رئيس التحرير أحمد متولي
 في ذكرى ميلاد الخال.. الغربة لم تفارقه يوما

في ذكرى ميلاد الخال.. الغربة لم تفارقه يوما

أسمر بلون طين بلاده، نحيل ، قادم من قريته الفقيرة بأقصى الصعيد إلى العاصمة محملًا بآمال عريضة في النجاح، شغفه الأول الكتابة بالعامية المصرية، قريته «أبنود» بمحافظة قنا رسخّت لديه الكثير من الطقوس التي مزجت بين عدّة حضارات عريقة، الفرعونية والقبطية والإسلامية.

وصل إلى القاهرة الكبيرة، حاول تلمس طريقه للنجاح وسط الزحام، ولكن دور النشر القليلة حينها لن تغامر بأن تنشر ديوانًا لشاب مغمور، حين قرر سيد خميس إنشاء دار نشر باسم «ابن عروس» لطباعة أعمال الكتاب الشباب.. وكان من بينهم أعماله.

أصدر ديوانه الأول الذي لم يرق لينال إعجاب والده حتى، لم يستسلم، أرسل مجموعة من قصائده إلى ملك الكتابة بالعاميّة صلاح جاهين، وأخيرًا أصابت خطوته هدفها، كلامه لقى صداه الذي أراده لدى جاهين، خصص له عموده بجريدة «الأهرام» يومًا له، بل وأرسل قصائده إلى الإذاعة؛ ليبدأ تلحينهما، ويتم بثهما عبر الأثير.. أغنيتي «بالسلامة يا حبيبي» لنجاح سلام، و«تحت الشجر يا وهيبة» لمحمد رشدي.. ومن كلمات الشاعر الشاب «عبدالرحمن الأبنودي».

حققت الأغنيتان نجاحًا كبيرًا، وتحديدًا أغنية محمد رشدي، وكان انطلاقة لهما سويًا، كانت لأغنياته طابع شعبي لا تخطئه أذن، نجح به وميّزه عن غيره من الكتاب والشعراء، وشكّل ثلاثيًا موسيقيا مع بليغ حمدي ومحمد رشدي.

نجاح رشدي الساحق جعله يتصدر الساحة الغنائية، ويصبح ندًا حقيقيًا للعندليب عبدالحليم حافظ، ما جعل الأخير يركض خلف الأبنودي طالبًا منه تأليف أغنية من نفس النوع له، فكانت أغنيتي «الفنارة والتوبة»، إلا أن هذا النوع لم يناسب العندليب مثلما ناسب رشدي، حتى وقعت النكسة.

حين تعرضت مصر للنكسة عام 1967، بكى قلبه دمًا وهو يكتب قصيدته «عدى النهار»، التي غناها العندليب وأصبحت أيقونة من أيقونات تلك المرحلة التاريخية الحرجة من تاريخ مصر، وحين عادت الروح لمصر عام 1973، كتب أغنيته الشهيرة «صباح الخير يا سينا».

وبعيدًا عن الأصوات الذكورية، كان للأبنودي علامات لا تُنسى مع الأصوات النسائية، حين كتب «عيون القلب» للرائعة نجاة الصغيرة، ولشادية «آه يا أسمراني اللون»، ولصباح «ساعات ساعات».

ربما كان علي الحجار ومحمد منير أكثر اثنين تعاون معهما الأبنودي طوال مسيرته، خاصة تترات المسلسلات، مثل ذئاب الجبل والنديم.

كان الشاب الأسمر ابن الصعيد مهمومًا بقضايا وطنه، وكثيرًا ما كتب قصائد يناصر فيها الفقراء والمهمشين، مثل قصيدته «يا ضحكة المساجين».

إلا أن الأبنودي حتى عام 1989 كان شيء ما ما زال ينقص الخال، شيء لم يُدرك إلا حين التقى بابن الجنوب مثله.. محمد منير.. حين التقى صاحبا البشرة السمراء معًا وذابا سويًا في «الشيكولاتة» وخرجا سويًا «برة الشبابيك» في ألبوم حقق نجاحًا كبيرًا بمجرد طرحه في الأسواق.

وربما كانت أغنية «يونس» أكثر تعاون ثنائي بينهما مزج بين روحيهما.. «جاي من بلادي البعيدة.. لا زاد ولا مية.. وغربتي صاحبتي بتحوم حواليا» أتت من غربة وحنين الأبنودي، وامتزجت بشجن منير لتخرج مُحملة بروح الاثنين.

في مثل هذا اليوم قبل 78 عامًا، جاء الخال إلى هذا العالم، وحين رحل ترك لنا إرثا غنائيا وشعريا غنيا، يتحدى الزمن ويفرض نفسه في أي وقت وحالة.

شيماء عبدالعال

شيماء عبدالعال

صحفية مصرية مهتمة بالكتابة في ملف الأدب والثقافة