رئيس التحرير أحمد متولي
 المهدي المنتظر.. المخلّص الذي تنتظره الأديان السماوية وينكره هؤلاء

المهدي المنتظر.. المخلّص الذي تنتظره الأديان السماوية وينكره هؤلاء

«يملأ الأرض عدلا بعد أن مُلئت ظلما».. جملة قيلت في وصف شخصية المهدي المنتظر الذي سيأتي في آخر الزمان ليخلص العالم من الظلم والقهر، كما يعتقد الدين الإسلامي. الجملة مقتسبة من حديث نبوي.

لكن فكرة المهدي المنتظر أو المخلص أو الملك العادل الذي يأتي في آخر الزمان بعد أن يعم الظلم والفساد الكون كله، ليست مقتصرة على الدين الإسلامي فحسب، بل تشاركتها جميع الأديان السماوية بلا استثناء وإن اختلفت في التفاصيل.

المخلص في الديانة اليهودية

حين شعر اليهود بالقهر في أيام السبي البابلي وتدمير الرومان لمدينة القدس، كانت فكرة «المخلص» تترسخ شيئا فشيئا في الديانة اليهودية، حتى أصبحت إحدى أساسيات الديانة التي أقرها موسى ابن ميمون، كبير حاخامات وفلاسفة اليهود في العصور الوسطى.

فالشعب اليهودي الذي سُبي من أرضه ودمرت مدينته المقدسة ومعها هيكل سليمان، كان يحلم بأن يأتيه الخلاص على يد ملك من نسل داوود يعيد المجد للمملكة اليهودية المندثرة وينتقم من أعدائها.

تطورت فكرة المخلص مع مرور السنوات والعقود وتتطور العقل اليهودي لتتجسد في فكرة «المسيح» أو «المسيا».

والمسيح، تعني الشخص الذي مسح رأسه بالدهن المقدس، هو طقس خاص بالملوك والكهنة والأنبياء عند اليهود، كعلامه لتكريس حياته على الخدمة الإلهية.. ثم تطورت هذه الدلالة لتشير للملك العادل؛ وفقا لموقع «عربيل» الإسرائيلي.

وجاء في سفر إشعياء من العهد القديم في وصف هذا المخلص: «ولذته تكون في مخافة الرب فلا يقضي بحسب نظر عينيه ولا يحكم بحسب سمع أذنيه. بل يقضي بالعدل للمساكين ويحكم بالإنصاف لبائسي الأرض ويضرب الأرض بقضيب فمه ويميت المنافق بنفخة شفتيه».

وهي نفس الصفات والآيات التي يستدل بها المسيحيون على أن العهد القديم قد بشر بالسيد المسيح.

المخلص في الديانة المسيحية

المسيحيون الأوائل الذين آمنوا بالمسيح هم في الأساس مجموعة من المؤمنين بالديانة اليهودية وتعالميها التي اعتبرت أن قدوم المخلص أو المسيح أحد أركان الديانة اليهودية.

لكن المسيحية طورت فكرة الخلاص، فحولتها من خلاص من الظلم والقهر الدنيوي، للخلاص الروحي المتمثل في تطهير الإنسان من خطاياه، والمتمثل في فكرة فداء السيد المسيح وصلبه، وهو المبدأ الذي يعتبر جوهر الديانة المسيحية اليوم.

وإذا لم يأتي السيد المسيح ليكون ملكا يهوديا دنيويا كما أراد الحاخامات وزعماء اليهود عند ظهور المسيح؛ فإن المسيحيون يؤمنون أن المسيح هو ملك على شعبه وكنيسته وسيأتي مرة أخرى في آخر الزمان ليملك العالم ولا يكون لملكه نهاية. فيما لا زال اليهود ينتظرون «المخلص» أو «المسيح».

