رئيس التحرير أحمد متولي
 «المزينين» من 180 سنة.. سنوا الموس على الحجر وكسبوا الزبون بـ«الشيشة»

«المزينين» من 180 سنة.. سنوا الموس على الحجر وكسبوا الزبون بـ«الشيشة»

كان للحلاقة في مصر في القرن التاسع عشر سمات ميزتها عن باقي المهن الأخرى واصطبغت بمعطيات تلك الفترة. في كتابه «طوائف الحرف في مدينة القاهرة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. 1841 / 1890»، استعرض الدكتور نبيل الطوخي طريقة عمل الحلاقين آنذاك.

شبك وقهوة في انتظار الزبون 

امتاز الحلاقون المصريون بالحذق والرشاقة في مهنتهم، والطريقة التي كانوا يتبعونها غريبة في ذاتها، وكانت تبعث على الملل وهي أن يجلس الإنسان على الكرسي الخشبي داخل حانوت (دكان) الحلاق، حتى يقدم إليه المعلم صاحب الحانوت شبكاً (الشيشة)، ثم يأخذ فنجانًا من القهوة، ثم ينتظر وقتًا طويلا حتى يأتي دوره.

وعندئذ يجد فوق رأسه ساقًا معدنية، مثبتة من طرفها في الحائط أو السقف، وحاملة في الطرف الآخر آنية معدن تشبه القُمع، مثقوبة ثقبًا ضيقًا، فبينما يحمل بيديه صحنًا من المعدن تحت ذقنه، ينسكب من الآنية المعلقة ماء فاتر على رأسه، يستعمله الحلاق لغسل رأسه ووجهه ورقبته بالصابون، فإذا كان بالرأس شعر غسله واستغرق زمنًا طويلًا في حكّه بأظافره، ثم يجفف رطوبة الماء بمنديل، ويلف رأسه بمنديل آخر.

ويرطب الحلاق لحية زبونه بالماء ترطيبًا جيدًا، ويتناول «موس» مصنوعة في ألمانيا، وكان الحلاقون يستعينون بحجر يسنون عليه الموس بواسطة قطعة من الجلد بحيث تصبح صالحة للاستعمال.

ينسكب من الآنية المعلقة ماء فاتر على رأس الزبون، يستعمله الحلاق لغسل الرأس

القدم اليسرى ورأس الزبون 

وكان الحلاق يرتكز بقدمه اليسرى على الكرسي الخشبي، ثم يسند رأس الزبون إلى ركبته بعد تغطيته بمنديل، ويشرع في إزالة الشعر مبتدئا من أعلى الخد اليسرى إلى أسفلها، ثم ينتقل إلى الخد اليمنى مكررا هذه العملية ذاتها.

فإذا انتهى منها وقف تجاهه وبدأ يسوّي شعر اللحية والشاربين، ويزيل ما يعثر عليه في الوجه من الشعرات الشاذة، ويقوم الحلاق بعد ذلك بتسوية الحاجبين بشكل يجعلهما تاميّ التقوس.

وزيادة في النظافة فإنه كان يقص الشعيرات الموجودة داخل الأنف، ثم يقص بعد ذلك ما يجده من شعر حول الأذن، وكل هذه العمليات تتم بالبطء، لأن الأحاديث والمحاورات تتخللهما حتما، هذا إلى جانب أن الحلاق قد يترك زبونه ليحتفي بزبون آخر دخل حانوته فيقدم له شبك التبغ ويجهز له فنجان القهوة.

وعقب الانتهاء من الحلاقة يقوم صبي الحلاق بتقديم مرآة إلى الزبون ليرى فيها نفسه، ويمعن النظر في حلاقته ليحكم بما إذا كانت قد جاءت وفق المراد، فإذا لم يكن فيها ما يوجب الانتقاد قام الحلاق بتسوية شعر الزبون، ثم يقوم بتغطيته بالطربوش أو العمة، وهذه العملية تستغرق عادة من عشر دقائق إلى نصف ساعة.

عقب الانتهاء من الحلاقة يقدم صبي الحلاق مرآة إلى الزبون ليرى فيها نفسه


الحلاق يجري الختان والعمليات الجراحية

ولم يقتصر عمل الحلاق على الحلاقة فقط، وإنما كان يقوم بعملية الختان للأطفال وسط مظاهر الفرح من الأهل والأصدقاء، ويقوم أيضا ببعض العمليات الجراحية الصغيرة.

وكان مجلس الصحة لا يسمح بفتح دكان مزيّن إلا بعد امتحانه بحضور شيخ الطائفة، فإن أجاب رخّص له بإذن من طرفه، مبينا فيه الصنعة المأذون بها من أنواع الجراحة الصغيرة، ويدفع رسما عشرة قروش صاغ.

وقد عمل بعض الحلاقين لدى الحكومة في بعض مصالحها، فمثلا تم تعيين حلاق في مدرسة الطوبجية، وكان ذلك بهدف الحفاظ على نظافة التلاميذ، وكان الحلاق يأخذ عن كل يوم قرشين أجرة، وكعادة الأجانب تلك الفترة، فلم يتركوا مهنة إلا وعملوا فيها، فعمل بعض الأجانب في هذه الحرفة مثل «المسيو شاتو» الحلاق الأفرنكي.

المصدر

  • كتاب «طوائف الحرف في مدينة القاهرة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. 1841 / 1890». الدكتور نبيل الطوخي.

محمد أحمد

محمد أحمد

صحفي يكتب في التراث والثقافة الشعبية