شارع المعز.. أحجار تروي تاريخ
بين بوابتين، يمتد هو وينبسط.. تحيطه الأسوار من كل جانب، تُبعد عنه الزحف العمراني، الزحام، التلوث، الضوضاء، تحجبه عن الأعين ككنزٍ ثمين يجب حمايته.
تعبر إليه من إحدى بواباته.. ليأخذك في رحلة زمنية تفصلك عمّا سواه خارج أسواره. يطول، يتعرج، تتفرع منه شوارع أخرى، تجد لكل حجر بهاءه الخاص، لكل حجر فيه حكايته، تاريخه الذي يرويه بفخر.
قالوا أنه الأكثر بهاءً بين شوارع مصر، وقالوا أنه أكبر متحف مفتوح للآثار الإسلامية في العالم، وبعيدا عما يُقال – وهو صواب- فإن «شارع المعز» ساحر بشكل خاص، دوما ستجد من زاره يتوق للعودة له ثانية، ومن لم يزره بعد يتحرق شوقا لرؤيته.
ربما لم يعرف جوهر الصقلي، حين أمر ببناءه قبل أكثر من ألف عام، أن هذا الشارع سيظل قائما ومحتفظا برونقه طوال هذه المدة، بل ويأسر قلوب كل من يروه.
بعد أن تم بناؤه، سُمي الشارع باسم «المعز لدين الله الفاطمي» نسبة إلى الخليفة الفاطمي، الذي أرسل جوهر الصقلي لفتح مصر عام 969 ميلادية. وصمم كي يصبح شريان الحياة في القاهرة في ذلك الحين.
يمتد من باب الفتوح، مرورا بمنطقة النحاسين، ثم خان الخليلي، فمنطقة الصاغة ثم يقطعه شارع الموسكي، ثم يقطعه شارع الأزهر مرورا بمنطقة الغورية والفحامين، ثم زقاق المدق والسكرية لينتهي عند باب زويلة أو بوابة المتولي كما يُطلق عليها.
جامع الحاكم
منذ تأسيسه، وبدأ كل حاكم يمر على تاريخ مصر في ترك أثر له بالشارع، ليظل شاهدا أنه مر من هنا، بمجرد أن تعبر بوابة الفتوح، ستجد عن يسارك مسجد الحاكم بأمر الله، ثاني أكبر مساجد القاهرة بعد مسجد بن طولون.
كما يضم الشارع الكثير من المساجد، لكل مسجد تصميمه الخاص، وطابعه المختلف والفريد، فهناك المسجد الأقمر، الذي كان يضاهي بياضه ضوء القمر حين بُني، ومسجد أغا السلحدار، الذي بُني كي يكون مسجدا وسبيلا وكُتاب.
كما يوجد مساجد كبيرة المساحة، مثل السلطان برقوق، مسجد الناصر محمد بن قلاوون، وجامع السطان المؤيد، بجانب الكثير من الأسبلة، التي بُنيت كي تكون سُقيا للمارة، مثل سبيل خسرو باشا، سبيل عبدالرحمن كتخدا، وسبيل محمد علي الشهير بالعقادين.
سبيل محمد علي
تعرض شارع المعز في العصر الحديث إلى إهمال شديد، وغابت عنه الرقابة، واقتحمت السيارات الشارع الذي كان محرما عليها من قبل، إلا أن مشروعا لحفظ الآثار وترميمها، بدأ عام 1998، وشمل شارع المعز، أعاد له بهاءه ورونقه من جديد، حين افتتح في عام 2008، ليعود من جديد، أكبر متحف مفتوح للحضارة الإسلامية يستقبل زواره وعشاقه.