رئيس التحرير أحمد متولي
 تجربة «ستانفورد».. كيف تؤثر السلطة على البشر؟

تجربة «ستانفورد».. كيف تؤثر السلطة على البشر؟

لا يمكن توقع ما قد تصل إليه تصرفات البشر، فنحن كائنات معقدة للغاية و في بعض الأحيان قد يصدر عنا تصرفات لم نكن نتخيلها أبدا، ولم نكن لنقم بها بكامل وعينا . في عام 1971، اجري اختبار تحت إشراف فريق من الباحثين يقوده «فيليب زيمباردو» من جامعة ستانفورد. وقد أدى دور الحراس والسجناء متطوعون وذلك في بناء يحاكي السجن تماماً. إلا أن التجربة سرعان ما تجاوزت حدود السيطرة وتم إيقافها باكراً. قامت البحرية الأمريكية بتمويل الدراسة، وتم الإعلان عن التجربة في الجرائد للحصول على مشاركين مقابل 15$ كل يوم للمشاركة في (محاكاة لسجن) مدتها أسبوعين. استجاب للإعلان 70 شخص، اختار «زيمباردو» منهم 24 كانوا الأكثر ملائمة من حيث الاستقرار النفسي والصحة البدنية. غالبيتهم كانوا من البيض، الذكور، ومن الطبقة الوسطى، وهم جميعاً طلاب في المرحلة الجامعية

التجربة

قبل بدء الاختبار بيوم واحد، تم جمع الحراس لحضور جلسة تمهيدية، لكنهم لم يتلقوا أية خطوط أو توجيهات، باستثناء عدم السماح باستخدام العنف الجسدي، قيل لهم بأن إدارة السجن تقع على عاتقهم، وأن لهم أن يديروه كما يشاؤون.

قدم «زيمباروا» الجملة التالية للحراس كملخص :

«يمكنكم أن تولدوا إحساساً بالخوف لدى السجناء. من الممكن أن توحوا بشيء من التعسف يجعلهم يشعرون بأنكم وبأن النظام وبأننا جميعاً نسيطر على حياتهم، سوف لن تكون لهم خصوصيات ولا خلوات. سنسلبهم شخصياتهم وفرديتهم بمختلف الطرق. بالنتيجة سيقود كل هذا إلى شعور بفقدان السيطرة علي حياتهم. بهذا الشكل سوف تكون لنا السلطة المطلقة ولن تكون لهم أي سلطة».

«زيمباروا» كان لديه دوماً تساؤلاً : لماذا تصبح السجون مكاناً لمزيد من العنف والجريمة؟ وماذا يمكن أن يحدث للأشخاص الجيدين إذا ما وضعوا في بيئة سيئة؟

ولمعرفة الإجابة قام "فيليب" بإنشاء سجن وهمي في الطابق السفلي من قسم علم النفس بجامعة ستانفورد وكان سكانه من الشباب المتطوعين وتم عمل سجلات جنائية للمقيمين بالسجن كما لو أنه سجن حقيقي ثم قام بتقسيم المتطوعين إلى جزئين، جزء يعمل كسجناء والجزء الآخر هم الحراس، ثم قام بوضع جدول لمراقبتهم يستمر لمدة أسبوعين وكانت النتيجة مذهلة!

في أول ليلة تدهورت الأمور بشكل سريع وتمرد السجناء وشعر الحراس بالخطر لذلك قاموا بفرض قوانين صارمة على المحتجين عن طريق عمليات التفتيش العشوائية والسب والحرمان من النوم وأشياء أخرى من هذا القبيل، تحت هذا الضغط بدأ السجناء في الانهيار وخرج أول شخص بعد مرور 36 ساعة فقط وفي غضون 6 أيام كان هناك 4 أشخاص خارج السجن وأخذ الوضع في التدهور أكثر وأكثر حتى أن "فيليب" نفسه شعر بالخطر وفكر في استدعاء الشرطة للسيطرة على الأمر ولكنة قام بإنهاء التجربة بعد 6 أيام خوفاً من تطور الأوضاع للأسوأ.

النتائج

النتيجة التي توصل إليها بسيطة "أن هؤلاء الأفراد هم أصلاً أناس صالحون عاديون جداً، ودليله على ذلك أنه قبل اختيارهم للمشاركة في التجربة، أجريت عليهم الاختبارات النفسية التي أكدت أنهم أناس أسوياء لا يعانون من أي خلل نفسي"، بالتالي فإنهم في رأيه "ليسوا مسؤولين عما جرى وعما ارتكبوه من اعتداءات وانتهاكات"، والمشكلة لا تكمن فيهم في حد ذاتهم، المشكلة تكمن فقط في رأيه في الوضع الذي تم وضعهم فيه، والمناخ الذي عاشوا فيه، بعبارة أدق، بالنسبة إليه، هؤلاء ليسوا "تفاحات فاسدة" وإنما "السلة هي الفاسدة" وهي التي أفسدتهم، وهذه هي نظريته.

ويقول "قبل أن نلوم الأفراد، فإننا يجب أن نعرف الموقف الذي وضعوا فيه، والوضع الذي وجدوا أنفسهم فيه وأوصلهم إلى أن يصبحوا أشراراً ودفعهم إلى السلوك الإجرامي"، وفي رأيه "أننا لو فعلنا ذلك فسوف نكتشف" أنهم تفاحات صالحة في سلة فاسدة"، يقول أيضا أنه "ليس هناك أي سبب يدعونا إلى القول بأن هؤلاء الناس يختلفون عن أي منا، فنحن جميعاً من الممكن أن نفعل مثلهم تماماً إذا وضعنا في نفس الموقف".

نقد التجربة

تم توجيه كثير من النقد لهذا الاختبار وتم اعتباره مناف للأخلاق وغير علمي في نفس الوقت. وقد بين بعض النقاد ومنهم "إيريك فروم" بأنه ليس من السهولة تعميم نتائج الاختبار.

بدى من غير الممكن ضبط الاختبار بالضوابط العلمية التقليدية على اعتبار أنه (اختبار حقلي) وليس (مخبري). كما أن زيمباردو لم يكن مراقباً محايداً، بل ساهم وأثر في اتجاه الاختبار كمشرف عليه. نتائج الاختبار والمراقبة التي وضعها المشرفون كانت بعيدة عن الموضوعية وهو اختبار يعصب على باحثين آخرين تكراره بسهولة.

أفلام تناولت تجربة (ستانفورد)

2

تم إنتاج فيلمين يعرضان تلك التجربة أحدهما عام 2001 والأخر عام 2010

شاهد وثائقي الـ BBC الذي يعرض التجربة الأصلية

منة مدحت

منة مدحت

صحفية ومترجمة مهتمة بالكتابة في ملف العلاقات والثقافة الجنسية