رئيس التحرير أحمد متولي
 عزة سلطان تكتب: في الفلانتين.. يحيا السناجل

عزة سلطان تكتب: في الفلانتين.. يحيا السناجل

أهرب من حُبك أروح على فين؟ ليالينا الحلوة في كل مكان، مليناها حب احنا الاتنين! هكذا تشدو أم كلثوم في رائعة مأمون الشناوي «دارت الأيام» وبلحن لمحمد عبد الوهاب.

الثابت من المعنى أن الأحبة كانوا يحملون مشاعرهم أينما ذهبوا، بل والواضح أيضًا أن هناك أماكن تسمح لهم بتبادل المشاعر، والمؤكد كذلك أنه يوجد حبايب ما شاء الله.

هل نعرف كيف نحب؟

الله محبة تلك أمور من البديهيات، فالله الذي خلق الجمال من حولنا، بذر في قلوبنا الحب، وجعل قلوب العباد بين أصابعه يقلبها كيفما شاء، كما جاء في الحديث القدسي، لماذا إذن ضاع الحب؟

ثمة انهيارات قيمية ومجتمعية خلال الأربع عقود الماضية، تصدعات بسيطة الواحد تلو الآخر، وانهيار بعد انهيار، لا نتحدث عن المرض، ولكن نتحدث عن صحة المريض التي تراجعت.

حين يرتبط شاب وفتاة أين يجدان مكان يمكنهما فيه أن يتحدثا، يصرحان فيه بمشاعرهما، للأسف لا يوجد، فالكورنيش يتقاسمه الباعة الجائلون، والحدائق العامة اختفت، ناهيك عن الصور الذهنية سيئة السُمعة عن أي فتاة تجلس مع شاب، وكم الغمز واللمز، وفى المساء ستقف الشرطة.. ربما يتجاوزون عن وجود بعض الأحبة وربما لا.

إن كنت مرتبطا عاطفيًا فلا بد أن يكون معك تكلفة مشاعرك، حتى تستطيع أن تجلس في أحد الكافيهات مرتفعة التكلفة، ونادرًا أن يستبقيك العاملون بالمكان لوقت طويل دون طلبات متجددة، باختصار اللي ممعهوش ما يلزموش؟

الواقع خارج المنزل لا يختلف عن داخله، فالأم إن علمت بأن ابنها متورط في الحب أو ابنتها فإن الأمر يشوبه السخرية، والكلام النازع للثقة والمشفوع بعمر الشاب أو الفتاة، وإمكانيات كل منهما خاصة الشاب، إذن نحن أمام مجتمع يستلزم أن يكون الحب ضمن مشروع الزواج وإلا فهو غير مسموح به.

وكأن كل علاقة حب عليها أن تنجح، وأن تكون نهايتها الزواج، أو قلوب مكسورة، فتاة ضحت بالحب من أجل عريس مناسب، أو شاب ذهب لأخرى. إذن نتحدث عن الحب في مرحلة الخطوبة.

المجد للزيف!

الله محبة تلك أمور من البديهيات، فالله الذي خلق الجمال من حولنا، بذر في قلوبنا الحب، وجعل قلوب العباد بين أصابعه يقلبها كيفما شاء، كما جاء في الحديث القدسي، لماذا إذن ضاع الحب؟

في بدايات الخطوبة لا تسعي الفتاة للكشف عن حقيقتها، وكذلك الشاب، كل منهما يتجمل ربما بصفات ليست فيه، تكثر مساحيق التجميل، ومساحات الامتلاك غير المبررة والغيرة المفرطة كإشارة للحب، فهل يُمكن أن نُسمي المشاعر في هذه المرحلة حبًا حقيقيًا؟

في مرحلة الاستعداد للزواج تكون مرحلة الأعمال الشاقة، كل من الطرفين منهمك في الاستعدادات والشراء وتوفير مستلزمات الزواج، ولم تنجح الأزمة الاقتصادية في تغيير هذه السمات المضنية، فيلجأ طرف أو ربما الطرفين للاقتراض، ذلك أن وجود شقة وعقد رسمي هو مصوغات تبادل الحب في ظل مجتمع يسخر من المشاعر.

أنا عايزة ورد يا...

