رئيس التحرير أحمد متولي
 إحداها أنقذت الرئيس.. حكاية 3 خُطب كتبها «هيكل» للسادات

إحداها أنقذت الرئيس.. حكاية 3 خُطب كتبها «هيكل» للسادات

مثل سلفه جمال عبد الناصر عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات في سنوات رئاسته الأولى بكتابة خُطبه إلى الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل، باعتباره كان مشاركاً في صنع كثير من الأحداث في الفترة الناصرية ومدركاً أكثر من غيره بخبايا ودهاليز السياسة في مصر.

كتب «هيكل» خُطبة السادات في افتتاح الدورة العادية للمؤتمر القومي للاتحاد الاشتراكي العربي في 12 نوفمبر 1970، وكذلك خطبة أول مايو مايو 1971 فيما عدا الفقرة الأخيرة الخاصة بـ«طحن كل من يحاول إحداث صراع» التي رفض «هيكل» كتابتها.

وكتب «هيكل» أيضاً خطاب السادات في مجلس الشعب عام 1975، ثم كتب له خطاباً آخر عن إعادة تنظيم العمل الداخلي في مصر والذي أسند فيه الوزارة لممدوح سالم.

صراع وطحن

وربما ظهر تضاب الرؤى والأفكار بين «هيكل» والسادات في خطاب أول مايو 1971 عندما رفض الأول كتابة جملة «طحن من يحاول إحداث صراع».

يقول السادات: «قبل أول مايو 1971 طلبت من هيكل أن يحضّر لي خطبة عيد العمال، وأعطيته النقاط، وقلت له: في نهاية الخطاب أريد فقرة عن مراكز القوى وعن أنني لن أسمح بأي صراع، ومسئوليتي كرئيس لهذا البلد أن أطحن كل من يحاول إحداث صراع. وقلت لهيكل: هذه الفقرة تكتبها بمنتهى الوضوح».

وذكر الكاتب الصحفي موسى صبري تفاصيل هذه الواقعة على لسان السادات نفسه. يقول السادات: «قبل أول مايو 1971 طلبت من هيكل أن يحضّر لي خطبة عيد العمال، وأعطيته النقاط، وقلت له: في نهاية الخطاب أريد فقرة عن مراكز القوى وعن أنني لن أسمح بأي صراع، ومسئوليتي كرئيس لهذا البلد أن أطحن كل من يحاول إحداث صراع. وقلت لهيكل: هذه الفقرة تكتبها بمنتهى الوضوح».

وكما يروى السادات «كتب هيكل الخطاب وعند مراجعتي له لم أجد الفقرة التي طلبتها. وفي المساء طلبت هيكل، وسألته لماذا لم تكتب هذه الفقرة؟، فأجابني: لأ يا أفندم، اعمل معروف الجزء ده سيادتك تكتبه.

- كده يا هيكل، دي الساعة دلوقت 9 مساءََ

- أرجوك يا أفندم.

ويكمل السادات «وفعلاً سهرت ليلتها وكتبتها بنفسي. وفي اليوم التالي قرأت الخطاب».

دس الآراء

وقد سعى الكاتب لدس رؤاه ومواقفه في خطب السادات. ذكر «هيكل» في كتابه «خريف الغضب» أنه حرص أثناء كتابته لخطبة افتتاح الدورة العادية للمؤتمر القومي للاتحاد الاشتراكي العربي في 12 نوفمبر 1970 أن يُضمّن صدر الخطاب واقعة معينة «حتى يقولها السادات بلسانه، وحتى يكون ارتباطه بما تحقق من أهداف – ثورة يوليو – ارتباطاً مسجلاً عليه».

خلاصة هذه الواقعة التي أراد «هيكل» أن يقولها السادات بلسانه أن عبدالناصر في عام 1969 قال في جلسة ودية جمعته بهما إنه متخوف من أن تؤثر مشاكله الصحية على حٌسن أدائه لواجباته، مُلمحاً إلى تفكيره في التنحي، فقال له السادات «ومن هذا الذي يستطيع أن يأتي بعدك؟ إنك جعلتها مسألة صعبة جداً لمن سيخلفك لا سمح الله. ماذا  تركت له لكي يفعل؟ لقد طردت الملك وطردت الإنجليز، وبنيت السد العالي، وحققت إرادة الوحدة العربية، وغيرت وجه مصر كلها. إنني أرثي له هذا الرجل المسكين بصرف النظر عمن يكون».

ذكر السادات بالفعل الواقعة التي أراد له «هيكل» أن يقولها، وفي النهاية أضاف عليها جملة «ولم يخطر ببالي قط أن الأقدار سوف تداهمني بهذا الامتحان الرهيب».

ويمكن تفسير نجاح ما يصوره «هيكل» على أنه وضع «الجرس في رقبة القط» من خلال إعلان السادات أنه يقتدي بصورة عبدالناصر ويحذو حذوه بعدما ذكر إيجابياته.

مراكز القوى

ومن الخطب المهمة التي كتبها «هيكل» للسادات تلك التي ألقاها في 14 مايو 1971 في ذروة صراعه على السلطة مع من أطلق عليهم مصطلح «مراكز القوى».

روى «هيكل» أن السادات كان يستعد لتوجيه خطابه ليخطر الشعب بتفاصيل صراعه مع مجموعة مراكز القوى، وكان يريد أن يركز على أن خصومه حاولوا أن يمنعوه من التفاوض مع وزير الخارجية الأمريكي ويليام روجرز حول المقترحات الأمريكية الخاصة بسيناء.

ولكن قبل أن يبدأ السادات خطابه طلب منه «هيكل» أن يركز على قضية الديمقراطية لكسب الجماهير لصفه.

روى «هيكل» في كتابه «إن القضية المركزية فيما يتعلق بهذا الصراع هي قضية الديمقراطية، التي تمس الناس مباشرة في هذه الظروف، إن الناس يريدون أن يسمعوه وهو يؤكد لهم ضمانات حرياتهم. لقد أفلتوا بالكاد من شبح ديكتاتورية كان يمكن أن تصل في تجاوزاتها إلى بعيد. وعندما جعل السادات من الديمقراطية قضيته الرئيسية فإن الناس بدوا كأنهم جميعاً قد تنفسوا الصعداء».

لقد استطاع «هيكل» أن يضع يده على الورقة الرابحة في استقطاب الجماهير نحو الطرف الذي استطاع القضاء على منافسيه وهي الديمقراطية، وقد استخدم السادات هذه الورقة التي ألقاها له الكاتب لكي يستحوذ على تأييد الجماهير لقراراته بسجن منافسيه ولكي يظهر بصورة البطل منقذ الحريات، فقد استطاع تصوير صراع عادي على السلطة على أنه صراع بين الديكتاتورية والديمقراطية.

المصدر

  • كتاب «الخطابة السياسية في العصر الحديث». الدكتو عماد عبداللطيف.

محمد أحمد

محمد أحمد

صحفي يكتب في التراث والثقافة الشعبية