رئيس التحرير أحمد متولي
 المخرج رأفت الميهي

المخرج رأفت الميهي


رأفت الميهي.. سينما «فنتازية» يعني خيال عبثي وفوضوي وكوميديا

«الحقيقة أنني لا أجد سببا واضحا لتحولي للإخراج.. فقط شعرت أني أريد أن أخرج، وذلك مثلما أريد أن أشرب أو أنام»، بتلك الكلمات اختصر رأفت الميهي ما يمثله له الإخراج في السينما.

«الميهي» هو تلميذ المخرج صلاح أبو سيف في فن كتابة السيناريو، والمخرج كمال الشيخ في الإخراج؛ لكنه لم يكتف بكتابة سيناريوهات الأفلام، ليقرر إخراج ما يقوم بكتابته أمام الكاميرا، فوصل رصيد ما كتبه للسينما إلى 27 فيلما سينمائيا أخرج حوالي 13 فيلما منها.

السيناريست رأفت الميهي:

كانت بداية علاقة «الميهي» بالسينما من خلال عمله كسيناريست لعدد من الأفلام السينمائية؛ فكتب قصة وسيناريو وحوار أفلام «جفت الأمطار»، من إنتاج عام 1967، و«غروب وشروق»، من إنتاج عام 1970، والقصة الأولى «ممنوع»، والثانية «كان»، والثالثة «صورة» من فيلم «صور ممنوعة»، من إنتاج عام 1972، وأفلام «غرباء»، من إنتاج عام 1973، و«الحب الذي كان»، من إنتاج عام 1973، وفيلمي «الهارب»، و«أين عقلي»، من إنتاج عام 1974، و«على من نطلق الرصاص»، من إنتاج عام 1975.

كما كتب «الميهي» السيناريو والحوار لفيلم «شئ في صدري» عن رواية الكاتب إحسان عبد القدوس، وإنتاج عام 1971.

وعندما اتجه إلى الإخراج السينمائي، كتب «الميهي» القصة والسيناريو والحوار لجميع الأفلام التي أخرجها، فيما عدا «قليل من الحب.. كثير من العنف»، من إنتاج عام 1995، الذي كتب له السيناريو والحوار فقط، بينما كانت القصة من تأليف فتحي غانم.

وتميزت جميع الأفلام السينمائية التي ألفها «الميهي» بكونها تتعمق في النفس البشرية، وما بها من تناقضات نتيجة لتأثرها بالمجتمع الذي تعيش بداخله، ذلك بجانب احتلال «الخيال» مساحة كبيرة في بعضها.

بين «الواقعية» و«الفنتازيا»

مرحلتان ميزتا تجربة «الميهي» الإخراجية؛ حيث انتمت أول أفلامه السينمائية التي أخرجها إلى مدرسة «الواقعية»، بينما كانت «الفنتازية» هي المدرسة التي انتمت إليها أغلب أفلامه والتي ميزته عن غيره من مخرجي جيله.

الواقعية

في بداية تجاربه الإخراجية، اتجه «الميهي» إلى صناعة أفلام واقعية تعكس بعض المشاكل التي يعاني منها المجتمع، والتي ازدادات في عصر الانفتاح الاقتصادي، فكان أول فيلم سينمائي أخرجه «عيون لا تنام»، من إنتاج عام 1981، بمثابة الصرخة في وجه الضغوطات التي قد تسببها بعض العلاقات الإنسانية، والتي تؤدي إلى اندلاع مشاكل حب التملك والأنانية وعدم قدرة الإنسان على التغلب على ما يحيطه من فساد مجتمعي.

وجاء فيلمه الثاني «الأفوكاتو» من إنتاج عام 1983، في شكل أقل حدة من فيلمه الأول، بحيث يمكنه من مناقشة الواقع من خلال تغليفه بنوع من الكوميديا السوداء، كاشفا فساد بعض المحامين وقدرتهم على التلاعب بقوانين القضاء ليحولوا بها البرئ إلى متهم والعكس، مهتمين بمصلحتهم الشخصية أولا.

وكشف ثالث أفلام «الميهي» السينمائية «للحب قصة أخيرة»، من إنتاج عام 1986، عن مدى تناقضات العلاقات الإنسانية، والتي تجمع بين الخير والشر، والحب والكره، والصدق والخداع، والخرافة والعلم.

الفنتازيا

ولأنه يصر على أن يصبح صاحب بصمة مختلفة في مجال الإخراج السينمائي، اتجه «الميهي» إلى إخراج نوع جديد من الأفلام السينمائية انتمت إلى مدرسة «الفنتازيا الكوميدية» التي تبرز تناقضات المجتمع باستخدام نوع من الخيال بشكل عبثي وفوضوي، دون الالتزام بالمنطق، مع إضافة شئ من الكوميديا إليها. ويرجع إلى «الميهي» الفضل في إضافة ذلك النوع من الأفلام إلى السينما المصرية، ما جعله يلقب بـ«رائد الفنتازيا الكوميدية».

