رئيس التحرير أحمد متولي
 سقوط غرناطة.. «يوم انكسر القادة فانكسرنا»

سقوط غرناطة.. «يوم انكسر القادة فانكسرنا»

مَضت قرونٌ خمسةُ يا غالية .. كأننا نخرجُ هذا اليومَ من إسبانية

في الثاني من يناير عام 1492، شهدت الحضارة العربية والإسلامية أحد أكبر جراحها، لم يتوقف نزيفها إلى اليوم، حضارة ازدهرت وانتعشت وملأت الأرض شرقًا وغربًا بنورها، وخَفُت نورها وقل وهجها حتى انطفأ، ذكرى بعيدة من زمن ولى ليومٍ كنا فيه أعزاء مُكرَمون، وانتهى بنا المطاف مُهجّرون.. حين سقطت غرناطة، آخر ممالك المسلمين في الأندلس.

«فلتبك كالنساء مُلكًا لم تستطع أن تدافع عنه كالرجال» جملة نُقلت على لسان أم أبي عبدالله محمد الثاني عشر لابنها، في رواية لم تَثبُت صحتها، حين وقف على تل يبكي غرناطة بعد أن سلّمها إلى ملك قشتالة، حتى أطلقوا على هذا التل اسم «زفرة العربي الأخيرة».

تل زفرة العربي الأخيرة

تل زفرة العربي الأخير

«المشكلة يا ولد أن قادتنا كانوا أصغر منا، كنا أكبر وأعفى وأقدر، لكنهم كانوا القادة، انكسروا فانكسرنا» لخصت رضوى عاشور، في روايتها الملحمية ثلاثية غرناطة، أحد أسباب سقوط غرناطة، حين تخلّى عنها الجميع وبقيت محاصرة شهورًا، حتى وقعت معاهدة تسليم غرناطة في نوفمبر 1491، بعد أن ظلت تحت حكم المسلمين حوالي 800 عام، وقعت في أيدي القشتاليين في 2 يناير 1492.

عد أن كانوا أعزاءً في بلادهم، أصبح على المسلمين التخلي عن دورهم وأرضهم، أُحرقت حقولهم، كتبهم وتراثهم أمام أعينهم، اُجبروا على التخلي عن دينهم أو الرحيل، مارسوا طقوس عبادتهم في الخفاء، حتى أصبح الكفن حرامًا على الموتى، «لا نضن بالكفن عليكِ، والله لا نضن».. ربما قالها بالفعل أحد مُشيعي جنازة ما حينها وهو يبكي، لتنقلها عنه رضوى عاشور في روايتها.

جنة العريف

جنة العريف

«يقررون عليه الرحيل، يسحبون الأرض من تحت قدميه.. ولم تكن الأرض بساطا اشتراه من السوق، فاصل في ثمنه ثم مد يده إلى جيبه ودفع المطلوب فيه، وعاد يحمله إلى داره وبسطه وتربع عليه في اغتباط.. لم تكن بساطا بل أرضا.. ترابا زرع فيه عمره وعروق الزيتون. فما الذي يتبقى من العمر بعد الاقتلاع؟.. في المساء يغلق باب الدار عليه وعلى الحنين.. تأتيه غرناطة.. يقول يا غربتي! راحت غرناطة.. يسحبونها من تحت قدميه، ولم تكن بساطا اشتراه من سوق بالنسية الكبير».

يـا مـن لـذلة قـومٍ بعد عزهم .. أحـال حـالهم جـور وطـغيان

 

  

غرناطة، كانت دومًا كالعروس ليلة زفافها في حسنها، تتوج ملكة على عرش المدن، قديمًا وحديثًا، ورغم سقوطها إلا أنها حافظت على جمالها ورونقها، وحتى الآن يقف قصر الحمراء شاهدًا على بهاءها. بل ربما كانت أوفر حظًا من مدن إسلامية وعربية، حيث سقطت في يد من حافظ عليها، فيما شهدت مدن عربية أخرى حضارة عظيمة يومًا، وظلت في يد المسلمين حتى فقدت جمالها.


قصر الحمراء

وحتى اليوم، يظل جمال غرناطة فريدًا، يتغنى به الشعراء، حتى قال عنها نزار قباني:

قالت: هنا الحمراء زهو جدودنا .. فاقـرأ على جـدرانها أمجـادي أمجادها؟ ومسحت جرحاً نـازفاً .. ومسحت جرحاً ثانيـاً بفـؤادي يا ليت وارثتي الجمـيلة أدركـت .. أن الـذين عـنتـهم أجـدادي عانـقت فيهـا عنـدما ودعتها .. رجلاً يسمـى طـارق بن زياد

«لا غالب إلا الله» رغم أن هذه الجملة المنقوشة على جدران قصر الحمراء، كُتبت في ظل انتصارات المسلمين، إلا أنها تبقى الجملة الأكثر تعبيرًا عن حال الأندلس والمسلمين، حينها وحتى يومنا هذا.

شيماء عبدالعال

شيماء عبدالعال

صحفية مصرية مهتمة بالكتابة في ملف الأدب والثقافة