لم يفهم إبراهيم طلب زوجته، إذ أنه كرجل مصري أصيل لا يعترف بهذه النوعية من الهدايا للزوجة.. مجرد مشهد في فيلم، وإفيه يتبادله الجميع على سبيل السخرية، لكنه كاشف عن واقع مرير ومتجذر عند شعب لا يتعامل مع فكرة الهدايا؛ صحيح أن حديثًا عن الرسول صلى الله عليه وسلم «تهادوا تحابوا»، لكننا انتقائيين حتى مع الدين، نأخذ ما يبرر رغباتنا.. مجتمع يعشق الاجتماعيات لكنه لا يعرف الهدايا، لدينا النقطة (مبلغ مالي يتم دفعه) في حالات الزواج والولادة.. نتشارك المناسبات، بالأكل، لكن أين الهدية؟ حتى في عيد الأم فإن غالبية الهدايا تكون للاستعمال المنزلي فقليلون من يفكرون في هدية شخصية للأم.

«المخدة ما تشيلش اتنين حلوين»

مثل شعبي يعكس حال عكس مفهوم الزواج القائم على الشراكة والترابط، لكنه أيضا يوضح أن اختياراتنا خاطئة في كثير منها، إذا كان الرجل يؤمن بفكرة الهدايا طحنته ظروفه المادية والغلاء الناهش في الجميع، وإذا استطاع أن يفز بما يوفر له ثمن هدية قابلته زوجته بفتور ولا مبالاة، خاصة إن جاءت الهدية على غير هواها.

وإن كانت الزوجة تحتفظ ببعض ميراث الرومانسية لا تجد فتى الأحلام المُشارك في الامتنان والسعادة، فالهدية لا بد أن تكون زوجة مستعدة لليلة خاصة، بيت مرتب، أطفال نائمين أو غير موجودين بالمنزل.

وفي ظل تراجع المشاعر الحقيقية يُصبح الأفراد (السناجل) هم الأكثر راحة، فبينما أظهرت العولمة نمطها الاستهلاكي في أعياد ومناسبات لم نكن نعرفها من قبل، بات يوم الفلانتين لون بصبغة حمراء، ورود ودباديب وهدايا تكتسي باللون الأحمر، هو موسم يمتد لبضعة أيام وعلى الطرفين تقديم الهدايا بما يليق بمشاعر جارفة، يذهب المكسب المادي لأصحاب المحال المبالغين في أسعارهم خاصة أسعار الورد المرتبط بصفة أساسية بهذا اليوم.

إن كانت الزوجة تحتفظ ببعض ميراث الرومانسية لا تجد فتى الأحلام المُشارك في الامتنان والسعادة، فالهدية لا بد أن تكون زوجة مستعدة لليلة خاصة، بيت مرتب، أطفال نائمين أو غير موجودين بالمنزل.

السناجل في هذه اليوم غير مطالبين بالاصطفاف أمام محلات الورد، ولا متجولين بحثًا عن هدية تليق بالشريك وتتناسب مع الميزانية. السناجل هم الأكثر راحة، حتى وإن كان اليوم تأكيد لوحدتهم الأصيلة.

لكننا بحق بحاجة إلى وقفة حقيقية. الحب ليس يومًا واحد، ولا حدثا سنويا، نحن بحاجة إلى الحب كي نمرر مصاعب الحياة، بحاجة إلى نظرة محبة حقيقية على وجه شاب وفتاة لم يكترثا بالعالم، نحتاج ألا نرى السخرية وكلماتها في عيون المحيطين، نحتاج عودة الأماكن العامة، التى تكفل لنا مساحات آمنة لتبادل الرأي والمشاعر.

نحتاج أن يعترف المجتمع أن الحب علاقة يجب أن تُحترم، من الضرورة أن نغرس في أولادنا مفهوم الهدية وقيمتها، الهدية التي تصرح باهتمام حقيقي، هدية تليق بالمناسبة وخاصة بصاحبها، نحتاج الكلمة الحلوة والابتسامة المشرقة، عناق دافئ، ولمسة يد داعمة.

الحب يمحو ملوحة الزمن، ويجعل الحياة مقبولة، فاتركونا نُحب.

المقال المنشور في قسم شباك يعبر عن رأي كاتبه وليس لشبابيك علاقة بمحتواه