رئيس التحرير أحمد متولي
 مذبحة القلعة.. الخطة والتنفيذ والحالة التي كان عليها محمد علي

مذبحة القلعة.. الخطة والتنفيذ والحالة التي كان عليها محمد علي

كان محمد علي باشا يدرك تماما أن المماليك يمثلون عقبة كبيرة أمام أحلامه بتأسيس جيش نظامي قوي، وبناء دولته الحديث، لذا عقد العزم على التخلص منهم عبر ما عُرف بـ«مذبحة القلعة»، والتي روى وقائعها المؤرخ عبد الرحمن الرافعي في كتابه «عصر محمد علي».

الخدعة في موكب طوسون

دعا محمد على أعيان المماليك إلى احتفال كبير بمناسبة تنصيب ابنه «طوسون» قائداً لحملة تتوجه إلى الحجاز لمحاربة الوهابيين، ولبى المماليك الدعوة وتوجهوا فى أبهى زينة وأفخم هيئة، وبلغ عدد المدعوين منهم نحو 10 آلاف شخص من كبار القوم، ومختلف الطوائف.

تناول المماليك الغداء، وأطلقوا الغناء، حتى نادى المنادى برحيل موكب طوسون باشا، فعزفت الموسيقى وانتظم قرع الطبول، وبدأ الموكب في السير منحدرا من القلعة إلى «باب العزب».

لم يكد الجنود يصلون إلى هذا الباب حتى ارتج الباب الكبير بإغلاقه من الخارج في وجه المماليك، وتحول الجنود بسرعة عن الطريق ليتسلقوا الصخور على الجانبين وأمطروا المماليك بالرصاص، وحاولوا الفرار لكن بنادق جنود الباشا كانت تحصدهم من كل مكان بلا رحمة، حتى وصل ارتفاع الجثث في بعض الأمكنة إلى أمتار.

محاولات يائسة للهرب 

حاول بعض المماليك الهروب لكن دون جدوى، مثل شاهين بك الألفي الذي تسلق الحائط وصعد إلى رحبة القلعة وانتهى إلى عتبة قصر صلاح الدين، فعالجه الجنود الأرناؤود برصاصة أردته صريعاً.

كما استطاع سليمان بك البواب أن يجتاز الطريق وجسمه يقطر دماً، ووصل إلى سراي الحرم، واستغاث بالنساء صائحاً «في عرض الحرم»، وكانت هذه الكلمة تكفي في ذلك العهد لتجعل من يقولها في مأمن من الهلاك، ولكن الجنود عا لجوه بالضرب حتى قطعوا رأسه، وطرحت جثته بعيداً عن باب السراي.

وتمكن بعض المماليك من الوصول إلى طوسون باشا وهو راكب على جواده فتراموا على أقدامه طالبين الأمان، ولكنه وقف جامداً لا يبدي حركة حتى عاجلهم الجنود بالقتل.

امتلأت ساحة القلعة بالجثث، ولم ينج من المذبحة إلا اثنين، الأول هو أمين بك، والذي اختلفت الآراء حول طريقة هروبه، فذكر البعض أنه كان فى مؤخرة الركب، ولما شعر ببداية إطلاق النار قفز بفرسه من فوق سور القلعة، وتركه يلقى مصيره وفر هاربا إلى الشام، في حين ذكر آخرون أنه جاء متأخرا إلى الحفل، ولما وجد الباب مغلقاً شعر بالمكيدة ففر إلى الشام.

 أما المملوك الثاني الذي نجا من المذبحة فيدعى على بك السلانكلي، فلم يحضر الاحتفال لانشغاله فى إحدى القرى.

حاول بعض المماليك الهروب من جحيم مذبحة القلعة لكن دون جدوى

كيف كان محمد علي وقت المذبحة؟

ولتنفيذ خطته في التخلص من المماليك أحكم محمد علي باشا تدبير المؤامرة، فلم يقف على سرها إلا أربعة من خاصة رجاله، وهم حسن باشا قائد الجنود الأرناؤود، والكتخدا بك محمد لاظ أوغلي، وصالح قوش أحد ضباط الجند، وإبراهيم أغا حارس الباب.

وصالح قوش هذا كان يقود كوكبة الجنود الأرناؤود في الموكب، وهو الذي أمر بإقفال باب العزب وأعطى إشارة القتل إلى رجاله.

وبينما كان صالح قوش يتأهب لتنفيذ المؤامرة كان محمد علي جالساً في قاعة الاستقبال، ومعه أمناؤه الثلاثة، وظل في مكانه هادئاً إلى أن بدأ الموكب يتحرك، وعندما اقتربت اللحظة الرهيبة ساوره القلق والاضطراب، وساد القاعة صمت عميق، إلى أن سمع إطلاق أول رصاصة، وكانت إيذانا ببدء المذبحة، فوقف محمد علي وامتقع لونه، وعلا وجهه الاصفرار، وتنازعته الانفعالات المختلفة، وأخذ يسمع صوت دوي الرصاص وصيحات الذعر والاستغاثة وهو صامت لا ينبس بكلمة، إلى أن حصد الموت معظم المماليك. وفق ما يحكيه الرافعي.

أخذ صوت الرصاص يتضاءل، وكان ذلك إعلانا بانتهاء المذبحة، وعندئذ طلب قدحا من الماء فشربه جرعة طويلة، وخرج الكتخدا بك وأخذ يجهز على الباقين من المماليك.

فوضى ونهب لبيوت المماليك

سرعان ما ذاع الخبر بسرعة البرق إلى الجماهير القريبة من القلعة والتي كانت تنتظر خروج موكب طوسون باشا، فتفرقوا وهرعوا إلى منازلهم، وأُقفلت الدكاكين والأسواق، وخلت الشوارع والطرقات من المارة.

وأعقب هذا الذعر نزول جماعات من جنود الأرناؤود إلى المدينة يقصدون بيوت المماليك في أنحاء القاهرة، فاقتحموها وأخذوا يفتكون بكل من يلقونه فيها من أتباعهم، وينهبون ما تصل إليه أيديهم، ويغتصبون من النساء ما يحملن من الجواهر والحلي والنقود، واقترفوا في ذلك اليوم واليوم الذي تلاه كثير من الجرائم.

غير أن القتل والنهب تجاوز إلى البيوت المجاورة، فبلغ عدد المنازل المنهوبة خمسمائة منزل، حتى اضطر محمد علي إلى النزول من القلعة وحوله رؤساء جنده وحاشيته لوضع حد للنهب والاعتداء، فمر بالأحياء المهمة التي كانت هدفا لعدوان الأرناؤود، وأمر بقطع رؤوس من استمروا في النهب والاعتداء.

المصدر

  • كتاب «عصر محمد علي». عبد الرحمن الرافعي.

محمد أحمد

محمد أحمد

صحفي يكتب في التراث والثقافة الشعبية