رئيس التحرير أحمد متولي
 حسين السنوسي يكتب: الأندلس.. تاريخ تحكيه البسمة والحسرة

حسين السنوسي يكتب: الأندلس.. تاريخ تحكيه البسمة والحسرة

الأندلس جُرح مازال ينزف، أن تكون نصرانيا هو الطريق لإنقاذك من التعذيب القاسي، وإن طلبت الهجرة بأهلك كان مصيرك الحرق أو القتل أو الجلد.

المسلمون حوّلوا «شبه الجزيرة الإيبرية» لجنة نضرة، بدلوا الجهل حضارة، رفعوا الظلم، ونشروا العدل. تاريخ كلما تذكرناه تحسرنا عليه، وعندما عرفنا معالمه ابتسمنا على حضارة قدّمناها لشعوب كانت تعيش في ظلمات الجهل.

ربما كانت الأندلس جزيرة وسط بحر لم يحتمل دينًا غير النصرانية؟ أو أن الوجود الإسلامي في شبه جزيرة إيبيريا، كانت تجربة نمت وتقوّت واستمرت.. ثم هبطت وخارت قواها، عندما تخلت عن الأسس التي قامت عليها.

الأندلس عهد الأمويين

في الثاني من يناير-كانون الثاني، من كل عام، تحتفل إسبانيا بسقوط غرناطة عام 1492 ميلاديًا، 897 هجريًا، حيث سُلمت آخر مدن الأندلس بمعاهدة دولية تنص على حفظ حقوق الأندلسيين.

بعد أن ظل ملوك غرناطة من بني الأحمر يدفعون الجزية لمملكة قشتالة، وتركوا الجهاد، واهتموا بالماديات، فأخذت مملكتهم تتآكل شيئًا فشيئًا.

ومع اتحاد مملكتي قشتالة وأراجون بزواج ملك الأولى فرناندو بوريثة عرش الثانية إيزابيلا، زاد الضغط على مملكة غرناطة، فأعدّ الزوجان جيشًا جرارًا وحاصرا غرناطة، التي لم يستطع ملكها الضعيف الصمود في وجه هؤلاء، فوقع اتفاقية على التسليم.

وما أن تمكن الزوجان فرناندو وإيزابيلا، بدأ بما يسمى محاكم التفتيش،وأصبح القتل والحرق مقابل التنصير دون التهجير.

كانت شبه عملية إبادة ممنهجة راح ضحيتها مئات الألوف بين تهجير وتعذيب وحرق، لذا يعتبر هذا اليوم، 2 يناير، كارثة إنسانية كبرى والاحتفال به تلاعب بالتاريخ وتخليد للجريمة، ولابد أن يعلم الجميع أن الحقوق لا تسقط بالتقادم.

1_1296579600

كل مدعي الديمقراطية على مستوى العالم يعرف أن ما حدث جريمة لابد وأن يعاقب التاريخ أصحابها، ولم تكن حرب استرداد كما أطلقوا عليها حينئذً، وإنما هي حرب ضروس بين فئة تريد البطش والغدر، على فئة أصبح ملوكها ضعفاء ومتخاذلين.

هناك عشرات الجمعيات الحقوقية والتجمعات السياسية والثقافية يرفضون هذا الاحتفال الفاشي المستمر منذ سقوط الأندلس.

الباحث المغربي، هشام زليم، المهتمّ بالشأن الأندلسيّ قال إن الادعاء بأن الأندلس كانت نصرانية قبل مجيء الفتح الأندلسيّ ماهو إلا مسرحية كاثوليكية، بإخراج وإنتاج كاثوليكي وجمهور عاطفي ساذج أو ذو نية سيئة، كان بينهم -للأسف- مسلمون حملوا على عاتقهم الدفاع عن هذه المسرحية البائسة، والاستماتة في نعت الفتح بالاحتلال والغزو وركوب الصعاب لشرعنة "احتلال" الكاثوليك لأرض الأندلس.

