رئيس التحرير أحمد متولي
 شيماء عبد العال تكتب: في ديسمبر تنتهي كل الأحلام

شيماء عبد العال تكتب: في ديسمبر تنتهي كل الأحلام

"في ديسمبر تنتهي كل الأحلام".. قرأت هذه العبارة يومًا، وكم كانت مُعبّرة حين قرأتها، لم أكن أعرف حينها أن هذا اسم رواية للكاتبة "أثير عبدالله النشمي". وبعيدًا عن الرواية، إلّا أن هذه الجملة تلخص الكثير بالفعل.

عادة، في نهاية كل عام، حين تبدأ في حصر نجاحاتك التي حققتها في العام الذي يوشك على الانتهاء، وتجد أنها لا تَرقى لآمالك، فتبدأ في بناء قصورًا من الأحلام، حول ما يحمله لك العام الجديد، تتخيل أنه سيجمع كل ما فاتك من سعادة ويحمله لك مُركزًا.

ويبدأ العام الجديد، وتمضي الأيام، يُصبح الأمر كأنّك جالسًا أمام شجرة كثيفة الأوراق، تتأمل الأوراق مُتخيلًا أن خلف إحدى الأوراق، هناك ثمرة فاكهة تشتهيها، لا يفصلك عنها سوى سقوط تلك الورقة. مع كل يومٍ يمضي هناك ورقة تسقط.

في أوّل الأمر لا تهتم، إن سقطت ورقة هناك الكثير مازال على فروعه، الأمل مازال قائمًا، الثمرة الشهيّة موجودة، لا شك بذلك. بمرور الوقت، تجد الورق وقد سقط نصفه، هنا فقط تبدأ في الانتباه، ولكن لا بأس مازال هناك الكثير من الأوراق، ولكن حين يزحف العُري نحو الشجرة، ويتبقى فقط 30 ورقة على الشجرة، تبدأ في التوتر، الأمل يَخفُت حتى يكاد يتلاشى، هذا ما تشعر به مع حلول شهر ديسمبر.

في أوّل أيام ديسمبر، تُدرك أن الوقت لم يَعُد في صالحك، أحلامك العريضة وقصورك التي بنيتها تتهدم أمامك، ما تمنيت حدوثه لم يحدث وغالبًا لن يحدث، فلتؤجله للعام الجديد.

في فترة ما من حياتي، وضعت هدفًا ما أمامي، على مدار 4 سنوات، لم أنصرف عنه، في بداية كل عام أتخيّل أن هذا هو العام المُنتظر، ثم.. لا يحدث شيء، ينقضي العام وأظلّ أنا كما كنت، اتمنى.. اتمنى وفقط.

مؤخرًا أدركت مدى حُمق ما أفعل، أربعة أعوام مدة أكثر من كافية كي اكتشف أن ما اتمناه ببساطة ليس لي، لم يُكتب لي يومًا ولن أُدركه أبدًا. حينها فقط، أدركت مدى حماقتي، كم كان العمر هينًا في نظري، كم أضعت من أيام ولحظات لم أهنأ بها فقط لأنّي وجّهت نظري صوب أمرٍ بعينه.

يومًا ما، شاهدت في أحد برامج قناة "ناشونال جيوجرافيك"، تجربة عمليّة لإثبات حقيقة ما. كانت التجربة تقوم على أن يرتدي أحد صُنّاع البرنامج زيًّا مُبهرجًا وغريبًا، بحيث لن يمر جوارك دون أن تنتبه له، فيما يقوم مُقدّم البرنامج بسؤال المارّة إن كانوا رأوه من قبل، ويُريهم صورته، وأجاب الجميع بالنفي.

ليس هذا غريبًا في حد ذاته، ولكن إن عَرفت أن هذا الشخص "ذو الزي الغريب" كان يحوم حول المارّة طوال الوقت، يمينًا ويسارًا، ولم ينتبه له أحد. أفقدهم تركيزهم على الصورة التي بين يديهم قدرتهم على رؤية شخص غير مألوف على بُعد أمتارٍ منهم.

هذا ما حدث لي، وغالبًا هذا ما يحدث لك أيضًا، تضع هدفًا ما صوب عينيك، يُعميك هذا الهدف عمّا حولك، لا ترى كم كَبرت، كم تغيّرت حياتك، كم تعرّفت على أصدقاء جدد، وكم صديقًا فقدت. في النهاية، عندما تُدرك أن تتمناه ليس لك، هنا، وهنا فقط، تعرف كم فاتك أثناء ركضك خلف شيء لم يُكتب لك.

إن جاز لي النُصح، فاسمح لي أن أقول لك، ابق عينيك مفتوحة على اتساعهما، لا توجّه أنظارك صوب أمرٍ بعينه، تركيزك هذا سيمنع عنك رؤية ما يدور حولك. ربما ما يدور حولك يكون سيئًا ولا يستحق أن يُرى، ولكن عدم رؤيته قد يُخيّل لك أمورًا أسوء كثيرًا مما هي عليه في الواقع.

شيماء عبدالعال

شيماء عبدالعال

صحفية مصرية مهتمة بالكتابة في ملف الأدب والثقافة