رئيس التحرير أحمد متولي
 الفيل الأزرق 2.. فجوات درامية لم توقفه عن عرش أرباح السينما المصرية!

الفيل الأزرق 2.. فجوات درامية لم توقفه عن عرش أرباح السينما المصرية!

صعد فيلم الفيل الأزرق 2 بخطوات ثابتة إلى قائمة أعلى الإيرادات في تاريخ السينما بأرباح فاقت الـ85 مليون جنيه، ليكون العرش ملكه حتى هذه اللحظة، رغم عرضه في موسم استثنائي لعيد الأضحى تواجهت فيه عدة أفلام تمثل جزءًا ثانيًا لأفلام سابقة ناجحة، فشهدت الحلبة صراع «الفيل الأزرق 2» مع «ولاد رزق 2» ثم «الكنز 2» ولكن الفيل سبق الجميع.

كان طرح الفيل الأزرق 2 قبل العيد في مصلحته ليلحق بالنصيب الأكبر من كعكة الموسم، وجاءت الأيام التالية لتثبت تميز الفيلم وتثير التساؤل: لماذا حقق كل هذا النجاح؟ هل اختلف الفيلم كثيرًا عن الموسم الأول؟ الإجابة هي «لا» حتمًا! والسؤال الآن هو: كيف يتحقق النجاح مع التكرار؟

الفيل والعفريت.. كلاكيت تاني مرة

أحد أغلفة الجزء الأول من الرواية

حقق الجزء الأول من الفيل الأزرق نجاحًا جماهيريًا كبيرًا على الورق قبل الشاشة، فقد عرفه شباب القراءة عبر الرواية الشهيرة بنفس الاسم للكاتب أحمد مراد عام 2012، والتي تصدرت قوائم أعلى المبيعات وترشحت لجائزة البوكر المرموقة لتبلغ قائمتها القصيرة، وحين شاهدها جمهور السينما كان النجاح فوريًا وعظيمًا.

استقبل المشاهدون فكرة الفيلم بترحاب، بحبكتها الجديدة عليهم عن كواليس الطب النفسي والجريمة، مع لمحات مع عالم المخدرات والكحول، وفوق كل هذا قصة رومانسية في الخلفية، يعيشها الطبيب النفسي الذي فقد حبه الأول وتدمرت حياته منذ ذلك الحين.

ينتهي الجزء الأول بانتصار الطبيب «يحيى راشد» على عفريت الجن الذي سكن جسد صديقه وشقيق حبيبته، ليتخلص يحيى من عقدة ذنبه تجاه زوجته وابنته اللذان ماتا بسبب إهماله، فنراه في النهاية يتزوج من حبيبته الأصلية بعدما طلبت الطلاق، وتسير به الحياة بسلام في زواج جديد عن حب ولكن.. كل هذا مؤقت طبعًا.

في الجزء الجديد سيعود يحيى المزاجي المتقلب إلى الكحول، وسيشعر بالملل من الالتزامات الأسرية من جديد، بل سيزهد في حبيبته «لبنى» نفسها، وهذه عادة بشرية مقبولة، لكن لحظة.. الفيل الأزرق والعفريت سيعودون من جديد، فكيف كانت العودة أفضل من السابقة مع تشابهها؟!

يحيى.. نائل يريدك مجددًا

نحن لا نعرف الكثير عن ماضي «لُبنى» حبيبة يحيى قبل زواجها منه، نعم أجبرتها الظروف هي أيضًا على الزواج من شخص آخر لا تحبه ولكن.. هل كانت إنسانة طبيعية أم أصابتها عقدتها بخلل نفسي هي الأخرى كيحيى؟ هذا ما يلعب عليه السيناريو ليقدم العفريت «نائل» مرة أخرى.

صديقة لبنى في العمل ترتكب جريمة قتل لأسرتها، وتتكرر مأساة «شريف» من الجزء الأول معها، فتطلب يحيى بالاسم للتحقيق معها، مع العلم هذه المرة أن العفريت موجود ولكن.. ما زال السؤال مطروحًا: أين الجديد هذا الموسم؟ الإجابة في الصورة!

هلاوس سمعية وبصرية «تسحر» الجمهور

تحت تأثير الكحول وفي الأحلام قد يرى الإنسان أي شيء كهلاوس وتخيلات عجيبة، وهذا ما يستغله الفيلم هذه المرة منذ اللحظة الأولى بلا إضاعة وقت، فيرى الجمهور على الشاشة الكبيرة كل ما يريده من عناكب ضخمة وأفيال زرقاء وحوت يسبح في السماء، مما راق للمشاهدين في الإعلان وراق لهم اكثر في السينما.

مع الإنتاج الأضخم في هذا الجزء جاءت المؤثرات البصرية أفضل بشكل كبير بل و«رهيب» لجمهور لم يعتد هذا المستوى من الإبهار، لدرجة وصف البعض الفيلم بأنه «أجنبي» بلا مجاملة، ثم تأتي ألحان الفيلم للموسيقار هشام نزيه وتضع بصمة فريدة.

