رئيس التحرير أحمد متولي
 متحف كفافيس.. شاعر الإسكندرية المنسي لا يغادر منزله «الأفضل»

متحف كفافيس.. شاعر الإسكندرية المنسي لا يغادر منزله «الأفضل»

عالم آثار شهير.. رجل دين مسيحي كان له أتباع كُثُر.. تاجر في بورصة القطن امتلك أراضِِ بالإسكندرية، كل هذه الروايات ستسمعها من سكان منطقة وسط البلد بالإسكندرية إن حاولت أن تسألهم «من هو قسطنطين كفافيس؟» الذي قررت الجمعية اليونانية تحويل منزله إلى متحف مفتوح للجمهور.

كثير من أبناء الإسكندية لا يعلمون شيئاً عن تاريخ أو مكانة «كفافيس» الشاعر اليوناني الموهوب الذي لم يزر اليونان إلا مرة واحدة في حياته ودُفن بالإسكندرية بعد رحلة مع المرض وبعدما ترك أثره ورائه وهو 174 قصيدة ترجم بعضها إلى أكثر من 70 لغة مختفة، حتى تحول منزله بشارع جابي لمسرح سيد درويش بشارع فؤاد إلى متحف مفتوح للزوار المصريين والأجانب بالمجان، ورغم ذلك نادرا ما تجد أحداً مهتماً بزيارته.

ولد «كفافيس» في 29 أبريل عام 1863 في شارع شريف باشا (صلاح سالم حالياً) لأب يوناني شديد الثراء، ويُقال إنه أول من أدخل صناعة حلج القطن إلى مصر، وكان له مصنع في مدينة كفر الزيات ومتاجر أخرى في مدينة مينا البصل، ومكتب للحاصلات الزراعية في منطقة زيزينيا، ولكن أسرته بدأت تفقد أملاكها شيئاً فيئاً خاصة بعد وفاة الأب، وسافر مع أسرته عدة سنوات حتى قرر العودة مرة أخرى للإسكندرية.

عودة للإسكندرية

عاد «كفافيس» إلى الاسكندرية عام 1889 بعد اكتسابه 5 لغات تمكن من تعلمها من رحلته مع والدته وإخوته، إلى جانب اللغة العربية، وبعد خمس سنوات من عودته استطاع الحصول على وظيفة متواضعة في مكتب وزارة الري المصرية عام 1889 وتفاجأ مديره في العمل بإجادته لخمس لغات، ليوكل إليه العمل كمترجم، من دون أي قيود وظيفية، مقابل إنهاء العمل بالشكل اللائق، ما أعطى الحرية لـ«كفافيس» لمتابعة هوايته في كتابة الشعر، والعمل كسمسار في بورصة القطن المصرية بالاسكندرية، واستمر في الوظيفة لنحو 30 عاما. 

نشر «كفافيس» العديد من المقالات النقدية والمتنوعة في العديد من الدوريات الصادرة في الإسكندرية، وأثينا، واسطنبول وبعض العواصم الأوروبية الأخرى، وإن كان حريصاً على أن يظل الشاعر داخله مختفيا عن العيون قدر الإمكان، معتبراً كتابته للشعر هواية لا يبتغي من ورائها مالا أو شهرة، وكان يحرص على مراجعة ما يكتب والتخلص من معظمه نتيجة عدم الشعور بالرضاء، وفي عام 1904 قام بنشر كتيب صغير يحتوي على 14 قصيدة ثم أعاد نشرها مرة أخرى مضيفاً إليها سبع قصائد جديدة في عام 1910. 

 

الانطلاق والشهرة

في الحرب العالمية الأولى وقبل وفاته، قابل «كفافيس» الكاتب الإنجليزي إيه أم فورستر صاحب كتاب «الإسكندرية دليل وتاريخ وحياة»، حيث ذكر فيه «كفافيس» كثيرا، كما قام بترجمة أعماله عند عودته إلى إنجلترا، وبعد وفاته ذكر في كتاب «رباعيات الإسكندرية» للورانس داريل، الذي جاء إلى الإسكندرية في أثناء الحرب العالمية الثانية، لتنطلق شهرته إلى أرجاء العالم كله عبر نشرها في صحف عالمية.

