رئيس التحرير أحمد متولي
 عزيزة أمير.. ما لا تعرفه عن أول ممثلة ومنتجة ومؤلفة في تاريخ السينما

عزيزة أمير.. ما لا تعرفه عن أول ممثلة ومنتجة ومؤلفة في تاريخ السينما

من المستحيل الحديث عن السينما المصرية ونشأتها أو بتعبير أدق عن بدايتها الحقيقية دون أن نضع اسم عزيزة أمير في جملة مفيدة، فهذه الفنانة الكبيرة يأتي اسمها دائماً في مقدمة رائدات ورواد السينما المصرية وفي مقدمة صُناعها الأوائل.

في كتابه «صُناع السينما.. نجوم الفن الجميل» يقول الكاتب أحمد الجندي إن عزيزة أمير هي صاحبة أول فيلم روائي مصري «ليلى»، والذي تصدت لإنتاجه وقامت ببطولته عام 1927، وهو الفيلم الذي يحظى بإجماع كل مؤرخي ونقاد السينما المصرية باعتباره البداية الحقيقية لهذه السينما واللبنة الأولى في بناء صناعتها ونهضتها، لذلك تحمل عزيزة أمير عن جدارة لقب «السيدة الأولى» للسينما المصرية.

ولم يكن هذا هو دورها فحسب، بل أسست شركة للإنتاج السينمائي حملت اسم «إيزيس فيلم»، وتوالت أفلامها وظلت موجودة على ساحة السينما المصرية ما يقرب من 25 عاماً قدمت خلالها ما يقرب من 20 فيلماً كمنتجة، ومؤلفة، وممثلة، ومخرجة، وهذا التنوع والتكامل الفني جعلها أشبه بمؤسسة سينمائية كاملة.

من دمياط إلى القاهرة

وُلدت عزيزة أمير أو «مفيدة محمد غنيم»، وهو اسمها الحقيقي، في 19 ديسمبر 1901 بمحافظة دمياط لأسرة ميسورة الحال، ثم انتقلت إلى الإسكندرية التي تلقت فيها تعليمها الأساسي، وبدأ تحولها للفن من خلال الموسيقى التي درستها إلى جانب دراستها بالمدارس الفرنسية.

لم تمكث طويلاً في الإسكندرية فسرعان ما انتقلت إلى القاهرة وهي تحمل كامل شغفها الفني وأمنياتها بأن تكون موسيقية ومطربة اعتماداً على حبها للموسيقى وصوتها الجميل الذي كان يلقى إشادة واستحسان كل من يسمعها.

وفي القاهرة تغيرت بوصلتها تماماً عندما رأت هذا الانتشار الهائل للفرق المسرحية وبدأ فن التمثيل يجذبها أكثر، وبالفعل التحقت بفرقة رمسيس التي أسسها وافتتحها يوسف وهبي عام 1922. ومع هذه الفرقة كانت بدايتها في عالم المسرح والتمثيل، فظهرت على خشبة المسرح لأول مرة في مسرحية «الجاه المزيف» عام 1924، لذا هناك شبه إجماع من المؤرخين الفنيين على أن يوسف وهبي هو مكتشفها الأول وهو من اختار لها اسمها الذي عُرفت واشتهرت به طوال مسيرتها الفنية.

أثبتت «عزيزة» موهبة واضحة في عالم التمثيل وسرعان ما أصبحت اسماً واضحاً في الحياة الفنية، ما جعلها تنتقل للعمل في أكثر من فرقة مسرحية شهيرة في ذاك الزمان، فعملت في فرق «الريحاني»، و«عكاشة»، و«ترقية التمثيل العربي»، وأصبحت بطلة للعديد من مسرحيات هذه الفرق مثل مسرحيات «الشرف البابلي»، و«إحسان بك»، و«المجاهدون»، و«فرانشيسكو»، واشتهرت خلال تلك الفترة باسم «إيزيس».

مغامرة سينمائية

ومن رحم المسرح وُلدت السينما المصرية حيث كان روادها وصُناعها الأوائل من نجوم خشبة المسرح، ومن هؤلاء كانت عزيزة أمير التي قررت بجرأة بالغة أن تؤسس سينما مصرية جادة وحقيقية من خلال تفكيرها وحماسها الهائل لتقديم أول فيلم روائي مصري.

