رئيس التحرير أحمد متولي
 أشرقت ياسين تكتب: يوم أشرقت الحكاية

أشرقت ياسين تكتب: يوم أشرقت الحكاية

(1) .. 23 أغسطس 2015

«العواصف أشد تنكيلًا بمن تجد وحيدًا..»

تستقبل الفتاة عامها العشرين، برسالة تخبر العالم فيها أنها تكرهه وأهله، عاتبت الكثيرين على عدم تحقيق أحلامها، وعلى كل الفرص التي فاتتها، وأنها لم تجد مكانًا يتسع لها بينهم، عن عمر أضاعته لتحقيق كل شيء إلا ما تريده هي، والحقيقة أنها لعنت نفسها عدة مرات قبل أن تلعن العالم، ربما لو أرادت حقًا لاختلف الحال كثيرًا.

ذهبت إلى حيث تهدأ، تستند إلى كتف جدتها كعادتها، وتفاجئها بسؤال «هو أنا وحشة؟!»

فتجيبها برفق تعتاده: «إوعي تقولي على نفسك كدا، إنتي جميلة ولازم تشوفي نفسك كدا علشان العالم بيشوفنا زي ما بنشوف نفسنا»، ابتسمت، لم تكن تعلم جدتها ما تمر به من اكتئاب وإنهاك، لكنها دائمًا تجيبها بما تحتاجه تحديدًا.

التيه، ذلك الشعور المرعب، تقف حيث أنت، الكون يدور دون أن تعلم مكانك  منه حتى، لازلت ثابت هناك، تنظر لأحلام طفولة، يفترض بها أن تكون واقعًا، تجدها أبعد مما سبق، أنت حتى أصبحت أبعد من نفسك، كل ما يدور حولك يؤذيك نفسيًا بشكل أو بآخر، ربما بسبب هشاشة أصابت قلبك.

(2) 23 أغسطس 1995​​​​​​​.. 

«وأشرقت..»

الصرخة الأولى، واللمسة الأولى، تلك التي تعلن بداية جديدة، يقولون أن البدايات دائمًا أجمل، فاختار والداها أن يسموها «أشرقت»، عسى أن يكون لها من اسمها نصيب.

 (3) 23 أغسطس 2007..  

« فاعلم أنه ما أصابك ما كان ليخطأك، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك»

تقضي يوم ميلادها وحدها، ربما ليست وحدها تمامًا فحولها مليء بالأشخاص، أقارب وجيران، البيت ممتلئ عن آخره، مع ذلك كانت وحدها.

لم تخبر أحدًا به من الأساس، فوالدتها في العناية المركزة تعاني من أزمة صحية خطيرة، وأبيها يقضي يومه كله في المشفى ويعود ليلًا لترى طفلته شعورًا بالعجز في عينيه للمرة الأولى، كانت تظن دومًا أن كل شيء يكون بخير في وجود أبيها، هو لا يسمح أن يمسها أذى هي وإخوتها، هي فتاته الأولى وأول فرحته كما يُعرِفها للآخرين، وهو أمانها في الحياة.

تفكر كثيرًا، ماذا عن والدتها التي لم تراها منذ دخولها المشفى؟!

 لا أحد يسمح لها بالذهاب، لماذا ليست بجوارها الآن تتمنى لها عامًا سعيدًا؟!

تتمنى لو ترها لتخبرها أنها تشتاق لها وأنها تبكي كل ليلة وهي تضم صورتها، وأنها اشتاقت حتى لخلافاتهم على تلك الأشياء البسيطة، تبكي وترجو عودتها، تلك الفتاة الصغيرة التي انتهت لتوها من المرحلة الابتدائية لا تليق بما تحمله هذه الفترة من مسئولية بيتها وإخوتها، تفكر في كل ما ستقوله لأمها عند لقاءهم مجددًا تقسم أن تخبرها كم تحبها -وهي الغامضة فيما يخص مشاعرها-، فكرت أن تكتب لها  جوابًا عن كل يوم غابت فيه عن المنزل، ولم تخبر أحدًا بذلك إلى الآن.

