رئيس التحرير أحمد متولي
 الزهراء محمد تكتب:رحلة عودة

الزهراء محمد تكتب:رحلة عودة

كنت في حقبة زمنية لا زال يغمرني طهر الداخل حينها ألبسني أبي ثوبًا أبيضًا ودعاني بـ«الحاجة زهرة».. أمسَك بيداي الصغيرتين حرصًا من أن أفلت منه وسط الجموع الكبيرة.. أخبرني أننا الآن نقترب من أطهر بقاع الأرض؛ تتبعت خطاه وأنا استمع إلى كلمات صار يرددها مرارًا «لبيك اللهم لبيك، لبيك اللهم عمرة» حتى دنت أقدامنا إلى صحن كبير يتوسطه مجسمًا ضخم مكللًا بالسواد والرائحة العطرة، يشبه تلك الصورة التي احتواها كتابي الدين للصف الثالث الابتدائي لكنه أكبر مما رأيته كثيرًا حينها وكأنه قد هوى قلبي أرضًا ولم أعلم ما السبب.

اقتربنا أكثر منه وجعلني ألامسه وأقبله، كنت اعلم أن تلك شعائر المسلمين يمارسونها هنا .. كبرت وبقيت معي تلك الذكرى حتى حان لي لقاء بتلك البقاع مرة أخرى وحدي، دنوت من الحرم وقد احتوى طريقه ببروج مشيدة وبناطحات سحاب يطوف من حولها أناس لا يملكون ما يمري عليهم بطونهم فيلجأون إلى الزائرين للمساعدة،  اقتربت من ساحة الحرم فوجدت صبية وفتيات قد تواعدن هنا وضجت ساحة الحرم بضحكاتهم،  توجهت إلى صحن الكعبة لأؤدي العمرة رفعت يداي واستأنفت الطواف وسط الجموع لكن حينها وقع نظري على أحدهم يلامس فتاة بغتانًا، صرفت نظري وانصرفت معه أفكاري إلى اسئلة ليس لها محل من الأعراب ..

قد يضل الناس طريق الله ووجوده فيأتون إلى هنا حتى يحيي ما بداخلهم من إيمان مرة أخرى لكنني في رحلتي لم أجد الله في هذا الصرح المشيد بفنادق مرصعة بأضواء ومجسم ضخم يكسوه من القماش أثمن من ميزانيات دول قد هلكت جوعًا.

لم أجده في محلات ذهب يطوفها اناس لا يملكون قوت يومهم، ولا تلك الضحكة الصاخبة التي لم تجد من يوقفها..

لم أجد إسلامًا في تعاملات من يدعون انفسهم بأنهم امنًا للحرم،  لم أجد الله في وفد رئاسي قد أوقفوا له المارة حتى يدخل زعيمهم ليؤدي عمرته بأموال الفقراء في حين أن هناك امرأة في الخلف تبكي لانها لا تستطيع الطواف والسعي ولا تملك ثمن عربة  ..

انتهيت وقد علا الضجيج برأسي فانسحبت بهدوء لا يشبه ما بداخلي وجلست في الساحة انظر إلى سماؤه.. أعلم أنك مطلع على كل ما يحدث،  وكل ما حدث يجب أن يحدث حتى يتحقق القدر.. لكنني ما رأيتك هنا في شيء قط،  لقد رأيتك في إصرار جدتي على أداء الصلاة رغم ما بها من آلام عظام،  رأيتك في ثبات أمي على تعليمنا وحفظنا كتابك رغم انحلال جميع مبادئ المجتمع،  لقد رأيتك في عين فقير استعفف وأبى أن يلجأ لغيرك،  لقد رأيتك في قومًا التقوا على طاعتك واجتمعوا على رضاك فذبحهم بدم بارد،  ظالم قد تمكن بغتانًا وظلمًا..

لقد رأيتك في صلاة التائبين ودموع العائدين من ضلالهم إلى طريقك..

لقد رأيتك في كل خير قصدت به وجهك لا رياء ولا سمعة..

تيقنت الآن أن لا مكان ولا زمان مرتبط بوجودك، أنت بداخلي تملأني أجدك في كل حين لكن هوانا يباغتنا عنك ويهوي بنا إلى غير طريقك ..

هذا المقال مشاركة من كاتبه في إطار مسابقة «شبابيك» التي أطلقها في الذكرى الثانية للموقع

شبابيك

شبابيك

منصة إعلامية تخاطب شباب وطلاب مصر