رئيس التحرير أحمد متولي
 يحيى خليفة يكتب: أنت مين؟!

يحيى خليفة يكتب: أنت مين؟!

أحيانا لما بتخيل تصرف قديم ليا بتحرج من نفسي وبستغرب ازاي كنت بتصرف بالشكل ده؟! مثلا لما بشوف الذكريات على فيسبوك وبلاقي كلام سطحي كاتبه أو عامله شير زي الأحلام الوردية بعد الثورة اللي ماكنتش شايفه سواد الواقع، أو تبني مبادئ حادة عبارة عن أبيض وأسود ومافيش درجات رمادي، أو أصحاب كنا متوافقين وبقينا متناقضين فبعدنا عن بعض، أو تأييد لفئة أنا بقيت ضدها حاليا، أو شخصية عامة كنت بحترمها وبقيت بحتقرها، أو تقييم كتاب على جود ريدز كنت منبهر بيه وحاليا شايفه كتاب ضعيف، إلخ.. فبسأل نفسي أنا أي شخص فيهم؟ وهل أنا نفس الشخص ولا شخصيات متعددة؟!

يعني لو فيه مجموعة صادف إن جه سيرتي بينهم وكل واحد فيهم كان يعرفني في مرحلة معينة.. أكيد كل واحد هيقول صفات مختلفة عن غيره..

بيقول المؤرخ «بينيدكت أندرسون» عن الهوية في مثال إنك لما بتنظر في صورة ليك وأنت طفل وعايز تدلل للي بيتفرج معاك إن أنت نفس الشخص.. بتبتدي تخلق قصة فبتقول إن ده أنت لما كنت صغير في سن 5 سنين وشعرك كان لونه أفتح إلخ.. فهنا أنت خلقت تخيلت التفاصيل دي عشان تدلل أنك نفس الشخص!

لو نظرنا للفلسفة هنلاقي الفيلسوف «هيراقليطس» اللي كان بيؤمن بمبدأ التغير المستمر وكان بيقول بأن كل شيء متحرك ومفيش ما هو أبدي، وأننا مش بننزل نفس النهر مرتين لأنك لما بتنزله بيكون هو اتغير بأثر نزولك وأنت كمان.. لأنك تركت أثر فيه زي ما هو ترك أثر فيك ولو خفيف.

وهنلاقي كمان الفيلسوف «هيوم» كان بيقول إن الإحساس بإمتلاك نواة شخصية ثابتة ودائمة هو وهمي، وإن تصورنا للأنا هي سلسلة طويلة من الأحاسيس المنفصلة.. اللي ماعيشنهاش إلا بشكل متعاقب، مجموعة محتويات مختلفة من الوعي بتتحرك بسرعة وبتتغير بإستمرار.. فإذن إحنا مالناش شخصية أساسية نثبت فيها.. لكن الوضع عامل زي فيلم على شاشة بتتوالى الصور بسرعة بشكل مايخليناش نلاحظ إن الفيلم مركب من عدد لا يحصى من الصور المنفصلة، والواقع إن الفيلم هو مجموعة من اللحظات.

وفي التفكير العلمي هنلاقي مبدأ أسمه (التراكمية) وده بيعني إن كل نظرية جديدة بتحل محل السابقة، وبتبقى القديمة لها قيمة تاريخية فقط، يعني اللي بيبدأ فيما بعد في المجال بيبدأ حيث إنتهى الآخرون، زي ما فيزياء أينشتاين حلت محل فيزياء نيوتن بعد ما كان بينظر للأخيرة على إنها النهاية، وبمثال أبسط زي ما أي تطوير بيتم في أي جهاز ليكن الموبايل بيحل محل القديم.. وبإسقاط النظرية دي على حياة الإنسان هنلاقي إن لازم نحكم على الشخصية الحالية مش ما سبقها، لكن بيظل تصرفاته أو شخصيته القديمة مسجل كتاريخ للشخص، ولأن الإنسان كائن إجتماعي فممكن يكون من الصعب تغيير المفهوم القديم عند الناس زي محاربة العلم اللي بتحصل لما بتتعارض مع معتقدات أو مصالح شخصية، و زي ما قال داروين في نظرية التطور إن البقاء للأصلح.. فالإنسان بيطور الصفات اللي بيحتاجها واللي قادره تواجه الظروف المحيطة زي ما خلايا الجسم بتتجدد لنفس السبب.

وعلى مستوى التنمية الذاتية دكتورة علم النفس «كارول دويك» سألت طلابها عن رأيهم في إن الذكاء شيء ثابت ولا متغير وقابل للزيادة أو النقصان.. وكانت نتيجة الإختبار إن الطلاب اللي كانت إجابتهم بأنه ثابت كانت محصلاتهم الدراسية في مستوى ثابت، بينما الطلاب اللي كانت إجابتهم إنه متغير وقابل للزيادة كان معدل نموهم الدراسي أعلى وفي تطور مستمر.

وبشكل أشمل في علم النفس في نظرية تكامل الأنا اللي أسسها عالم النفس «إريك إريكسون» وبيشرح فيها مراحل النمو الـ8 للإنسان من الولادة حتى الوفاة.. واللي بتبقى كل مرحلة مكونة من صراعين أحدهم هو اللي بينطبع على الشخصية، وأعتقد إن أهم المراحل اللي بيدرجها تحت مسمى (الهوية مقابل الضياع) واللي بتكون في حدود سن المراهقة من 11 لـ 18 سنة أو 20 تقريبًا، واللي بيتكون فيها التعرف على هوية الأنا وتكوين أنماط التفكير للمراحل القادمة ولأن الإختيارات في المرحلة دي بتبقى طامحة للمثالية اللي قد تكون كاذبة، وهنا المراهق بيكون عايز يظهر نفسه لذاته وللمجتمع بشكل قوي وواضح، فبتكون إختياراته في الغالب متطرفة ومتضادة زي مثلا الإنضمام لتنظيمات دينية متشددة أو الإنخراط في المخدرات.

وفي رأيي إن التجربة نفسها بتكون مفيدة مادام صاحبها بيخرج منها لمعتقدات أكثر رحابة، لكن فيه اللي بيعتقد إنه وصل لهويته من أول تجربة عشان مايحسش أنه كان على خطأ، ويضطر يدفع عمره مقابل إعتقاده اللي جايز ماكنش مبني على أساس قوي علشان مايحسش بالضياع.. وفي النهاية بنلاقي نتيجة البحث ده إما الإنتصار في (الصراع أو اليأس) واللي هي آخر مرحلة.

ولأني بشوف إن الشعر هو اللي بيخلص المعاني الكبيرة دي في جمل بسيطة فأحسن كلام أختم بيه هو رباعية الشاعر صلاح جاهين..

«أنا كنت شيء وصبحت شيء ثم شيء.. شوف ربنا قادر على كل شيء

هز الشجر شواشيه ووشوشني قال.. لابد مايموت شيء عشان يحيا شيء».

هذا المقال مشاركة من كاتبه في إطار مسابقة «شبابيك» التي أطلقها في الذكرى الثانية للموقع
 

شبابيك

شبابيك

منصة إعلامية تخاطب شباب وطلاب مصر