تقف الآن في بداية مرحلة مختلفة، تراجع أحلام طفولتها التي تقترب منها كل عام، كان لديها تصور خاص عن  عمر ال20، ليس لديها سبب واضح عن اختيارها للـ20 تحديدًا، لكنه كان مميزًا لها بشكل عجيب، تتخيل نفسها أطول كثيرًا، وأجمل - أخبروها أنها عندما تكبر تستعيد جمال طفولتها الأولى، إنهم كاذبون -، ومتفوقة كعادتها، وسعيدة، وهناك احتمال أن تصبح طبيبة وتنعم بفخر أبيها وأمها، تبتسم وهي لا تعلم ما الذي تخفيه الأيام..

كلنا يمر بأحداث تصرعنا أحيانًا، وتصنعنا كثيرًا، ربما يختلف تأثيرها حسب تعاملنا معها، وربما القدر وحده يلعب هنا، لكنها لا تمر أبدًا مرور الكرام.

(4) 23 أغسطس 2017.. 

«الله لا ينسى أحدًا»

الآن، تنهي عامها الثاني بعد العشرين، يا إلهي! كيف مر؟ وكيف تغيرت بهذا الشكل؟

تنظر لأحلام طفولتها، يبدو أنها لم تصبح أطول كما تصورت، ربما، لكنها جميلة بشكل ما، وهي الآن ليست طبيبة، فقد اختارت مجالًا يشبهها أكثر، أو هكذا تظن، ومع ذلك فازت بفخر أبيها وأمها.

وأما عن ما أصابها من هزائم وعثرات في حياتها القصيرة الماضية، تتعجب كيف سقطت حينها ولم تسقط هذا العام الأخير!، ما عاشته في عامها الأخير هذا ربما يعادل صعوبة كل ما مرت به في حياتها ويفوقه، صاخبًا في كل شيء، تعرضت فيه للفقد والخذلان والعديد من محاولات النهوض والإنجازات الصغيرة.

أصعب ما مرت به هو الفقد، أن تفقد جدتها التي لم تتصور غيابها قط، دون حتى وداع أخير، كان هذا قاسيًا بما يكفي لتتوقف كل محاولاتها، لكن إرادة الله كانت مختلفة.

الصبر نعمة، والرضا نعمة، تتعجب كيف أنهت عامها الجامعي الأخير بتقدير، وهي التي لم تقوى على فعل شيء لفترة طويلة، في النهاية هي راضية عن كل ما كان وأي شيء سيكون، ربما آلمها الفقد كثيرًا وأنهكت روحها الهزائم لكن لا بأس، ستحقق أهدافها البسيطة في الدنيا، وتدعو كثيرًا أن تلتقي بجدتها بعد هذا الاختبار الذي نعيشه، هناك حيث الحياة الحقيقية، دون هزائم.

 ربما هي حكمة الله فينا؟

أن يجعل لكل ما نمر به فينا أثر يبقى ليصقلنا ويقوينا، وربما هناك تفسيرات كثيرة تتفق  في النهاية، أننا نصبح أقوى بعد كل سقوط ننهض بعده، وكل هزيمة نتعافى منها.

في الحقيقة ليس لديها تصور كيف تسير الأمور هذا العام الجديد، وأي الأحداث تنتظرها، لكنها مستعدة لتحياها كيف كانت وأن تحاول ألا تتوقف عن المحاولة.

 تقول العظيمة رضوى عاشور: «هناك احتمال آخر لتتويج مسعانا بغير الهزيمة، ما دمنا قررنا أننا لن نموت قبل أن نحاول أن نحيا..».

المقالات والمشاركات المنشورة في قسم «شباك» تعبر عن رأي كاتبها، وليس لـ«شبابيك» تدخل في مضمونها.

شبابيك

شبابيك

منصة إعلامية تخاطب شباب وطلاب مصر