رئيس التحرير أحمد متولي
 صحراء جرداء وثكنات للجيش.. حي العباسية قبل 160 عاما

صحراء جرداء وثكنات للجيش.. حي العباسية قبل 160 عاما

لم يكن يعلم أبناء المحروسة منذ 160 عاماً، أن المنطقة الصحرواية الشرقية التي تقع على أطراف القاهرة والتي لم يكن يستطيع أحد أن يطأها بقدمه منفردا، ستتحول في يوم ما إلى منطقة سكنية عامرة، بل وستكون نقطة انطلاق لتعمير مناطق أخرى. لكن هذا ما حدث بالفعل مع «العباسية».

كانت أرض العباسية مجرد صحراء جرداء تقع شرق القاهرة، ومن المؤكد أنها أول ضاحية للعاصمة. كانت على الطريق المؤدي  إلى قريتي المطرية وهليوبوليس، أو واحات عين شمس. لكنها التحمت بالقاهرة نفسها، بل وكانت سبباً في امتداد العمران إلى الشرق أكثر حيث مدينة نصر، وإلى الشمال الشرقي حيث هليوبوليس أو مصر الجديدة.

ثكنات الجيش

وضع أساسها عباس حلمي الأول باشا والي مصر الذي تولى الحكم بعد وفاة الوالي الثاني إبراهيم باشا في عام 1848، واستمر والياً على مصر حتى عام 1854. فقد قرر عباس الأول تشييد ثكنات للجيش المصري على حافة الصحراء، ووضع أسس هذا الحي وشجع الناس على تعمير هذه المنطقة عن طريق منح الأراضي وتشييد مستشفى ومدرسة وقصر.. وسار على منواله الوالي الرابع سعيد باشا.

إلا أن الطفرة الأساسية كانت في عهد إسماعيل باشا الذي أنشأ عدة مدارس عسكرية فيها، ونقل إليها مدرسة الضباط «المدرسة الحربية» حتى يسهل على التلاميذ القيام بالتمرينات الحربية وضرب النار.

ففي عام 1863 أنشأ إسماعيل المدرسة التجهيزية بالعباسية والتي نُقلت بعد فترة إلى درب الجماميز عام 1868 وعُرفت باسم المدرسة الخديوية، وفي عام 1863 أيضاً أنشأ مدرسة المبتديان التي نقلت بعدها إلى حي الناصرية ثم إلى حي المنيرة.

كما أنشأ مدرسة البيادة «المشاة» 1864، وكان عدد تلاميذها عند الإنشاء 490 تلميذاً، ثم مدرسة السواري «الفرسان» عام 1865، ومعها في نفس العام أنشأ إسماعيل باشا مدرسة الطوبجية «المدفعية»، ومدرسة أركان حرب، ثم مدرسة الري والعمارة وسميت «المهندسخانة» 1866 بسراي الزعفران التي أنشأها إسماعيل باشا، والتي نقلت بعد ذلك إلى سراي درب الجماميز ثم إلى الجيزة.

وسُمي هذا القصر الضخم بالزعفران نسبة إلى نبات وزهرة الزعفران التي كانت تنمو كثيراً في المنطقة، وهو نفس القصر الذي تشغله الآن إدارة جامعة عين شمس.

غارات الح​​​​​​​رب

والمؤكد أن كل هذه المنشآت العسكرية وضعت الأساس السليم لحي العباسية الذي كانت بدايته سراي ضخمة أقامها عباس الأول، ثم بتشجيع من إسماعيل وتسهيل في تملك الأراضي انطلق الناس يعمرون العباسية، ثم العباسية الشرقية. وإن كان البعض يرى في ذلك ابتعاداً عن قلب العاصمة.

ولكن بسبب جفاف جوها وارتفاع أرضها أقبل الناس على سكنى العباسية حتى توسعت، وإن أصيبت بضربة شديدة خلال سنوات الحرب العالمية الثانية بسبب غارات الطائرات الألمانية والإيطالية على المعسكرات الإنجليزية في العباسية.

الثورة العرابية

وحي العباسية له تاريخ حافل في سجل العسكرية المصرية خلال أحداث الثورة العرابية. في يوم 18 فبراير 1879 عقد 600 ضابط مصري اجتماعا في ثكنات الجيش بالعباسية، وخرجوا على إثره في مظاهرة عسكرية اشترك فيها طلاب المدارس العسكرية وبعض الجنود وثلاثة من أعضاء مجلس شورى النواب، وتوجهوا إلى مقر وزارة المالية في لاظوغلي بقيادة البكباشي لطيف سليم.

وهناك تربصوا برئيس النظار نوبار باشا والمفتش الأجنبي «الوزير» ويلسون عند خروجهما من النظارة «الوزارة» التي كانت مقراً لإسماعيل باشا المفتش «إسماعيل صديق»، وضربوهما ضرباً مبرحاً وسجنوهما في داخل الوزارة ولم ينقذهما إلا الخديوي إسماعيل. وفي اليوم التالي سقطت وزارة نوبار، ولكن بعد أن أثبتت مظاهرة الضباط قدرة الجبهة الوطنية المصرية الرافضة للتغلغل الأجنبي.

وقد امتدت حركة العمران في العصور التالية، فشهدت العباسية إنشاء المستشفى اليوناني والمستشفى الإيطالي بعد إنشاء مستشفى الأمراض النفسية. وظل اسم العباسية قائماً لأنه كان من الصعب تغييره بزوال حكم أسرة محمد علي عام 1953.

وتضم العباسية وزارة السياحة ووزارة الكهرباء، كما تضم جامعة عين شمس بكلياتها جميعًا عدا كلية الزراعة التي تقع بشبرا الخيمة وكلية التربية التي تقع بمنشية البكري في مصر الجديدة.

وداخل حيزها تقع مقر الكاتدرائية المرقسية للمسيحيين الأرثوذكس، ومعهد الدراسات اللاهوتية، ومسجد النور بميدان العباسية، ومسجد المحمدي وهو أشهر مساجد العباسية وأقدمها، إضافة إلى كنيس موسى بن ميمون.

المصدر

  • كتاب «شوارع لها تاريخ». عباس الطرابيلي.

محمد أحمد

محمد أحمد

صحفي يكتب في التراث والثقافة الشعبية