رئيس التحرير أحمد متولي
 هل يستطيع الإنسان مصارعة الطبيعة الجامحة؟.. الإجابة في «موبي ديك»

هل يستطيع الإنسان مصارعة الطبيعة الجامحة؟.. الإجابة في «موبي ديك»

تواجهنا في الدنيا الكثير من المشاكل، فنحاول أن نحلها بصبر وذكاء، ونقاوم ونعاند ونتخطى المعضلات بإرادة وعزيمة، لكن في لحظة ما قد يصيبنا الغضب والضيق، فنشكوى ونعلن الحرب على كل شيء.

حين يصارع الإنسان قدره، قد لا يرضى بالمقسوم ويقرر الانتقام من الظروف، فهل يمكنه المواجهة حتى النهاية وتحقيق هدفه؟

موبي ديك.. قصة الإنسانية في رواية

صورة ذات صلة

تخيل أنك تعيش في منتصف القرن التاسع عشر، وتعمل في واحدة من أصعب المهن في التاريخ وهي صيد الحيتان، فتركب السفينة الشراعية مع طاقم البحارة والقبطان نحو المجهول في المحيطات الشاسعة، قبل ظهور الكهرباء والتكنولوجيا الحديثة بكل إمكانياتها.

صعوبة المهنة تكمن في اصطياد الحوت بالغ الضخامة بواسطة معدات بدائية، فيلتف البحارة بالقوارب الخشبية حول الحوت ليطعنوه بالرماح ثم يقيدونه بالحبال ويسحبوه إلى السفينة الضخمة، وهدفهم لحمه الثمين وزيته المستخدم في الإضاءة وقتها، بالإضافة لعطر العنبر المستخرج منه.

هذه هي الأجواء التي اختارها المؤلف الأمريكي هيرمان ملفيل ليكتب أشهر رواياته وأفضلها «موبي ديك» سنة 1851، ويستخدم حياة البحارة في صيد الحيتان ليحكي عن البطل الذي تحدى قدره وظروفه، قبطان السفينة المخضرم كابتن «أهاب»، فكيف أصبحت الرواية من أفضل الأعمال الأدبية في التاريخ وتعبر عن الإنسانية كلها؟

كابتن «أهاب»: سأحارب الكون!

صورة ذات صلة
كابتن «إهاب» صار يمثل كل إنسان يحارب القدر والطبيعة

في إحدى رحلات كابتن «أهاب» لصيد الحيتان، واجه حوتًا عنيدًا لا يشبه أي حوت آخر، بل إن هذا الحوت اشتهر بين البحارة باستحالة صيده حتى أطلقوا عليه اسم «موبي ديك» تمييزًا له، ولم يكن «أهاب» استثناءً بين القباطنة، فقد فشل في صيده، كما أكل الحوت قدمه أيضًا.

كيف للقبطان العظيم أن يهزمه حوت أعجم؟ بل ويتركه بقدم واحدة لباقي عمره؟ لم يقتنع كابتن «أهاب» بما حدث، وقرر الانتقام من الحوت، بل من الطبيعة كلها. خرج «أهاب» في الرحلة التالية مع بحارته وأخبرهم بخطته: سنطارد الحوت بدلاً من صيده، واستطاع بخطابه الحماسي أن يقنعهم.

يمثل «أهاب» حالة كل إنسان لم يقبل بنصيبه وظروفه، فأي شخص عاقل يعرف أن الحوت «موبي ديك» يدافع عن نفسه ضد الصيد، وعلى «أهاب» أن ينساه ويبحث عن رزقه مع الحيتان الأخرى، ولا يجب أن يضيع مجهود البحارة في هذه الرحلة الرهيبة من أجل قتل الحوت فقط.

لقد اعترض «أهاب» على قدره الذي أصابه، وعلى كونه كائنًا ضعيفًا ضئيلاً في هذا الكون العظيم، واعتبر نفسه رسولاً عليه أن يقضي على الشر المتمثل في «موبي ديك» وفي كل ما يواجه الإنسان من صعوبات، لذا أراد أن يواجه كل هذا وينتصر عليه من جديد.

المواجهة

نتيجة بحث الصور عن ‪moby dick captain ahab‬‏

قاد «أهاب» بحارته نحو هدف واحد، الحوت «موبي ديك» ولا شيء سواه، فهو يعرف الأماكن التي يمكنه التواجد فيها بخبرته الكبيرة في البحار، وراح يضحي بكل نفيس في سبيل الوصول لهدفه، لدرجة تخليه عن حوت جاهز للصيد وتغيير وجهة السفينة إلى مكان «موبي ديك» المحتمل، بل رفض مساعدة قبطان آخر كي يلحق بالحوت.