في تلك الفترة كانت السينما في مصر عبارة عن إرهاصات أولى منذ أن عرض «الأخوان لومير» أول شريط مصور في مدينة الإسكندرية في 5 نوفمبر 1896، وتمثلت ذلك في مجهودات فردية لعدد من السينمائيين الأوائل (مصريين وأجانب) قدموا شرائط مصورة قصيرة مصرية وأجنبية، حتى فكّرت عزيزة أمير عام 1927 في تقديم فيلمها الروائي الأول.

قبلت «عزيزة» التحدي وقررت خوض المغامرة والتأسيس لسينما مصرية خالصة وجادة، وساعدها في ذلك أموالها التي ورثتها عن أبيها، وأيضاً زوجها من الثري أحمد الشريعي الذي تحمس ووقف إلى جوارها يساندها مادياً ومعنوياً. أسست «عزيزة» شركة للإنتاج السينمائي أطلقت عليها اسم «إيزيس فيلم» وهو الاسم الذي اشتهرت به في المسرح.


الفيلم الأول

بدأت عزيزة أمير بتنفيذ حلمها أو مغامراتها السينمائية من خلال سيناريو كتبه وداد عرفي، المصري التركي، ومعه أحمد جلال، واتخذت من بدروم فيلتها بحي جاردن سيتي أستوديو يشتمل على الأدوات والمعدات اللازمة لتصوير الفيلم التي اشتراها زوجها من ألمانيا وفرنسا، وعهدت إلى «وداد» بعملية الإخراج إلى جانب قيامه ببطولة الفيلم أمامها. وكان اسم الفيلم في البداية «نداء الله».

لكن بعد أيام قليلة من بداية التصوير نشب خلاف فني بين «عزيزة» و«وداد»، فاستبعدته من إخراج الفيلم لكنه ظل بطلاً له، وأسندت عملية الإخراج لمصور الفيلم حسن الهلباوي، لكنها وجدته يلتقط المشاهد بسرعة شديدة فلم تقتنع بشكل كامل بقدرته على الاستمرار في إخراج فيلم تحلم بأن يكون بداية للسينما المصرية.

بعدها أسندت الفيلم إلى مخرج مجري كان مقيماً في مصر لكنه سرعان ما اعتذر بدعوى أن قصته غير مترابطة، فاستعانت بأحمد جلال أحد ممثلي الفيلم وزوجها أحمد الشريعي وقاموا بتعديل السيناريو وأيضاً غيروا اسم الفيلم إلى «ليلى»، وفكرت عزيزة في الاستعانة بزميلها في فرقة رمسيس الفنان استيفان روستي لكي يقوم بإخراج الفيلم.

استعان «استيفان» بصديقه المصور السينمائي «توليو كاباريتي» كمساعد للإخراج، وقام بتعديلات طفيفة على السيناريو وأدخل عليه شخصية «رؤوف» التي قام بتمثيلها داخل أحداث الفيلم.

عُرض الفيلم في 16 نوفمبر 1927 في دار سينما «متروبول» ليكون هذا التاريخ هو بداية وميلاد أول فيلم روائي مصري. وحقق الفيلم نجاحاً أسطورياً واستقبله الجمهور استقبالاً حافلاً رغم أن الفيلم كان صامتاً فلم تكن السينما المصرية وقتها قد عرفت شريط الصوت أو الفيلم الناطق.

نجاح عزيزة أمير في هذه المغامرة السينمائية الجريئة جاء بثمرته سريعاً، فقد أغرى كثيرين في الدخول بقوة إلى عالم السينما وتقديم أفلام روائية مصرية طويلة.

بعد هذه الخطوة انطلقت «عزيزة» سينمائياً كمنتجة ومؤلفة وممثلة وقدمت خلال مسيرتها السينمائية التي استمرت نحو ربع قرن ما يقرب من 35 فيلماً، أهمها «بسلامته عايز يتجوز»، و«بياعة التفاح»، و«الورشة»، و«ابن البلاد»، و«طاقية الإخفاء»، و«فتاة من فلسطين»، و«نادية» و«أخلاق للبيع».

المصدر

  • كتاب «صُناع السينما. نجوم الفن الجميل». أحمد الجندي.

محمد أحمد

محمد أحمد

صحفي يكتب في التراث والثقافة الشعبية