ويسقط ادعاء أن الأندلس نصرانية أي بحث تاريخي إذ أن الدعاية الإسبانية ومروجيها من رجال الكنيسة والدولة لا يستطيعون الاعتراف أن «النصرانية» فشلت أمام الإسلام سنة 711م، وقت أن دخل الإسلام الأندلس، بسبب أن أهل الأندلس كانوا على عقيدة آريوس الموحدة لله، والرافضة لألوهية المسيح والمعادية، ويوافق هشام زليم الكثير من الباحثين والمؤرخين في الغرب قبل العرب، والذين يشيرون إلى مراسلات نبوية محمدية منذ العهد الأول للدعوة الإسلامية وصلت إلى جزيرة آيبريا مبكرًا وتلقتها الصدور الموحدة هناك بكل رحب.

من يقرأ تاريخ الأندلس قبل الفتح من مصادره الصحيحة يدرك حجم الخلافات الضروس على من يريد فرض التنصير الكاثوليكي على أهلها الموحدين قبل الفتح الإسلامي، أي أن الصراع مع التوحيد هناك كان يأخذ مأخذًا عميقًا في تلك الفترة حتى شبّه بعض المؤرخين دخول جيش طارق بن زياد بالمنقذ المخلص، الأمر الذي يعتبر تعليلًا وسببًا من الأسباب التي تفسر طواعية دخول سكان جزيرة آيبريا سريعًا للإسلام بعد الفتح لاحقًا. ويمكن مراجعة ذلك من مصادر تحمل وجهات نظر غربية صرفة وموضوعية، وتؤكد هذه الحقائق وتضحض مزاعم نصرانية المنطقة قبل دخول الإسلام والتي بها يتحججّ زعماء نظرية الاسترداد مثل «La revolución islámica en Occidente»، للمؤلف: لاجناسيو أولاجي.

ما أريد أن أقوله أن لا دولة بدون قوة ولا حق بدون رجال يدافعون عنه، المسلمون في الأندلس ذاقو الويلات، وهذا جزء من كل وبعض من كثير فعله الإسبان بالمسلمين، حيث تعرض الأندلسييون إلى تعذيب شديد بوسائل أهمها الحرق، بإستخدم الإسبان طرق الحرق ببطء حتى الموت. كما ابتكروا أساليب تعذيب أخرى مثل تقطيع الأيدي، ومن أبشع الوسائل وأقساها: حصر لسان الضحية بين إثنين من لوحات الحديد الساخن، فإن اللسان المحروق يعيق النطق فتتحول تعابيره إلى صرخات مكتومة وقد أضيفت هذه الوسيلة فقط لتسلية الجمهور!

تعذيب المسلمين بالأندلس

لم يكن هناك بلد واحدة تسمى إسبانيا وإنما كانت عبارة عن ممالك وبلدان متناثرة، وما يعتقده البعض بأن إسبانيا أمة واحدة خطأ تاريخي لابد من معرفته، فشعار إسبانيا الآن هو أكبر دليل على أنهم مجموعة ممالك منفصلة و لم يوجدوا ككيان إلا بعد سقوط الأندلس التي على إثرها توحدوا بعد حروب.

وبملاحظة الشعار ففي أعلى يسار الدرع بالمنتصف رسم القلعة، وهي رمز مملكة قشتالة، وأعلى اليمين الأسد رمز مملكة ليون، وأسفل اليسار بالأحمر والأصفر رمز مملكة أرجون، وأسفل اليمين السلاسل الصفراء المتصالبة رمز مملكة نافار الباسكية، ووسط الأربعة شعار آل بوربون الأسرة المالكة حالية، وأسفل الأربعة الرمانة رمز غرناطة آخر معاقل المسلمين التي سلمها عبدالله بن الأحمر، والعمودان على اليمين واليسار يرمزان إلى ما كان يسمى أعمدة هرقل: جبل طارق وسبتة، والتي من الأصل هي في أراضي مغربية محتلة حتى هذا اليوم.

شعار دولة إسبانيا

ظل المسلمون يعانون طويلًا بعد سقوط الأندلس من التنصير الإجباري والإبادة الجماعية ومحاكم التفتيش، حتى عام 1614م حيث أعلنت السلطات الإسبانية رسميًّا تمكنها من طرد جميع السكان المسلمين والقضاء عليهم.

حسين السنوسي

حسين السنوسي

صحفي مصري متخصص في الشأن الطلابي، رئيس قسم الجامعة بموقع شبابيك، متابع لأخبار التعليم ومقيم بمحافظة الجيزة