رئيس التحرير أحمد متولي
 104 عام على الحادث.. الجبل الجليدي لم يُغرق «تيتانيك»

104 عام على الحادث.. الجبل الجليدي لم يُغرق «تيتانيك»

طوال أكثر من 100 عام وأصابع الاتهام تتوجه نحو الجبل الجليدي، على أنه المتهم الأول المتسبب في غرق «السفينة التي لا تغرق» أو تيتانيك، ولكن ذلك الجبل لم يكن هو المتسبب الحقيقي لغرق أكثر من 1514 شخصا في المحيط الأطلسي.

بعد عشرات الأعوام من غرق تيتانيك، التي سقطت في قاع المحيط قبل 104 عام بالضبط في مثل هذا اليوم، كشفت الدراسات والتحليلات عدة أسباب تآمرت سويا لإغراقها، كان الجبل الجليدي مجرد سبب منهم.

«شلال أحداث» هكذا يصف العالم الفيزيائي ريتشارد كورفيلد ما حدث لتيتانيك، واصفا الجبل الجليدي بالمتسبب الرئيسي والظاهر في غرق السفينة، إلا أن هناك أسباب أخرى أدت إلى الكارثة، وفقا لكورفيلد.

الحرارة

الظروف الجوية في شمال المحيط الأطلسي أثناء رحلة تيتانيك كانت مواتية بشكل خاص لاحتضان الجبال الجليدية عند تقاطع لابرادور وتيار الخليج.

كانت المياه أكثر دفئا من المعتاد في تيار الخليج، وبالتالي بدأت الكتل الجليدية المتشكلة على سطح مياه المحيط في التحرك، والتحمت مع الجبل الجليدي في نقطة التصادم التي أودت إلى غرق السفينة.

المزيد من الجبال الجليدية

في مارس 2012، لاحظ علماء الفلك في جامعة تكساس أن الشمس والقمر والأرض كانوا في محاذاة خاصة تؤدي إلى وقوع مد وجزر بارتفاع غير عادي.

تكهن العلماء حينها أن هذه ظاهرة تحدث كل مائة عام، أي أنها قد حدثت في يناير 1912، أي قبل الحادث بثلاثة أشهر فقط. استنتج العلماء من ذلك أن المد والجزر بالفعل كان من القوة التي تجعله قادرا على تحريك الجبال الجليدية وإرسالها إلى عمق المحيط، في نفس نقطة التصادم.

السرعة العالية

في أحد مشاهد فيلم تيتانيك، يظهر مساعد قبطان السفينة وهو يحذر القبطان من السرعة التي تسير بها السفينة، خاصة في منطقة تُعرف بالجبال الجليدية، إلا أن القبطان إدوارد سميث لم يبال، وأصر على الاستمرار بنفس السرعة.

حسنا، هذا قد حدث بالفعل، فالقبطان أراد تحطيم الوقت المعتاد لمثل تلك الرحلة، فقرر زيادة سرعة تيتانيك في أولى رحلاتها، مما سبب صعوبة في الهروب من الجبل الجليدي قبل الارتطام به. إن كانت السفينة تسير بسرعتها الطبيعية، لكان ممكننا تفادي الجبل والمرور ببساطة.

لم يبال أحد بالتحذيرات

منذ بداية إبحارها، تلقت تيتانيك الكثير من التحذيرات حول الأجواء في شمال المحيط الأطلسي عبر الشبكة اللاسلكية، إلا أن التحذير الأخير والأكثر أهمية ذهب أدراج الرياح.

المسؤول عن الراديو والاتصالات اللاسلكية جاك فيليبس تلقى تحذيرا قبل غرق السفينة حول وجود جبال جليدية تعترض مجرى السفينة، إلا أنه لم يقم بإرسال تلك التحذيرات إلى القبطان كما كان واجبا أن يحدث.

فيليبس لم يكن مؤهلا علميا بما يكفي، واعتبر التحذير غير عاجل، واستمر في إرسال رسائل تقليدية إلى الشواطئ القريبة. إن كان فيليبس مؤهلا كما يُفترض، لكان قد قدّر أهمية التحذير ونقله فورا إلى القبطان لاتخاذ خطوات احترازية.

