رئيس التحرير أحمد متولي
 إيمان عبد الفتاح تكتب: «أم حميدة» وقصة أصعب يوم في حياتى

إيمان عبد الفتاح تكتب: «أم حميدة» وقصة أصعب يوم في حياتى

منذ أكثر من عشر سنوات لم يمح من ذاكرتي هذا اليوم بكل تفاصيله وأحداثه التي عايشتها وتفاعلت معها بالرغم من صغر سني حينها.

كان «يوما مشئوما» لا أتمنى أن أرى مثله فى حياتي فلا زلت متأثرة بأجواءه الحزينة، أشتم رائحة الموت تحوم من حولي كلما حاولت تذكره أو استعادة لحظاته المريرة القاسية.

فى صبيحة هذا اليوم وكما هو معتاد استعد لارتداء زي المدرسة على مضض، وإذ فجأة أسمع ما يشبه الأنين والصراخ المكتوم من جهة المطبخ، ولا شعوريا توجهت إلى هناك لأرى أمي تجلس على الأرض متخذة وضع القرفصاء ـ فى حالة إنهيار وبكاء ـ لم أعهده بها من قبل، وعندما رأتنى أسرعت فى تجفيف دموعها وابتسمت فى وجهي بشكل لم يريحني نفسيا، انقبض له قلبى وزادت ضرباته المتلاحقة..

سألتها «مالك يا ماما ؟ حد زعلك؟».. قالت لي «لأ يا حبيبتى مافيش حاجة.. تعبانة شوية.. حالا هجهز الفطار عشان تلحقى إنتى وإخواتك مدارسكم!!».

تركتها وأنا لم أعِـي شيئا مما يخبئه القدر، وانشغلت بقطتي التى كثيرا ما كانت أمي تهددنى بإلقاءها فى الشارع، إن لم أذاكر وأنجح فى المدرسة.. لا اتذكر عدد المرات التي كنت أسرق فيها البيض ـ الذى لا أحبه ـ من وراءها وأعطيه للقطة تأكله والغريبة أنها كانت تعلم بذلك ولم توبخني أوحتى تضربني.

لكن فى هذا اليوم رأيتها بكل حب وإمتنان تضع أمام القطة ثلاث بيضات، وكانت لا تزال آثار الحزن كاسية على وجهها تردد بصوت أقرب إلى الهمس «الله يرحمك ويغفرلك» لم أفهم مقصدها من تلك العبارة إلا بعدها بأسبوع تقريبا كنت فيه ما بين الحياة والموت أعاني من ارتفاع درجة حرارتي فقد تأثرت بفراقها ولم أتحمل رحيلها بسهولة.

«أم حميدة» هكذا عرفتها وجدتي حين كنت أناديها - رحمها الله - شابة تعدت الستين من عمرها ملامحها لم تكن تدل على أنها من قريتنا، كانت ذا جسد نحيل وشعر أبيض ووجه بشوش تملؤه التجاعيد يحتفظ بلمسة جمالية.. رأيتها أول مرة وكان قد مضى على انتقالنا فى منزلنا الجديد نحو ثلاث أيام كانت تقيم مع ابنتها جارتنا فى نفس الشارع، وكانت أمي تتركني معها وهى مطمئنة أننى فى «ايد امينة» لساعات طوال.

الذاكرة لا تسعفني فى سرد حكاياتها وقصصها التى كنت أتلهف على سماعها بعد جملة «وما يحلى الكلام الا بذكرالنبى محمد  صلى الله عليه وسلم»، اتذكر حينما أكملت السابعة من عمرى كانت هديتها تلك القطة ـ التى سبق أن ذكرتهاـ ..

تأثرت بها بعد معرفتى بحياتها وكيف كافحت وتحملت مسئولية تربية أبناءها السبعة بمفردها بعد وفاة زوجها، وكانت تعمل فى البيوت تطهو وتغسل وتكنس وتمسح حتى لا تضطر إلى مد يدها لأحد هناك فى طنطا.. تعرضت أثناء مشاجرتها مع إبنها فى أحد المرات إلى فقأ إحدى عينيها، لكنها صمدت أمام جحود الابن وآثرت العيش فى هدوء مع ابنتها التي كانت قد تزوجت فى قريتنا.

وكان نصيبى أن أراها وأتعلق بها من دون إخوتى، ولم أتخيل أنها قد تتركنا وتذهب إلى اللاعودة.. أخذت فترة كى أتأقلم مع الوضع بعد رحيلها.. لم أنساها يوما.. ولا زلت اترحم عليها حتى يومنا هذا ..!!

∼∼∼∼∼∼∼∼∼∼∼∼∼∼∼∼∼∼∼∼∼∼∼∼∼∼∼∼∼∼

هذا المقال ضمن مسابقة «شبابيك» للكتاب الشباب.. تعرف على تفاصيل المسابقة وشروط كتابة المقالات عبر «شبابيك» من خلال الرابط التالي: http://shbabbek.com/SH-43132

شبابيك

شبابيك

منصة إعلامية تخاطب شباب وطلاب مصر