«بلاط الشهداء».. ساحة المعركة المجهولة بين مسلمي الأندلس والفرنجة

«بلاط الشهداء».. ساحة المعركة المجهولة بين مسلمي الأندلس والفرنجة

لم يكن رمضان شهر للصوم فحسب، بل شهد أحداث صارت علامات بارزة في التاريخ، ومن أهم هذه الأحداث هي معركة «بلاط الشهداء».

كان العام هو 732 ميلاديًا و114 هجريًا، وفي أواخر أيام شهر شعبان وأوائل رمضان. وكان أطراف المعركة هم المسلمون في الأندلس بقيادة عبدالرحمن الغافقي، وإمبراطورية الفرنجة بقيادة شارل مارتل.

بداية النهاية

بلاط الشهداء

جاءت معركة «بلاط الشهداء» ضمن فتوحات حُكام الأندلس داخل أوروبا.  وكان عبدالرحمن الغافقي هو والي الأندلس وقائد المسلمين في معركة «بلاط الشهداء» والذي عُرف بانتصاراته الكثيرة على المدن الأوروبية الواقعة بين حدود الأندلس «إسبانيا حاليا» وفرنسا؛ حتى استطاع أن يستولي على أهم المدن الأوروبية وهي المدينة الفرنسية «ليون».

من هم الفرنجة؟

على الجانب الآخر، كان شارل مارتل هو قائد الفرنجة في معركة «بلاط الشهداء» وحاكم «أوستراسيا» وهي مملكة الفرنجة الشرقية؛ الذي تولى الحكم بعد وفاة والده عام 714 ميلادية.

والفرنجة هم قبائل جرمانية سكنت أوروبا، واتحدت وشكلت ممالك خاصة بها، منذ القرن الثالث الميلادي. ومع الوقت توسعت هذه الممالك وضمت قبائل أخرى وأسست إمبراطورية عرفت باسم إمبراطورية الفرنجة أو «Kingdom of the Franks» التي أُخذ منها اسم «فرنسا».

لكن معركة «بلاط الشهداء» لم تضم الفرنجة فقط؛ فقد اتحد في جيش «شارل مارتل» قبائل الفرنجة مع المرتزقة مع قبائل من بلاد الغال، التي تشمل فرنسا وبلجيكا وأجزاء من إيطاليا وألمانيا، وأيضًا قبائل القوط.

شارل مارتن
شارل مارتل

ظروف المعركة

كادت معركة «بلاط الشهداء» أن تصبح مثل غيرها من الفتوحات التي انتصر فيها عبدالرحمن الغافقي في فرنسا؛ خاصة أنه نشر قواته بالكامل في أرض القتال قبل وصول الفرنجة، وإذا علمنا أن جيش شارل مارتل كان جيش مُشاة فقط، ولم يكن به فرسان؛ فإن كل الظروف كان مهيأة للمسلمين كي ينتصروا.

كان عبدالرحمن الغافقي أيضًا قائدًا عسكريا ماهرًا استطاع أن يخمد العديد من الثورات والتمردات في الأندلس بين العرب والبربر، فقد شكل البربر جزءًا كبيرا من الجيش الفاتح للأندلس، وكان يرون أحقيتهم بالحكم. كما أخمد الخلافات أيضًا بين القبائل العربية نفسها.

وفي طريقة إلى قلب أوروبا وقبل أن يصل «الغافقي» إلى مدينة «تورز» التي وقعت المعركة بالقرب منها، كان «الغافقي» قد سيطر على ولاية «أراجون» ومدينة «آرل» ومدينة «سانس» التي تبعد 30 كيلو مترًا فقط عن باريس.

فيلم «بلاط الشهداء» للجزيرة الوثائقية

هزيمة أم انسحاب؟

بعد كل تلك الانتصارات كان الإعياء قد انتشر بين جيش المسلمين، خاصة أن كل مدينة يفتحونها يتركون فيها جزءًا من الجيش، ومع كثرة الغنائم أيضًا كانت عزيمة الجيش قد فترت ولا يرغب في مواصلة القتال.

ورغم ذلك دارت المعركة لثمانية أيام متواصلة، كانت مقسمة لمعارك صغيرة انتصر فيها المسلمون، حتى نشبت معركة كبيرة بين الجانبين كاد المسلمون ينتصرون فيها، حتى هاجم الفرنجة معسكر المسلمون من الخلف، فتشتت جيش المسلمين وتراجع للدفاع، فاطبق عليهم الفرنجة من الجانبين، وقُتل عبدالرحمن الغافقي، وقرر جيش المسلمين الانسحاب.

أما جيش الفرنجة فلم يرغب في ملاحقة المسلمين، خوفًا من أن يكون انسحابهم مجرد كمين

المسحراتي وفانوس رمضان والمدفع.. ايه حكاياتهم؟ (اسمع)

كيف يرى الأوروبيون هذا المعركة؟

معركة بلاط الشهداء
معركة «بلاط الشهداء» في الفن الأوروبي

 

إذا كانت «بلاط الشهداء» لا تعني للمسلمين غير معركة سقط فيها آلاف القتلى ثم واصلت بعدها الأندلس تألقها كأن شيئًا لم يكن؛ إلا أن معظم المؤرخين الأوروبيين يبالغون فيها ويرونها حدثًا عظيمًا، لأنها – في رأيهم-أوقفت المد الإسلامي، وحافظت على المسيحية كديانة مسيطرة، في عصر كانت الدولة الإسلامية تحتاج بقايا الإمبراطورية الرومانية والفارسية.

أرض الشهداء

أطلق المسلمون على المعركة اسم «بلاط الشهداء»، لتخليد لذكرى شهداء المعركة. وقيل إنها سُميت بالـ«بلاط» لأنها وقعت بالقرب من قصر مهجور، أو نسبة للأرض التي سقط عليها الشهداء، فالبلاط تعني الأرض المُمهدة.

أما الأوروبيون فيطلقون عليها معركة «تورز» أو «بواتييه» وهما مدينتان فرنسيتان وقعت المعركة بالقرب منهما؛ لكن حتى الآن لم يستطع أحد تحديد مكان هذه المعركة بدقة شديدة.

المصادر: 1 - 2 - 3 

أميرة عبد الرازق

أميرة عبد الرازق

محررة صحفية ومترجمة مصرية مهتمة بشؤون التعليم واللغات وريادة الأعمال