في عام 1922 تقدم «كفافيس» باستقالته من وظيفته، وخلد إلى العزلة، واستقر في منزله الحالي، واستمر في كتابة الشعر لنفسه ولأصدقائه القليلين، إلى أن أصيب بمرض سرطان الحنجرة، ما اضطره إلى السفر إلى اليونان لإجراء جراحة، عاد بعدها وقد انقطعت أحباله الصوتية، ليفقد الشاعر صوته إلى الأبد، ويدخل بعدها إلى مستشفى كوتسيكا المواجه لمنزله في ذلك الوقت، ليظل فيه لمدة شهرين، ثم وافته المنية في 29 إبريل عام 1933 (وهو نفس يوم مولده)عن عمر يناهز 77 عاماً، ليتم دفنه في مقابر الجالية اليونانية في منطقة الشاطبي بالإسكندرية.

وصيته الخالدة

أوصى «كفافيس» قبل وفاته بمنح متعلقاته إلى صديقه وجاره ومدير أعماله «سنجوبلو» الذي قام بنقل أغلب المتعلقات إلى اليونان، وقام ببيعها هناك، ولم يترك منها إلا النزر اليسير، مما تعذر عليه نقله إلى خارج البلاد.

وقامت الجمعية اليونانية بنقل ما تبقى من المتعلقات إلى مقرها وأقامت متحفاً خاصا بـ«كفافيس»، وتم بيع المنزل وحوّله المالك الجديد إلى «بنسيون» حتى تم تعيين الشاعر والكاتب اليوناني كوستيس موسكوف مستشاراً ثقافياً لليونان بحلول عام 1991 فأسس جمعية لمحبي «كفافيس»، وسافر إلى الإسكندرية في محاولة لشراء المنزل من مالكه مرة أخرى، ونجح بالفعل بمساعدة من رجل الأعمال اليوناني الثري ستراتي جاكس، وهو أحد أعضاء الجمعية، وتمت استعادة متعلقات الشاعر الكبير من مقر الجمعية اليونانية، وإيداعها مرة أخرى في المنزل، ليتحول إلى «متحف كفافيس» الذي تم افتتاحه عام 1992، ويتبع السفارة اليونانية، ليعود «كفافيس» إلى المنزل الذي قضى فيه آخر 25 عاما من عمره.
وقال عن هذا المنزل في مذكراته: «ليس أفضل من هذا المنزل الذي أعيش فيه، في الأسفل شقة مواعدة تعالج ضرورات الجسد، وأمامي تقع الكنيسة حيث تُغتفر الخطايا، وأبعد قليلاً توجد المستشفى حيث نقضي».


مقتنيات المتحف


بمجرد وقوفك أمام باب المتحف ستجده ذا مظهر عادي لباب أي منزل، حتى من الداخل لن تجد قطع أثار كثيرة، وإنما أبرز جزء في المنزل هو حجرة مليئة بكتب ومقالات كتبت عن «كفافيس»  موضوعة تحت ألواح زجاجية، والطبعة الأولى من ديوانه الشعري الذي يضم رباعياته عن الإسكندرية، إضافة إلى العديد من ترجمات أشعاره بمختلف اللغات، حيث تم ترجمة أعماله إلى أكثر من 70 لغة، بجانب العديد من الكتب النقدية لأشعاره من مختلف أنحاء العالم، بخلاف وجود تمثال نصفي للشاعر الراحل.


كما تبقى من أثاث المنزل حجرة مكتبه القديمة بكل محتوياتها بخلاف حجرة نومه، بخلاف المتعلقات القليلة التي تبقت، ويضم المتحف تمثالاً رخامياً نصفياً لـ«كفافيس»، كما يضم مجموعة من الصور الشخصية المختلفة للشاعر ولبعض أفراد أسرته، وبعض هدايا الكنيسة اليونانية، ومجموعة من الأيقونات وطوابع البريد التذكارية التي تخلد ذكرى «كفافيس»، إضافة إلى العديد من شهادات التقدير التي حصل عليها، ومجموعة من الأفلام التي تم إنتاجها عن سيرة حياته من مختلف أنحاء العالم، والعديد من اللوحات المرسومة للشاعر من قبل فنانين من مختلف البلاد.
 


 

الكلمات المفتاحية

مي مصطفى

مي مصطفى

محررة صحفية ومدونة مهتمة بالتنمية البشرية والمجالات الأدبية