بعد واقعة أبو قرقاص.. هل نفسد ما أصلحه السابقون؟
تعرضت سيدة مصرية مسيحية للتعريّة في أحد شوارع محافظة المنيا بصعيد مصر، وقيل إن السبب هو تلك القصة التي تتكرر من فترة لأخرى باختلاف المكان الذي تحدث فيه، وهو وجود علاقة بين رجل مسيحي وسيدة مسلمة أو العكس، ليشتعل الفتيل وتخرج الأمور عن السيطرة، ثم تخمد النيران مجددا في انتظار أبطال جدد للقصة.
هل كانت علاقة مسلمي مصر بمسيحييها دوما بهذا الاضطراب؟ هل اعتدنا مثل تلك الحوادث حتى أنها تكاد تمر دون أن نشعر بها؟ هل فعلا أصبحت «أمرا عاديًا لا يستدعي الضجة»؟
أول لقاء
علاقة الإسلام بمصر بدأت مع الفتح الإسلامي لها بين عامي 640 و642 ميلادية، 19 و21 هجرية، أثناء خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. كان عمرو بن العاص هو قائد الجيش وتوجه إلى مصر لفتحها بعد فتح الشام.
في ذلك الوقت، كانت مصر واقعة تحت سيطرة الروم، وبرغم اختلاف الروايات حول فتح مصر والأوضاع التي سبقته، إلا أنها تجمع على سوء معاملة الروم لأهل مصر، حيث استعبدوهم وجعلوا مصر ضيعة للإمبراطور البيزنطي ومن قبله الروماني، وعُرفت بمخزن غلال روما.
ربما يرجع ذلك إلى اختلاف عقيدة أهل مصر المسيحيين عن عقيدة الروم، فيما يخص ثوابت الدين، مما جعل المصريين ينفرون من الحكم البيزنطي، ويُرحبوا بالفتح الإسلامي حتى وإن كان ترحيبا صامتا.
حرية العقيدة
بعد انتصار عمرو بن العاص وجيشه، عقد مع الروم معاهدة انسحبوا على إثرها من مصر وانتهى العهد الروماني، وبدأ العهد الإسلامي وكان أوّل الولاة ابن العاص، والذي أعلن في البداية أن لا إكراه في الدين، وأن حرية العقيدة مقدسة، ولن يتعرض لأحد في حريته أو في ماله بسبب دينه أو مذهبه، وخيّرهم بين الدخول في الإسلام والبقاء على دينهم.
في ذلك الوقت كانت أخبار العهدة العُمرية -التي كتبها عمر بن الخطاب لأهل القدس بعد فتحها وتتيح لهم حرية العقيدة- قد وصلت إلى مصر؛ مما جعل أهلها يرحبون بالحكم الجديد، ودخل عدد كبير منهم في الإسلام بالفعل، فيما بقي آخرون على دينهم يمارسون شعائرهم بحرية.
شواهد
من أكثر الروايات انتشارا حول أوضاع المسيحيين في مصر بعد الفتح الإسلامي، أن البطريرك بنيامين كان قد هاجر الإسكندرية متخفيًا من البيزنطيين لثلاثة عشر عاما قد عاد بعد رحيلهم. ووفقا لموقع المؤرخ القبطي، فقد عاد بنيامين بعد أن أصدر عمرو بن العاص كتاب الأمان له.
جاء في كتاب الأمان: «أينما كان البطريرك بنيامين نعده الحماية والأمان وعهد الله، فليأت البطريرك إلى هاهنا في أمان واطمئنان ليلي أمر ديانته ويرعى أهل ملته»، وبعد أن عاد بنيامين قال: «عدت إلى بلدي الإسكندرية، فوجدت بها أمنا من الخوف، واطمئنانا بعد البلاء، وقد صَرف اللهُ عنا اضطهاد الكفرة وبأسهم».