وبالرغم من ظهور تلك الفنتازيا على نحو بسيط في ثاني أفلامه «الأفوكاتو»، كان أول أفلامه المنتمية بشكل كامل إلى تلك المدرسة هو «السادة الرجال»، من إنتاج عام 1987، والذي تدور أحداثه حول امرأة تدفعها ضغوط حياتها الزوجية والأسرية والمهنية إلى إجرائها لعملية تحولها إلى رجل كي تحصل على المزايا التي يعطيها له المجتمع الشرقي.

وبعد «السادة الرجال»، انتمت جميع أفلام «الميهي» إلى تلك المدرسة، فأخرج فيلم «سمك لبن تمر هندي»، من إنتاج عام 1988، والذي تدور أحداثه حول طبيب بيطري يتزوج من الفتاة التي يحبها بداخل حجرة في محل عمله، ثم يجبرهما ضابط يعمل بالانتربول الدولي على دخول مستشفى متخصصة لمعالجة مشاغبي العالم الثالث والحصول على اعترافاتهم، لاعتقاده بأن الطبيب ما هو إلا إرهابي ينتمي إلى منظمة إرهابية دولية.

ويظهر في افتتاحية الفيلم الفنان محمود عبد العزيز قائلا: «قبل ما نبتدي، أحب أحذركوا إن إحنا ماعندناش حواديت .. وماتحاولوش تفهموا أي حاجة لأننا مانقصدش أي حاجة! وكمان وقت الفيلم مش هاقوله ولا هاقول بيدور فين.. وحتى اللي هايظهروا لابسين دكاترة وبوليس، ماهماش دكاترة ولا بوليس»، ليؤكد على تجربة الفنتازيا الكوميدية التي تظهر في الفيلم بشكل واضح.

وكان فيلمه الثالث المنتمي بشكل كامل إلى تلك المدرسة هو «سيداتي آنساتي»، من إنتاج عام 1989، والذي تدور أحداثه حول أربعة نساء يقررن الزواج من الرجل ذاته.

وبعد «سيداتي أنساتي»، تابع «الميهي» إخراج أفلام سينمائية تنتمي إلى المدرسة ذاتها، ولكنه أضاف إليها شئ من الواقعية، بحيث تصبح منقسمة بالتساوي بين «الواقعية» و«الفنتازيا»، وهم أفلام: «قليل من الحب.. كثير من العنف»، وفيلم «ميت فل» من إنتاج عام 1996، و«تفاحة» من إنتاج عام 1997، و«ست الستات» من إنتاج عام 1998، و«علشان ربنا يحبك» من إنتاج عام 2000، و«شرم برم» من إنتاج عام 2001.

مغامرة سينمائية

ويعد فيلم «علشان ربنا يحبك» هو أول تجربة سينمائية مصرية تعتمد بشكل كامل على وجوه جديدة، وهو ما غامر «الميهي» بتقديمه أمام الكاميرا لإيمانه بالمواهب الشبابية التمثيلية الجديدة.

العنصر النسائي بأفلام «الميهي»

كما تمرد «الميهي» على تعمد تهميش العناصر النسائية في الأفلام السينمائية من قبل بعض كتاب السيناريو والمخرجين، فكانت المرأة بداخل أفلامه السينمائية صاحبة دور قوي ومؤثر، وتجلى ذلك من خلال ثلاث شخصية جسدتها الفنانة معالي زايد وهن: «سلوى» في «للحب قصة أخيرة»، و«فوزية» في فيلم «السادة الرجال»، و«إدارة» في «سمك لبن تمر هندي». بجانب شخصيات الأربع نساء «درية» (معالي زايد) و«عزيزة» (صفاء السبع) و«آمال» (عبلة كامل) و«كريمة» (عائشة الكيلاني) في فيلم «سيداتي آنساتي»، و«زينات» (ليلى علوي) في فيلم «تفاحة».

أسلوبه الإخراجي

اللقطات المتوسطة والبعيدة

أعطى رائد الفنتازيا الكوميدية اهتماما كبيرا بتصوير لقطات متوسطة تبرز الحركات الجسدية للممثلين وتبين انفعالاتهم تجاه المواقف المختلفة، وفضلها عن اللقطات القريبة، أو ما يعرف بـالـ«Close- Up».

