، في تحليله لوقائع الفتيات اللاتي يقدمن على خلع الحجاب من واقع استماعه لبعضهن في عيادته التي يعالج فيها من لديهم شكاوى نفسية، حيث أن مرجع الأمر في الغالب كبت.

فروزير يقول إن المجتمع المصري بات مؤمنا بأفكار ظاهرية أكثر منه إيمان واقعي، حيث أن غالبية الأسر تجبر بناتها على ارتداء الحجاب وهن في بداية سن المراهقة، ولا يراعين اقناعهن بالفكرة فقط تقليد.

بعض الفتيات يقتنعن بالفكرة، وأخريات يتحين الفرص لحين السماح لهن بذلك، مرة بسبب الزواج من رجل يترك لها الحرية، أو الالتحاق بوظيفة تحقق لها الاكتفاء المادي، أو أسباب أخرى.

ويشير إلى أن فكرة الحجاب في مصر تحولت من كونها مظهر ديني، لمجرد ثقافة يمكن التمرد عليه بمجرد الوصول لسن معين.

يحكي فرويز عن بعض الفتيات اللاتي يأتين للعيادة لديه لتوقيع الكشف النفسي عليهن، آخرهن كانت فتاتين جاءت  وهن منتقبتين إلا أن إحداهن تعاني من اكتئاب نفسي كبير، فهي منتقبة لكنها لا تصلي ولا تصوم رمضان.

ويشير إلى أن السيدة البالغ عمرها 38 عاما لا تؤدي أي طقس ديني بينها وبين نفسها لكن في الظاهر هي منتقبة، ومتدينة هذه الازدواجية شكلت للسيدة حالة اكتئاب لا تعرف كيف تتخلص منها.

ويشير إلى أن الحالة الأخيرة التي انتشرت في المجتمع المصري، باتت أكثر ظهورا بسبب كثرة الحديث عن هذا الأمر في الإعلام حيث أعطى ذلك لكثير من الفتيات فرصة للجرأة واتخاذ خطوات في هذا الطريق.

عبدالغني دياب

عبدالغني دياب

صحفي مصري متخصص في الشؤون السياسية والاجتماعية