شريط الصوت الفريد تضمن أغنية من الشعر الأمازيغي الأصلي بصوت عذب رقيق ترافقه الهلاوس البصرية، لتكتمل ملحمة الإبهار مع عذوبة وأصالة الأغنية، إذن نحن أمام صوت وصورة ومونتاج بمستوى فني يستحق قيمة تذكرة السينما، وتمثيل جيد بلا مشاكل كبيرة.. ولكن أين السيناريو من كل هذا؟

استغلال للفرص.. أم شيء آخر؟

إذن هي مواجهة أخرى مع العفريت والهلاوس والطبيعة البشرية المتقلبة، ولكن المفترض أن العفريت هو نفسه! بالتالي يعرف يحيى كيف يواجهه ويهزمه، هذا لم يحدث بالطبع وإلا انتهى الفيلم من أول لحظة، لذا نجد العفريت يتغير هذه المرة عن كل ما عرفناه في الجزء الأول، طريقة تحضيره وصرفه!

هل كان التغير مبررًا؟ بعد رحلة طويلة مع الفيلم لا يجد المشاهد الرابط بين الأحداث ما يقنعه، ويسأل يحيى العفريت «ليه أنا؟» فيجيبه ببساطة «عشان بحب التحدي» وفي محاولة أخرى لربط الجزء الأول بالثاني يبرر السيناريو أن العفريت يفوق كل القوانين وكتب السحر، إذن كيف تم هزمه في المرة الأولى أصلاً؟ هذه كانت النقطة الأضعف في العمل ككل وهي ما ستنغص على الجمهور المدقق متعته.

الفيل الأزرق.. تجربة عربية مفهومة

فيلم The Exorcist يتشابه مع الفيل الأزرق في أمور كثيرة

في عام 1973 كان جمهور هوليود على موعد مع فيلم رعب صادم بعنوان «طارد الأرواح الشريرة The Exorcist» والذي أصبح علامة فارقة في هذا النوع من الأفلام بتحقيقه إيرادات خيالية وفوزه بجوائز نقدية كبيرة.

هذا الفيلم يتشابه مع الفيل الأزرق في نقطتين، الأولى أنه يتحدث أيضًا عن استحواذ عفريت من الجن على جسد بشري، ومن ثم محاولة طرد هذا الجن بالطقوس الدينية مع التعرض للكثير من النواحي الإنسانية وحيرة أبطال الفيلم بين الجانب الميتافيزيقي والجانب الطبي.

النقطة الثانية أن سيناريست الفيلم الأمريكي «ويليام بيتر بلاتي» نقله عن رواية ناجحة له بنفس الاسم، وحين تحدث عن نجاح الفيلم قال «لقد وضعت للجمهور كل ما أراده، جماهير السينما لا يقرأون بل يشاهدون، لقد أرادوا جرعة الرعب والإبهار بغزارة على الشاشة وهذا ما فعلته»

يمكننا بضمير مستريح أن نقول نفس الشيء عن الفيل الأزرق 2، لقد نقل للجمهور العربي المتعطش إلى الإبهار كفايته بأعلى درجة ممكنة حتى الآن، فقد شاهد الرعب وسمعه مما أرضاه، بالإضافة لبعض الإيفيهات المضحكة، فكان الفيلم متكاملاً لمن لا يدقق في الأحداث ويربطها ببعضها، والخلاصة أن الفيلم ممتاز كجزء منفصل عن الجزء الأول، ومن المنطقي أنه أعجب الجمهور المشتاق لهذه الإجادة في جوانب فنية عديدة.

نعم كانت هناك سقطات أخرى غير منطقية كقدرات العفريت الخارقة التي كان يمكنه بها أن يهرب منذ البداية لتدمير الكل، ولكن يُحسب للفيلم أيضًا عرضه لفكرة الرومانسية بين الزوج المتقلب والزوجة التي تحبه، وأكمل هذا الخط الدرامي الذي اعتنى به صُنّاع العمل كما يجب رغم فجوات السيناريو الأخرى.

الفيصل.. في الجزء القادم

هل يأتي جزء ثالث يغطي فجوات السيناريو؟

ينتهي الجزء الثاني من الفيلم بمشهد يطلق الآلاف من علامات الاستفهام في عقول المشاهدين، ويعطي الفرصة لجزء ثالث يفسر هذا المشهد بالذات وربما يفسر التناقضات بين الجزئين السابقين، وهذا ما سيرضي جميع فئات الجمهور بالطبع، الطامح إلي صورة بديعة وأيضًا قصة مترابطة بلا فجوات.

محمود حافظ

محمود حافظ

روائي وصحفي، مهتم بالسينما والأدب ومزجهما بالتاريخ والفلسفة