رئيس التحرير أحمد متولي
 بعد واقعة أبو قرقاص.. هل نفسد ما أصلحه السابقون؟

بعد واقعة أبو قرقاص.. هل نفسد ما أصلحه السابقون؟

 تعرضت سيدة مصرية مسيحية للتعريّة في أحد شوارع محافظة المنيا بصعيد مصر، وقيل إن السبب هو تلك القصة التي تتكرر من فترة لأخرى باختلاف المكان الذي تحدث فيه، وهو وجود علاقة بين رجل مسيحي وسيدة مسلمة أو العكس، ليشتعل الفتيل وتخرج الأمور عن السيطرة، ثم تخمد النيران مجددا في انتظار أبطال جدد للقصة.

هل كانت علاقة مسلمي مصر بمسيحييها دوما بهذا الاضطراب؟ هل اعتدنا مثل تلك الحوادث حتى أنها تكاد تمر دون أن نشعر بها؟ هل فعلا أصبحت «أمرا عاديًا لا يستدعي الضجة»؟

أول لقاء

علاقة الإسلام بمصر بدأت مع الفتح الإسلامي لها بين عامي 640 و642 ميلادية، 19 و21 هجرية، أثناء خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. كان عمرو بن العاص هو قائد الجيش وتوجه إلى مصر لفتحها بعد فتح الشام.

في ذلك الوقت، كانت مصر واقعة تحت سيطرة الروم، وبرغم اختلاف الروايات حول فتح مصر والأوضاع التي سبقته، إلا أنها تجمع على سوء معاملة الروم لأهل مصر، حيث استعبدوهم وجعلوا مصر ضيعة للإمبراطور البيزنطي ومن قبله الروماني، وعُرفت بمخزن غلال روما.

ربما يرجع ذلك إلى اختلاف عقيدة أهل مصر المسيحيين عن عقيدة الروم، فيما يخص ثوابت الدين، مما جعل المصريين ينفرون من الحكم البيزنطي، ويُرحبوا بالفتح الإسلامي حتى وإن كان ترحيبا صامتا.

حرية العقيدة

بعد انتصار عمرو بن العاص وجيشه، عقد مع الروم معاهدة انسحبوا على إثرها من مصر وانتهى العهد الروماني، وبدأ العهد الإسلامي وكان أوّل الولاة ابن العاص، والذي أعلن في البداية أن لا إكراه في الدين، وأن حرية العقيدة مقدسة، ولن يتعرض لأحد في حريته أو في ماله بسبب دينه أو مذهبه، وخيّرهم بين الدخول في الإسلام والبقاء على دينهم.

في ذلك الوقت كانت أخبار العهدة العُمرية -التي كتبها عمر بن الخطاب لأهل القدس بعد فتحها وتتيح لهم حرية العقيدة- قد وصلت إلى مصر؛ مما جعل أهلها يرحبون بالحكم الجديد، ودخل عدد كبير منهم في الإسلام بالفعل، فيما بقي آخرون على دينهم يمارسون شعائرهم بحرية.

شواهد

من أكثر الروايات انتشارا حول أوضاع المسيحيين في مصر بعد الفتح الإسلامي، أن البطريرك بنيامين كان قد هاجر الإسكندرية متخفيًا من البيزنطيين لثلاثة عشر عاما قد عاد بعد رحيلهم. ووفقا لموقع المؤرخ القبطي، فقد عاد بنيامين بعد أن أصدر عمرو بن العاص كتاب الأمان له.

جاء في كتاب الأمان: «أينما كان البطريرك بنيامين نعده الحماية والأمان وعهد الله، فليأت البطريرك إلى هاهنا في أمان واطمئنان ليلي أمر ديانته ويرعى أهل ملته»، وبعد أن عاد بنيامين قال: «عدت إلى بلدي الإسكندرية، فوجدت بها أمنا من الخوف، واطمئنانا بعد البلاء، وقد صَرف اللهُ عنا اضطهاد الكفرة وبأسهم».

أما أكثر الروايات انتشارا على الإطلاق حول كيفية معاملة المسلمين لأهل مصر بعد فتحها هي قصة الشاب القبطي الذي سابق محمد بن عمرو بن العاص، وكان حينها والي مصر، وعندما سبقه غضب ابن عمرو بن العاص وضربه بالسوط مُرددًا «خذها وأنا ابن الأكرمين». استعاذ القبطي بأمير المؤمنين الخليفة عمر بن الخطاب، وذهب إليه ففي مكة شاكيا الظلم الذي تعرض له من ابن والي مصر، فاستبقاه بن الخطاب وكتب لابن العاص كتابا يطلب منه سرعة الحضور إليه بصبحة ولده محمد المعني بالشكوى. حين حضر الاثنان إلى ابن الخطاب، استدعى الأخير القبطي وأعطاه السوط كي يرد ما تعرض له من ضرب على يد محمد، فضربه على رأسه، فقال له عمر أن يضرب عمرو، فرفض القبطي قائلا «لقد ضربت من ضربني»، فقال: «والله لو فعلت ذلك ما حلنا بينك وبين ذلك، فما تجرأ عليك ولده إلا بسلطان أبيه»، ثم قال موجها كلامه لابن العاص «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا». الدول الإسلامية اتسم العصر العباسي بالقوة والازدهار، ولذلك كانت العلاقة بين الدولة ومواطنيها غير المسلمين تُصنّف على أنها في أفضل الأوضاع، خاصة خلال فترتي خلافة أبي جعفر المنصور وهارون الرشيد. ذكر كتاب «المنتجب العاني» لأسعد علي أن الخلفاء كانوا يحتلفون بالأعياد المسيحية كعيد الميلاد في قصر الخليفة، فيضع الخليفة وحاشيته أكللة من زيتون ويرتدون الملابس الفاخرة. كما بُنيت في بغداد كاتدرائيتان مع تشييد المدينة، وكان للمسيحيين خاصًة السريان من يعاقبة ونساطرة دور مهم في الترجمة والعلوم والطب. أما في الدولة الفاطمية، وفقا لتاريخ المسيحية الشرقية، فقد تسامح الخُلفاء الفاطميين الأوائل مع أهل مصر المسيحيين، وقيل بأنهم كانوا يُشجعون إقامة الكنائس والبيع والأديار، وأحيانا كانوا يتولون إقامتها بأنفسهم. في العهد العثماني، كان محمد علي أول من أدخل قضية المساواة في الحقوق والواجبات بين المواطنين المسلميين والمسيحيين، مما مثل مرحلة جديدة للتعامل مع المسيحيين بعد سنوات من الاضطهاد. في عام 1841 أصدر الباب العالي فرمانًا يقضي بتجريم التمييز على اختلافات دينية، بجانب إسقاط الجزية، ومنع تعييرات المسيحيين واليهود.

شيماء عبدالعال

شيماء عبدالعال

صحفية مصرية مهتمة بالكتابة في ملف الأدب والثقافة