كما اهتم بتصوير لقطات بعيدة تصور علاقة الممثلين بالأماكن من حولهم، وتصور جوانب وزوايا متنوعة من تلك الأماكن، خاصة عندما يستخدم المكان كواحد من أبطال الفيلم مثل «ورشة إصلاح السيارات» في فيلم «عيون لا تنام»، و«جزيرة وراق العرب» في فيلم «للحب قصة أخيرة»، ومقر عمل البطل كطبيب بيطري، بجانب مستشفى علاج مشاغبي العالم الثالث في فيلم «سمك لبن تمر هندي»، و«الشقة السكنية» في فيلم «ست الستات» من إنتاج عام 1998.

اختيار أماكن التصوير

ونوّع «الميهي» في تصوير أفلامه السينمائية بين التصوير الخارجي في أماكن حقيقية، والأخرى التي تتم بداخل ستوديوهات، حتى في أفلامه الفنتازية الكوميدية، وذلك حتى حتى يدمجها بالواقع، ولا تصبح منفصلة عنه بشكل تام، فتتحول إلى أفلام خيالية أكثر منها فنتازية تبرز تناقضات المجتمع.

فمثلا يوجد جزء من فيلم «سمك لبن تمر هندي» مصور خارجيا في القرية الذي يعمل فيها البطل كطبيب بيطري، بينما يوجد جزء كبير منه مصور بداخل ستوديو وهو الخاص بمستشفى علاج مشاغبي العالم الثالث والديكورات اللازمة لها لكي تجعلها تناسب طبيعة الفيلم الفنتازية.

الديكور

واهتم رائد الفنتازيا الكوميدية باستخدام الديكور في أفلامه السينمائية على نحو يخدم الفكرة المطروحة، ويظهر التناقضات المختلفة بطريقة ساخرة. فمثلا، يظهر «حسن سبانخ» (عادل إمام) في فيلم «الأفوكاتو» مستمتعا بشاطئ البحر وهو بداخل السجن، ما يعكس مدى اللامبالاة التي أصبحت بداخله، فأصبح اهتمامه الأكبر هو الاستمتاع بالواقع وحسب، لا تغييره.

الرمزية

ولجأ «الميهي» إلى استخدام الرمزية كشئ أساسي بداخل أفلامه السينمائية، وخاصة الفنتازية منها، وبرز استخدامها في فيلم «سمك لبن تمر هندي»؛ حيث رمز إلى وجود ملاك بالجنة بإنسان يرتدي ملابس بيضاء وله جناحان، ورمز إلى النار بالإضاءة الحمراء المرعبة.

الالتزام بالسيناريو

كما كان «الميهي» شديد الحرص على الالتزام بالسيناريو السينمائي، ولا يحبذ أن يقوم أحد الممثلين بالارتجال تحت أي ظرف، ما كان يجعل الممثلين يعطون تركيزهم بالكامل لأدوارهم المكتوبة، لتظهر أمام الكاميرا في أفضل صورة ممكنة.

دويتوهات فنية

شكل رائد الفنتازيا الكوميدية دويتوهات فنية مع بعض الفنانين أبرزهم الفنان محمود عبد العزيز الذي كان بطلا لأفلامه الفنتازية: «السادة الرجال» و«سمك لبن تمر هندي» و«سيداتي آنساتي».

ذلك بجانب الفنانة معالي زايد التي ظهرت في أفلامه «للحب قصة أخيرة»، و«السادة الرجال»، و«سمك لبن تمر هندي»، و«سيداتي آنساتي». كما ظهرت الفنانة ليلى علوي في ثلاثة أفلام من إخراج «الميهي»، وهم «قليل من الحب.. كثير من العنف»، و«تفاحة»، و«ست الستات».

وكانت الفنانة سعاد حسني هي أكثر الممثلات التي ظهرت في أفلام كتبها «الميهي» للسينما قبل أن يتجه إلى الإخراج؛ فأطلت في خمسة أفلام له، هي: «غروب وشروق»، للمخرج كمال الشيخ، و«غرباء»، للمخرج سعد عرفة، و«الحب الذي كان»، للمخرج علي بدرخان، و«أين عقلي»، للمخرج عاطف سالم، و«على من نطلق الرصاص»، للمخرج كمال الشيخ.

رأفت الميهي مخرج مصري من مواليد عام 1940، عشق السينما بطريقة غير عادية، فبعد أن حصل على دبلوم معهد السينما عام 1964، عمل كسيناريست سينمائي، وبعدها اتجه إلى الإخراج مع استمرار عمله كسيناريست، وخاض تجربة الإنتاج السينمائي أيضا لينقذ السينما من أزمة ندرة الأفلام جيدة المستوى بسبب قلة عدد المنتجين. كما أنه أسس أكاديمية لتدريس فنون السينما.

أماني عماد

أماني عماد

صحفية مهتمة بمجال الفنون والثقافة.. تهوى الكتابة عن السينما والأفلام، بجانب كتابة سيناريوهات أفلام واسكتشات وقصص قصيرة.