وفي العهد الجديد آيات كثيرة تبشر بمجيء المسيح الثاني، منها ما جاء في سفر رؤيا يوحنا (11- 13): «ثم رأيت السماء مفتوحة، وإذا فرس أبيض والجالس عليه يدعى أمينا وصادقا، وبالعدل يحكم ويحارب. وعيناه كلهيب نار، وعلى رأسه تيجان كثيرة، وله اسم مكتوب ليس أحد يعرفه إلا هو. وهو متسربل بثوب مغموس بدم، ويدعى اسمه كلمة الله».

علامات كثيرة ذكرها العقد الجديد للقدوم الثاني للمسيح وهي انتشار الفساد والحروب والفقر والمجاعات. ولكن مجيء المسيح لن يكون لتخليص الناس من كل هذا ولكن ليعلن -يوم الدينونة- وهو يوم الحساب في المعتقد المسيحي.

المخلص أو «المهدي» في الإسلام


وإذا كان الإسلام قد اختلف عن المسيحية واليهودية في ربط فكرة المخلص بشخص المسيح؛ فإنه قد اتفق معه في جزء من الهدف الذي سيظهر لأجله.

في الإسلام أخذ هذا المخلص لقب «المهدي المنتظر» الذي سيظهر في آخر الزمان، ويحكم العالم بالشريعة الإسلامية بعد أن تمتلئ الأرض بالمحن والشر والفساد الكبير، ليملأ الأرض عدلا ولتكثر في عهده الخيرات وتؤتي الأرض بكامل ثمارها.

أحاديث كثيرة يستدل بها المسلمون على مجيء المهدي المنتظر، أشهرها ما ورد في صحيح أبي داوود عن ابن مسعود: «لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطوّل الله ذلك اليوم، حتى يبعث الله فيه رجلا مني أو من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا».

  • المهدي المنتظر عند الشيعة

لكن فكرة المهدي المنتظر تأخذ شكلا مختلفا كثيرا عند المسلمين الشيعة، فهو ليس مجرد مخلص يعيد الحق والعدل للعالم، لكنه  جزء من عقيدة -الإمامة- التي يبنى عليها المذهب الشيعي.

والإمام عند الشيعة هو الذي يخلف النبي محمد في ولايته على المسلمين وتكون له سلطة الدين والدنيا. تبدأ الإمامة عند الشيعة بعلي بن أبي طالب وتنتهي بالمهدي المنتظر.

للمبتدئين في القراءة.. نرشح لك 4 روايات مكتوبة بالعامية

وهناك من رفض الفكرة

وإذا كانت فكرة المهدي المنتظر أو المخلص الذي يحكم العالم بالعدل هي فكرة مشتركة بين الأديان السماوية جميعا، رغم اختلاف هذه الأديان على شخصية المخلص نفسه.

ورغم ثبوت الحديث في صحيح أبي داوود، لكن البعض ومنهم الأديب يوسف زيدان يرون أن فكرة المخلّص لا تدل إلا على أمنيات مستحيلة، تمسكت بها الشعوب في فترات الظلم.

في مقال بعنوان «أوهام المصريين المخلص الذي لا يخلص» الذي نشر بموقع المصري اليوم عام 2010..  يقول «زيدان» إن فكرة المخلص هي :«تعبيرات دالة على أمنية مستحيلة ، كانت الجماعات الإنسانية تلجأ إليها فى فترات الإحساس الجماعى بالقهر والضيق» لتضفي على الحاضر أملاً يجعل الحياة محتملة، حتى وإن كان ذلك الأمل وهميا.

يرى «زيدان» أن الفكرة نشأت أساسا من الديانة اليهودية في القرن الثاني قبل الميلاد، عندما كان اليهود ينتظرون بطلا يهوديا يخلصهم من الظلم.

مفكرون آخرون مثل ابن خلدون في مقدمته ورشيد رضا في تفسير المنار، والشاطبي يقولان إن أحاديث المهدي المنتظر هي أحاديث ضعيفة، ورغم أنها متواترة بالفعل لكن «ليس هناك دليل من العقل أو النقل يؤكد صحتها»، كما يرون.

أميرة عبد الرازق

أميرة عبد الرازق

محررة صحفية ومترجمة مصرية مهتمة بشؤون التعليم واللغات وريادة الأعمال