كان طاقم البحارة مستسلمًا للقبطان المجنون وينفذ كل أوامره، إلا بحار واحد ذو شأن وخبرة قرر قتله حتى ينقذ السفينة من الهلاك ويعود بها إلى مهمتها الأصلية، لكنه يفشل في هذا حين رأى تصميم «أهاب» ورغبته في الثأر للإنسانية كلها من الطبيعة والظروف، من الحوت.

أخيرًا يتحقق مراد «أهاب» مع ظهور «موبي ديك» في الأفق. البحارة شاهدوه وأصابهم الرعب، فقد امتلأ جسد الحوت برماح البحارة الذين فشلوا في صيده، ورغم هذا أمر القبطان بنزول القوارب نحوه وكان في طليعتها حتى يقاتله بنفسه.

نتيجة بحث الصور عن ‪captain ahab‬‏

ماذا حدث في المواجهة؟ انقلبت جميع القوارب بكل ما فيها من بحارة، ولم يفلت أحد من قبضة الحوت، قبضة الطبيعة والقدر التي لا يستطيع الإنسان مقاومتها، أما «أهاب» فقد استطاع بخبرته الوصول للحوت وطعنه بالرمح أكثر من مرة، ولكن ماذا تفعل طعنات بسيطة في جسد الحوت العظيم؟

وصل المشهد ذروته إلى حين يلتف الحبل حول «أهاب» وحول «موبي ديك»، كأن الإنسان والطبيعة صاروا كيانًا واحدًا، وهنا سحب الحوت «أهاب» معه في البحر، وسط الرياح العاتية والبرد، وكأن الطبيعة كلها تتكاتف، وكانت النتيجة موت القبطان غرقًا، ثم عاد الحوت ليحطم السفينة كلها ويجعلها ركامًا وحطامًا.

في الواقع

نتيجة بحث الصور عن ‪titanic and moby dick‬‏
رسمة تربط بين السفينة «تايتانك» والحوت «موبي ديك»

هل تحدى الإنسان قدره ككائن ضعيف وسط طبيعة أقوى من قبل؟ يخبرنا التاريخ أن واقعة شهيرة طبقت هذه الفكرة بالضبط، وبالتحديد في سنة 1912 مع تدشين السفينة الإنجليزية «تايتانك» وإنطلاقها في رحلتها الأولى من لندن إلى نيويورك.

كانت السفينة تمثل قمة التكنولوجيا الحديثة في ذلك الوقت، وصنعها أمهر مهندسي السفن لتكون الأكثر أمانًا وفخامة، وتتصدى لكل العوائق الطبيعية في البحر لتصبح كما وصفتها الشركة المصنعة لها «غير قابلة للغرق»، بل إن أحمد موظفي الشركة قال على سبيل المبالغة «حتى الرب نفسه لا يستطيع إغراق السفينة».

نتيجة بحث الصور عن شبابيك سفينة تيتانك
التايتانك تصطدم بالجبل الجليدي

كانت «تايتانك» في هذا الموقف تمثل كبرياء وعظمة البشرية كلها، والثقة المطلقة في ذكاء الإنسان وقدرته على تطويع الكون لأجل مصالحه، وكأن «تايتانك» هي سفينة «أهاب» التي تريد أن تهزم الحوت أو الطبيعة الجامحة، فكانت النتيجة كما حكاها الأديب هيرمان ملفيل قبل إبحار السفينة بـ 61 عامًا.

غرقت «تايتانك» بفعل اصطدامها بجبل جليدي أرسلها إلى القاع مباشرة بعدما انقسمت لنصفين في مشهد درامي مهيب، وانتهت معها حياة أكثر من 1500 شخص غرقًا في الماء المتجمد، وعودة 706 راكب في قوارب النجاة التي قلل صناع السفينة عددها حتى لا يفسد شكلها الأسطوري.

خرجت الصحف بالعنوان الرئيسي قائلاً «السفينة التي لا تغرق راقدة في أعماق المحيط» فكانت رسالة تاريخية وأدبية تقول للإنسان: يمكنك أن تسعى في حل مشاكلك وتطوير علومك، لكنك ستبقى ضعيفًا أمام عظمة الكون والظروف الطبيعية فهذا قدرك المحتوم.

والآن يمكنك قراءة وتحميل روراية «موبي ديك» كاملة من هنا

محمود حافظ

محمود حافظ

روائي وصحفي، مهتم بالسينما والأدب ومزجهما بالتاريخ والفلسفة