المناظير

في كل سفينة، توجد مناظير أعلاها لرصد مجرى السفينة لمسافة أبعد، إلا أن تلك المناظير كانت مغلقة، ومفاتيحها كانت في حوزة الضابط ديفيد بلير، الذي غادر السفينة قبل إبحارها.

تلك المناظير تؤمن الرؤية من الأعلى، وإن كانت تعمل ليلة الحادث لتمكن طاقم السفينة من رصد الجبل مسبقا وتفاديه في الوقت المناسب.

الانعطاف الخاطئ

هل يمكن أن تكون السفينة قد انعطفت مباشرة نحو الجبل بدلا من تفاديه لخطأ في أمر تحويل الدفة؟ هذا ممكن ولم يُثبت ما قد ينفيه. في رواية نُقلت عبر أحفاد لويز باتن، أحد كبار الضابط الذي نجا من الغرق مع تيتانيك، قال فيها الضابط أن الأمر لم يصدر واضحا.

كان الأمر «الصعب على الميمنة»، مما سبب تداخلا لدى العمال، فأداروا الدفة نحو اليمين، في حين كان يفترض أن تندفع السفينة يسارا للهروب من الجبل الصلب على اليمين.

يقول باتن أن الخطأ تم تداركه سريعا، إلا أن الوقت لم يكن كافيا لإعادة السفينة بعد أن انجرفت ناحية الجبل، وبالتالي اصطدمت السفينة بالجبل.

قوة الدفع العكسي كارثية

قبل الارتطام، أبرق الضابط الأول للسفينة ماك ماستر مردوخ إلى غرفة المحركات لوضع المحركات في الاتجاه المعاكس. المفترض أن يؤدي هذا إلى تحوّل المروحتين اليمنى واليسرى إلى الوراء، إلا أن طريقة تكوين السفينة المختلفة، وخاصة المؤخرة، جعلت قوة المروحة المركزية تتضاءل بشدة.

تلك المروحة كان يُعوّل عليها كثيرا في المناورة التي قام بها طاقم السفينة لتفادي الجبل، إلا أن الوهن الذي نتج عن التحول للدفع العكسي حد من قدرة السفينة على تعديل مسارها.

يصف العلماء ذلك بالمفارقة المريرة، حيث كان كافيا أن يصدر مردوخ قرارا بتحويل المسار فقط بدلا من تحويل المحركات للدفع العكسي.

المسامير ضعيفة للغاية

بعد دراسة الباحثين تيم فويك وجنيفر هوبر مكارتي لهيكل السفينة، تبين أن المسامير المستخدمة لربط هيكل السفينة من ناحية القوس والمؤخرة ببعضهما كانت ضعيفة للغاية.

ربما يكون ذلك لأن المسامير الأكثر صلابة لم تكن متوفرة بشكل كاف وقت بناء السفينة، أو لأن الانحناءات في تلك المناطق كان يصعب معها استخدام مسامير أكثر قوة وصلابة.

أيا كان السبب في استخدام تلك المسامير الواهنة، فإنها قد تسببت في إحداث ضرر بالغ في بدن السفينة بمجرد الارتطام، مما ساعد على تدفق الماء بقوة سريعا على متن السفينة، ربما إن كانت المسامير أكثر قوة لكانت السفينة قد تماسكت أكثر أمام الجبل.

قلة قوارب النجاة

كانت السفينة تحمل على متنها أكثر من 2200 راكب بجانب أفراد الطاقم، إلا أن قوارب النجاة كانت تكفي فقط 1200 راكب. ربما غرور صانع السفينة، الذي نعتها بالسفينة التي لا تغرق، جعله يتغاضى عن أبسط قواعد السلامة وهي وجود قوارب تكفي لجميع الركاب.

رغم أن هذا لم يتسبب في غرق السفينة، إلا أنه كان عاملا أساسيا في غرق 1514 راكب في عرض المحيط الأطلسي كان يمكن إنقاذهم بسهولة إن كان هناك ما يكفي من القوارب، ولكانت الكارثة قد أصبحت أقل وطأة في تاريخ الملاحة البحرية.

المصدر

شيماء عبدالعال

شيماء عبدالعال

صحفية مصرية مهتمة بالكتابة في ملف الأدب والثقافة